٢٣- لحظة السّمو

43 4 1
                                    

- جيون جونغكوك..


"هل تعتقِد أن الفضاء يمتلك لونًا؟"
بقينا لساعاتٍ طوالٍ ننصاع لانسياب الأحاديث بيننا إلىٰ أن قاربت الشّمس علىٰ الغروب، حتّىٰ حينما أخرج لوحةً نظيفةً وانشغل بها لم يفقِد تركيزه بالكامِل وظلّ يُجيبني.

"هل تعتقِد أنّه مجرّد فراغٍ واسِعٍ ومظلم؟"
كان غالبًا ما يُجيب بسؤالٍ كما فعل الآن.

مع مرور السّاعات كنتُ أدرك كَيف أنّ الحروف تتخذ هيئة فؤوسٍ صلبةٍ وتهدم ما تبقّىٰ مِن الجدران بيننا، في ليلةٍ أصبح الاختلاف بَين حالنا بالأمس واليَوم واضحًا..
كان الحديث يزداد سلاسة، ويعود الفضل لإيروس.

"لا أرىٰ فيه سوىٰ الأسود"
أجبتُ سؤاله ليرفع رأسه عن اللّوحة ويُعاود سؤالي..

"أليس الأسود لونًا؟"
عقدتُ حاجبَي بحيرةٍ لسؤاله..

رأيتُ هوسه باللّون الأسود وتذكّرتُ كَيف أجابني عندما سألتُه سابقًا عمّا يرىٰ في الفراغ.

"ألم تقل قبلًا أن الفراغ هو ما يحمِل اللّون الأسود؟"
أومأ ولم يغِب عن عيني طيف الابتسامة الّذي زار وجهه لثانية، خمّنتُ أنّه يحاوِل تجميع كلماته قبل النّطق بها؛ لذا أعطيتُه ما كفاه مِن الوقت، حتّىٰ تحدّث أخيرًا..

"إن حمل الأبيض جميع الألوان، ألا يعني ذلك أنّه يحمِل كلّ شيء؟"
أومأتُ متفقًا ليُتابع..

"وإن كان الأبيض يمتلِك كلّ شيء، فماذا يمتلِك اللّون الأسود؟"

انحلّت عقدة حاجبَي بفهمٍ بعدما امتنعتُ عن السّؤال طويلًا، لكن الحيرة ما تزال علىٰ ملمحي.

"اللّا شيء"
تمتمتُ مجيبًا سؤاله المعلق ليومئ برضا ويعود للوحتِه، بينما ما زلتُ أفكر فيما قال..
لونٌ لا يحمِل شيئًا.

"ألم تعتقِد يومًا أنّ الأبيض قد يحمِل الأسود أيضًا؟"

التفتَ إليّ بوجهٍ يحمل أمارات عدم الفهم لأحاوِل الشّرح:
"لقد قلتَ أنّ الأسود لون، وقلتَ أنّ الأبيض يحمِل جميع الألوان، ألا يعني ذلك أنّه يحمل الأسود أيضًا؟"

"تقصِد أنّ الفراغ جزءٌ مِن الامتلاء؟"
سأل وقد ظهرت بعينيه حيرةٌ أكبر مِن الّتي ظهرت علىٰ وجهي منذ قليل، فأومأتُ بهدوء.

كان يبدو كمن تلقّىٰ خبرًا كان أكبر مِن استيعابه.

"إذًا أتتفق مع هوسوك بأنّ الفراغ والامتلاء واحد؟"
سأل وتنهّد عائدًا للوحته ولم يُرخِ عقدة جبينه.

سَديْم - تِ.كWhere stories live. Discover now