الفصل--8

238 10 2
                                    

أم مُحجن..

       ربما يكون أسم "أم محجن" غريباً على بعضنا, ولكن القصة التي يخفيها هذا الاسم وراءه تستحق منا الوقوف على ذكراها دائماً, نظراً لأنها تكتشف لنا ما يثبت أن الموروث الثقافي لدينا طغى على الموروث الديني.. خصوصاً فيما يخص المرأة..

       يذكر لنا التاريخ قصة "أم مُحجن", تلك المرأة السمراء التي مانت تعمل في تنظيف المساجد في عهد الرسول محمدٍ عليه السلام, لم يكن أحدٌ ليمنعها من ممارسة هذا العمل الشريف رغم أنها امرأة! ولم يأمرها أحدٌ بأن تلزم منزلها وتهمل دورها الاجتماعي رغم انها امرأة! ولم يكن أحدٌ ليهمش كيانها ويسلبها حقها رغم أنها امرأة!

       ماتت "أم مُحجن" فسكت عن موتها الناس ظنّاً منهم أنها كانت مجرد امرأة, علاوة على كونها في مقام عامل النظافة, أي أن خبر موتها لا يحتاج لأن يذاع ويعطي أكبر من حجمه..! هكذا كانوا يظنون..!

مرت الأيام وتوارت ذكريات "أم مُحجن" وكادت تكون نسياً منسيّاً, حتى رأى الرسول عليه السلام قبراً.. فسأل عن صاحبه, فقالوا له: هذا قبر "أم مُحجن", فغضب الرسول لأنهم لم يخبروه بموتها, ليتفاجأ جميع من حوله بالاهتمام الذي حظيت به هذه "المرأة" من رسول الإسلام, فقام الرسول برفقة صحابته وصلوا عليها صلاة الميت, ليقر الرسول بذلك قيمة لم تكن معهودة من قبل عن مكانة المرأة وكيفية الشكل الذي يجب أن تحترم عليه, ولم يتوقف الأمر هنا.. بل أخبرنا الرسول أن عملها في تنظيف المساجد كان أفضل ما نفعها في قبرها.. هنا فقط.. أقرّ رسول الإسلام مكانة عظيمة للمرأة, كما أقرّ حقها في أن تعمل وتنخرط في المجتمع وتسعى خلف تحقيق أهدافها وتكوين ذاتها لتحصل على قوت يومها!.. وبذلك صار اسم "أم مُحجن" نموذجاً لما فعله الإسلام من احترام تجاه امرأة.. سمراء اللون.. وعاملة نظافة..!(1)

      في نفس هذا الوقت وفي قارة أخرها اسمها "أوروبا", كان الجهل سيد الموقف في حقبة زمنية اتفق المؤرخون على تسميتها (بالعصور المظلمة), وذلك لما كان يعتريها من ضياع واستعباد وانعدامٍ لأبجديات الأخلاق والإنسانية, هناك.. كانت المرأة تُصنف مع الحيوانات, وكان ممنوعاً عليها العمل والخروج من المنزل أو حتى ممارسة طقوسها الدينية في الملأ والحديث مع الغرباء ولو للضرورة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

1-انظر فتح الباري لابن حجر رقم 658/1.

وفي ذلك الوقت أيضاً, كانت المرأة منبوذة وليس لها أدنى احترام, ويُحرم على الرجل النظر إليها ليس احتراماً لها.. بل لأنها كائن مقزز! كما كانت المرأة تعاني ممن يتهمها بأنها ملعونة وأنها كانت من أخرجت آدم من الجنة وأن الشيطان هم من يتحكم بها, فكانت تُتهم عند أدنى فعلٍ لها بالسحر والشعوذة, فيتم في كل فترة حرق مجموعة من النساء واتهامهن بأنهن ساحرات.

       وفي ذلك الوقت أيضاً, كانت بعض المتاجر تمنع أن تبيع للنساء أو تشتري منهن, وكام ممنوعاً عل المرأة الخوض في المجالات الفنية, بل وممنوعاً عليها حتى كتابة الأدب والشعر والتمثيل, فبالرغم من ازدهار المسرح في تلك العصور إلا أن النساء يُمنعن من التمثيل عليه, فكان الرجال يتنكرون بأزياء نسائية لتمثيل أدوار النساء في المسرحية..!

       وفي نفس الوقت الذي كان رسول الإسلام يصلي فيه على "أم حُجن" كان الرجال في أوروبا لا يحضرون جنازات النساء.. وبعضهم لا يقيم حداداً عليها.. كان وجود المرأة رديفاً للدعارة والبغاء, والسحر والشعوذة, والكذب والخداع والنجاسة..

       يذكر التاريخ أن المرأة كانت في محل شكًّ دائم من قبل زوجها, فكان الرجل لا يخرج من منزله إلا بعد أن يضع على زوجته حزاما حديديّاً يُعرف باسم (حزام العفة) فيقفل عليها الحزام بالمفتاح ويأخذه معه إلى أن يعود للمنزل وذلك حتى لا يتمكن أي رجل من أن يزني بها أثناء خروجه! وكذلك كان يوضع على وجه المرأة قناع حديدي ليمنعها من التحدث مع أحد أثناء خروجها من البيت.

       ومن يصدق بأن المرأة كانت تباع وتشترى بأرخص الأثمان, فيخبرنا التاريخ أن رجلاً في يوغوسلافيا باع زوجته مقابل حمار..!

وآخرون في بلغراد يبيعون النساء على الميزان مقابل الحصور على معزة أو عدد من الدجاج!(1)

      

 "صورة تجمع بين شكل حزام العفة وقناع الوجه"

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.


 "صورة تجمع بين شكل حزام العفة وقناع الوجه"

ـــــــــــــــــــ

للإستزادة انظر همس الجواري 14- علاء اسماعيل.

أقوم قيلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن