''5

212 20 0
                                    


وهذا ما يدفعنا للتساؤل إن كانت مجرد كلمات عربية وبلهجات مختلفة أثارت هذه التساؤلات فكيف بأسماء حيوانات وخضروات لا يعرفها العرب! فهل ستتحقق الغاية الإلهية في أن يعقل العرب هذا القرآن؟ لذلك ذكر الله سائر مخلوقاته التي لا توجد في جزيرة العرب بصفة العموم تفادياً للبس, فذكر أن منها من يزحف على بطنه ومنها من يمشي على اثنتين أو أربع وذكر منها أيضاً ذوات الأنياب والمخالب والجوارح والسباع ومن ثم ذكر بصفة العموم قوله سبحانه {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل آية 8] وفي ذلك إشارة لوجود مخلوقات أخرى غير التي في جزيرة العرب, بل يملك القرآن أسبقية بالإشارة لوجود حتى الفيروسات والميكروبات والحيوانات المجهرية والتي لا تُرى بالعين المجردة آنذاك إذ قال الله
{فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(39)} [سورة الحاقة آية 38, 39]
     

  ولكن لَما كان من ضرورة التشريع تحريم لحم الخنزير فقد ذكر الله الخنزير  باسمه رغم أنه حيوان لا يعيش في جزيرة العرب مما أشكل على بعض المسلمين حينها, فكما ذكر ابن الوراق في كتابه (لماذا أنا لست مسلماً) عن تعجبه في كيفية تحريم النبي محمد لحيوان لا يعيش في جزيرة العرب وبعضهم لم يرَه إلا لاحقاً في الحبشة ومصر؟, وهنا يكمن الإعجاز الذي يأبى إلا أن يثبت أن القرآن يخاطب العقول وأنه من لدن عزيز خبير.
     

  يتساءلون بعد ذلك عن التشابه الكبير بين القرآن والكتب السماوية التي تسبقه في محاولة منهم لإثبات أن النبي محمداً عليه السلام أخذ القصص الموجودة في القرآن الكريم من التوراة والإنجيل مفسرين بذلك بأنه كان عن طريق (ورقة بن نوفل) أو ربما الراهب "بحيرا"!, وأن "محمداً" لم يأتِ بشيء جديد يثبت نبوته وما فعله من سرقة لقصص وتشريعات الكتب السماوية يستطيع أي شخص غيره أن يفعله؟!
   

    وطبعاً مثل هذه التساؤلات تثبت انها نابعة من أهواء من يطرحها, فلو كان القرآن مختلفاً في قصصه لقالوا إن هذا دينٌ جديدٌ علينا ولا يمكن أن نصدق ما ليس له علاقة بتاريخنا! وحين أتى القرآن مصدقاً لما قبله وعلى امتدادٍ له قالوا إن هذا دينٌ يسرق ما لدينا ولا يمكن أن نصدق من يسلب تاريخنا! ولكن على الجميع أن يعرف أن النبي محمداً لم يدّعِ أنه أتى بدين جديد وإنما رسالته ليست إلا امتداداً للرسل من قبله وختاماً لها فكيف يكون مطالباً بأن يأتي بقصص جديدة وهو في نفس الوقت مطالبٌ أن يثبت أنه مرسَلٌ من نفس رب بني إسرائيل؟ ولكن كان لا بد من أن (يصحح) القرآن بعض التحريفات والأخطاء البشرية الموجودة في الكتب المقدسة ومن هذا المنطلق وُجدت بعض الاختلافات في القصص, كأن يكون الذبيح في قصة سيدنا "إبراهيم" هو "إسماعيل" وليس "إسحاق" وكأن تستوي سفينة "نوح" على جبل الجودي وليس جبل أرارات, وكذلك أن تكون "مريم" عذراء ولم يمسها بشر مطلقاً وليست مخطوبة من يوسف النجار الذي فرت معه! وأن يكون ابنها "عيسى" عبد الله ورسوله وليس أحد الآلهة الثلاثة! أما ما أضافه القرآن من قصص فهي لإكمال الرسالة الربانية, فمثلاً لا يوجد في الكتب السماوية قصة هود وصالح وثمود وأصحاب الكهف والأيكة والفيل ولا يوجد أيضاً قصة طرد إبليس من الجنة لرفض السجود لأدم! فقط القرآن هو من تطرق لهذه الحادثة التي تكتمل بفضلها الصورة لحقيقة العداوة بين الإنسان والشيطان!
       
ورغم مرور قرون على اكتمال الكتب السماوية إلا أنه قد ظهر لاحقاً قصة رفض سجود إبليس لآدم مكتوبة في إنجيل جديد اسمه The book of Adam, ولم تصادق عليه الكنائس وتم اعتباره من الأناجيل المزيفة أو ما يُعرف "بالأبوكريفا" ومع ذلك لم يتسنَّ لأحد من المسلمين أن يقول إن هذه الإضافة المفاجئة على الإنجيل مسروقة من القرآن لأننا جميعاً نؤمن بوحدانية المصدر! ولا عجب بأن يكون هناك تشابه كبير يثبت رغم التحريف بأن الأديان السابقة من الله.
     
  وبالعودة لأحد أبرز الاختلافات التي وردت بين القرآن والكتب السماوية هو ما ورد في شخصية "هامان" حيث جاء في القرآن عن كونه وزيراً لفرعون بينما في الكتب السماوية كان "هامان" وزيراً لملك بابل "آحشوبروش", ومما لا شك فيه أن هذا اختلاف كبير حول شخصية "هامان" نظراً لاختلاف زمان ومكان وجوده بين القرآن والكتب السماوية مما فسره أعداء القرآن على أنه خطأ في الاقتباس من النبي "محمد" وذلك في وضعه لشخصية "هامان" بمكان آخر وفي عهد آخر ليثبت بذلك أن نبوته ليست إلا محاولات (بشرية) في نسخ القصص الموجودة لدى الكتب السابقة!
    
   طبعاً المنطق يقول بأنه ليس هناك أي مانع من أن توجد شخصية مستقلة اسمها "هامان" في عهد الملك "أحشوبروش" في بابل وأخرى في عهد "فرعون" في مصر, فلدى المسيحين مثال على ذلك لأنهم يؤمنون بالنبي "يوسف" ويؤمنون بوجود شخصية اسمها "يوسف" في عهد "مريم العذراء" وهو الذي تزوجها, ولكني مع ذلك سأستشهد بما ذكره الدكتور الفرنسي "موريس بوكاي" في كتابه Moise et Pharaon  حيث كتب " لقد جاء ذكر "هامان" في القرآن كرئيس المعماريين والبنّائين. ولكن الكتاب المقدس لا يذكر أي شيء عن وجود "هامان" في عهد فرعون, وقد قُمت بكتابة كلمة "هامان" باللغة الهيروغلوفية (لغة مصر القديمة), وعرضتها على أحد المختصّين في تاريخ مصر القديمة, ولكي لا أدعه تحت أي تأثير لم أذكر له أنها وردت في القرآن, بل قلت له إنها وردت في وثيقة عربية قديمة يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادي. فقال لي المختصّ: "يستحيل أن ترِد هذه الكلمة في أي وثيقة عربية في القرن السابع؛ لأن رموز الكتابة باللغة الهيروغلوفية لم تكن قد حلّت آنذاك". ولكي أتحقق من هذا الأمر فقد أوصاني بمراجعة "قاموس أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة" لمؤلفة "أللامند رانك". نظرتُ إلى القاموس فوجدت أن هذا الاسم موجود هناك ومكتوب باللغة الهيروغلوفية وباللغة الألمانية كذلك. كما كانت هناك ترجمة لمعنى هذا الاسم وهو "رئيس عمّال مقالع الحجر".
   

      وكان هذا الاسم أو اللقب يطلق آنذاك على الرئيس الذي يتولى إدارة المشاريع الإنشائية الكبيرة. استنسخت تلك الصفحة من ذلك القاموس وذهبت إلى المختصر الذي أوصاني بقراءته, ثم فتحتُ ترجمة القرآن بالألمانية وأريته اسم "هامان" فيه, فاندهش ولم يستطع أن يقول شيئاً, لو جاء ذكر اسم "هامان فرعون" في أي كتاب قبل القرآن, أو لو جاء ذكره في الكتاب المقدس لكان المعترضون على حق, ولكن لم يرد هذا الاسم حتى نزول القرآن في أي نصّ, بل ورد فقط على الأحجار الأثرية لمصر القديمة وبالخط الهيروغلوفي, إنّ ورود هذا الاسم في القرآن بهذا الشكل المذهل لا يمكن تفسيره إلا بأنه معجزة, وليس ثمة أي تعليل آخر.. أجل, إن القرآن أعظم معجزة.."

       وما ذكره الدكتور "موريس بوكاي" في كتابه عن البحث الذي توصل فيه أن اسم "هامان" يعني رئيس العمال في اللغة الهيروغلوفية كاسم "فرعون" الذي يعني الملك أيضاً! وُجد أن ذلك يتناسب مع الأوامر التي كان هامان (المقاول) يتلقاها من فرعون (الملك) في نصوص القرآن بأن يبني صروحاً وبروجاً لفرعون {فَأَوْقِدْ لِي يَهَمَنُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَذِبِينَ} [سورة القصص آية 38] وكذلك قول الله {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَهَمَنُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَبَ} [سورة غافر آية 36].
  
     فلو كان النبي "محمد عليه السلام" قد سرق من القصص المذكورة في الكتب السابقة كما يزعمون, فمن أين جاءت هذه الاختلافات في القصص وهذه الإضافات؟ لماذا يكن التطابق بين القرآن والتوراة أو الإنجيل بنسبة (100%) طالما أن "محمداً" يملك خيار النسخ منها؟ أم أن ما ذكره القرآن هو لتصحيح كلام الله الذي تم التلاعب به وتحريفه في الكتب السابقة من أجل مصالح سياسية ودنيوية؟

أقوم قيلا Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz