١٤- أثَر الفراشَة

58 3 0
                                    

- جيون جونغكوك..


منذ أشهرٍ طويلةٍ كنتُ قد وصلتُ إلىٰ حافّة أعلىٰ أبراج مدينتنا..

أذكر جيّدًا مذاق القهوة البارِدة الّتي جلستُ هناك أستلذّ بها رشفةً رشفة، كان صقيعها يصيب عظام أناملي الملتفة حَول الكوب البلاستيكيّ.

السّترة البَيضاء الخفيفة كانتْ عديمة الحيلة أمام الهواء الخريفيّ الّذي يتلاعب بها ويلفح ملمَحي، وكنتُ كذلك..

أذكر أيضًا كَيف كانتْ أنفاسي خفيفة، وكَيف كنتُ هادئ النّفس بشكلٍ لم آلفه لوقتٍ طويلٍ حتىٰ كدتُ أنسىٰ أنّ المرء يداهم بغَير المشاعِر الثّقيلة.

خطوتُ لَيلتها آخر خطوةٍ تفصِل بين المبنىٰ والسّماء، وظننتُ أنّي لو وقعتُ فربّما أستطيع الحياة مِن جديد..

ربّما لمرّةٍ واحدةٍ أخيرةٍ أستطيع التّحليق..
لكنّي لم أفعل، كما لو كان الهواء يدفعني للتراجع.

كنتُ أقع في ذات هوّة الحزن الّذي بقيتُ أهبط فيها منذ وقتٍ لا أذكره، طويلٌ بما يكفي ليُنسيني كَيف كان شعور أن أكون بخَير، ليجعل كلّ ما يستحوِذ فكري أنّ هذا هو حالي دائمًا، أنّي لطالما كنتُ وسأبقىٰ هكذا..
وأنّي لن أشعر بالحياة ثانيةً.

وفي يومٍ كهذا؛ ما زلتُ أرتدي سترةً بيضاء، لكنّها مختلِفة، والطّقس دافئٌ كفاية، بأوّل أدوار المبنىٰ، ولا قهوة لديّ.

كنتُ قد قررتُ أن أخطو هذه المرّة إلىٰ مكانٍ لم أزره منذ وقتٍ طويل، كان غريبًا علىٰ جسدي الّذي أخذ يشكي خفيةً ذاك العِناد الّذي يُمليني الحديث لئلّا ألقىٰ له ردًّا مِن المقصود.

"كَيف قطعتَه؟"
سألتُ بعدما لَم يُجِب علىٰ جملتي الصّباحيّة الأولىٰ في محاولة كسر الجَليد الّتي بدأتْ تؤرقني، ولم ألقَ استجابةً للمرّة الثّانية.

"كان يعزِف"
أعتقِد أنّ العالم حينما قرر تركي وإيروس بذات الغرفة لأكثر مِن خمس دقائق ترك جيمين بوسطنا ليُضيف بعض اللّين لحدّة وجهَينا وأحاديثنا المقتضبة.

كان جيمين مَن أجاب لألتفت له بتساؤلٍ حينما أدرك عقلي ملفظه..

"لم تعلم ذلك، صحيح؟"
سأل فأومأت، إيروس يستطيع العزف؟

"ولا أنا أيضًا"
تمتم نافيًا برأسه مِن حيث يمكث عند النافذة، فأومأتُ ثانيةً باستيعاب أنّ إيروس لا يحمِل المفاجآت لي فقط.

كان يجِب عليّ أن أرىٰ ذلك منذ اللّحظة الّتي وجدتُه بها نائمًا بجانب باب غرفتي بأوّل ليلةٍ مِن عودتي إلىٰ هذا المكان.

سَديْم - تِ.كحيث تعيش القصص. اكتشف الآن