الفصل__3

273 27 0
                                    


زميلتي المسيحية...

        "إيفا".. امرأة أمريكية مسيحية في منتصف الخمسينيات من  العمر, شاء الله أن أعمل برفقتها في أحد المستشفيات الحكومية, وكانت خائفة من قدومها إلى السعودية للعمل على حد قولها وشخصيّاً لا ألومها على خوفها طالما أن إعلامهم مستمرٌّ في إظهارنا بصورة الإرهابيين المتحجرين..
   
    ذات يوم وبعيداً عن أجواء العمل أبحرنا في دردشة جانبية وحاولت بذلك أن أكتشفها أكثر, اتضح لي من خلال حديثنا عن عائلتها والصور التذكارية التي أظهرتها من محفظتها أن زوجها المتوفى كان أسود البشرة وأثناء الحديث عن زوجها بدأت تذرف الدموع على ذكراه, ليس لأنه مات فحسب, بل ما صاحب ذلك من ذكريات تعيسة وهي تحكي لي عنه وكيف التقت به وكيف كانا يتعرضان لاضطهاد واحتقار شديدين لكونها بيضاء اللون وزوجها أسود, أخذنا النقاش فجأة إلى الدين الإسلامي وكيف أنه يحارب  العنصرية ويندد بهذه التصرفات وكيف أن رسول الإسلام أذاب الأبيض في الأسود وحدد الألوان تحت راية واحدة, وجعل الناس سواسية كأسنان المشط يصلون خلف الأسود "بلال بن رباح" دون تفرقة وكيف أمر المسلمين إجمالاً بترك العصبية ووصفها بأنها منتنة.. فردت لي بأنها تعرف ذلك جيداً! ثم أضافت بأن نبذ الإسلام للعنصرية هو ما جعل السود في أمريكا يعتنقون هذا الدين إبان ثورة السود في ستينيات القرن الماضي ولعل أشهرهم قائد هذه الثورة "مالكولم أكس" والذي اغتالوه نظير ذلك.
 
    بعد نقاشنا الهادئ وحين هممنا بإنهاء اللقاء اعترفت لي "إيفا" بكلام مفاجئ حين قالت لي وبمناسبة حديثنا عن الإسلام بأن قلبها قد رق لهذا الدين بعد عيشها بين جموع المسلمين ولكنها تريد أن تقرأ أكثر عن هذا الدين فطلبت مني أن أحضر لها القرآن لتقرأه فوعدتها بذلك, وفي اليوم التالي ذهبت إلى أكثر من مكتبة لأبحث لها عن أفضل ترجمة لمعاني المصحف الشريف باللغة الإنجليزية ورغم قناعتي بأن وقع اللغة العربية ليس له مثيل ولكن هكذا أراد الله.
     
  جاء اليوم الذي لاقيت فيه السيدة "إيفا" وقدمت لها القرآن ففرحت بذلك كثيراً ثم قالت لي: "كم ثمنه؟" وهي تضع يدها على حقيبتها وكأنها على استعداد لإخراج المبلغ الذي سأقوله, ولكنها
تفاجأت وفرحت عندما قلت لها بأن القرآن هدية مني ولن آخذ في كتاب الله أي فلس, شكرتني كثيراً والشكر لله وقالت لي: دعني أقرأه وسأعود إليك فور انتهائي, فقلت لها: إن شاء الله.
     
  بعد أكثر من أسبوعين, أجبرتني ظروف العمل أن ألتقي بها من جديد في اجتماع للموظفين, وبعد أن انتهينا من الاجتماع جاءت "إيفا" وهمست لي بأنها تريد أن تخبرني انطباعها عن الذي قرأت من القرآن, سعدت لسماع رأيها رغم أنني استشففت من لغة جسدها عدم الرضا, ولكن لثقتي بكتاب الله اعتقدت أنها قلقة من أمر آخر.
     
  جاءتني على استحياء وقد طأطأت رأسها وكأنها تجر أذيال الهزيمة وقالت لي: لا أخفي عليك يا سلطان أني تراجعت عن فكرة الخوض في تفاصيل الإسلام وربما اعتناقه, تفاجأت! وسألتها لماذا؟ فقالت: "لن أقول لك كيف كانت سعادتي حين أهديتني القرآن لأنك رأيت ذلك بعينك, ولكني حين بدأت بقراءة فهرس القرآن لفت انتباهي سورة اسمها (The Women ) أي النساء, وبما أني حريصة على إقناع نفسي بأن الإسلام دين أكرم المرأة ونصرها فقد قررت أن أبدأ بقراءة هذه السورة أولاً لعلي أرى فيها تكذيباً للتهم التي تقول إن الإسلام اضطهد المرأة وما أن بدأت بقراءة السورة التي تخص النساء حتى صُدمت من ذلك, فالسورة بدأت بالحث على التعدد مروراً بجعل نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين مروراً بتعزيز قوامة الرجل على المرأة, وقد اكتفيت عند إعطاء الرجل السلطة لضرب المرأة وهجرها, فقد كفاني ما قرأته من السورة التي ظننت أنها ستستأصل من رأسي فكرة اضطهاد الإسلام للمرأة وأن ما نراه من المسلمين ليس إلا ممارسات فردية خاطئة ولكني الآن أصبحت على قناعة بأن ما تتعرض له المرأة في الإسلام من ظلم وتهميش هو من واقع التشريع القرآني, لذا أنا أعتذر وأعتقد أن الحظ لم يحالفني للإبحار في هذا الدين العظيم أو حتى اعتناقه!"
      
قلت لها: حسناً.. سأحترم وجهة نظرك ولكن أريد منكِ وعداً بأن أراكِ لاحقاً لأُعطيكِ رأيي فيما قلتِه وكيف فهمتِه, قالت لي "أعدك".
     

  فأخذت منها موعداً في الأسبوع الذي يليه, وبالفعل زارتني "إيفا" في اليوم الموعود فرحبت بها في مكتبي الصغير وكنت حينها قد حضّرت نفسي جيداً للإدلاء بدلوي من واقع فهمي للقرآن وبحثي وتمحيصي بنصوصه, جلست وقالت لي: "ها أنا على وعدي وكلي آذانٌ صاغية", قلت لها: "في البداية ساءني كثيراً الطريقة التي فهمتِ بها ما قرأتهِ ولست أقدح في فهمك ولكني أجزم بأن للتأمل دوراً في إيضاح مدى ظلمك لنفسك كامرأة", قالت: "أتفهم موقفك في دفاعك عن دينك ولكني آسفة فلا أعتقد أن ما قرأته غير واضح إلى درجة تستدعي التأمل", قلت لها: "ولكني لست هنا لأدافع عن ديني بقدر أنني كرهت أن أقف مكتوف الأيدي وأنا أراك قد أسأتِ الفهم.. فأسمحي لي أن أقول ما لدي ولكِ الخيار المطلق في أخذه أو تركه, فأنا لن أكره الناس حتى يكونوا مؤمنين!" فقالت: "حسناً".

أقوم قيلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن