- منفرِد: مِن دفتر أبولّو

62 4 0
                                    

-لا تختَبئ مِن المطر-


الأوّل: مِن بين كلّ المحاولات -الّتي أفسدها سقم عقلي- بأن أكون واعيًا؛ فأنا أمتقت الوعي وأمقت الانتساب إليه، يُصيب الوهن جسدي وتُتلف الرّجفة أطرافي إن بقيتُ علَيه، وقد يبدأ الشّوق لعتاب إيروس في بعده عنّي بالتّداعي بين عَيني إن غبتُ عنه طويلًا.

لكنّي اليَوم كنتُ أرتجِف بردًا، ولم يختلِف ذلك كثيرًا عن رجفة خروج روحي مختنقةً بأيدي الوَعي الّذي أتحدّث عنه..

كانت السّماء تُمطر طوال الطّريق إلىٰ هنا، لكن لم يرَ هذا المطر إلّا عَيني.

في كلّ خطوةٍ كنتُ أخطوها في ردهة الاستقبال تركت قدماي أثرًا مبتلًا وقطر شعري أمام عَيني، بقيتُ أقبض كفّي ألمًا مِن البرد الّذي أصاب عظامي حتّى أويتُ إلىٰ الغرفة الّتي تركتُ قبلًا، ابتعلني الوَعي وأصبحتُ أتحسّس صدري باحثًا عنّي، عن إن كان قد غسل المطر السّوء فيّ وأزال نفسي، أو عن إن كان قد ملأ فراغ جسدي الأجوف، وعمّا مُلئ به..

لكن بالرّغم مِن علمي المسبق بالضّعف الّذي سيطغىٰ عليّ والتّشتت الّذي سيمزّق رأسي والتّأرجح بين الاختباء ونقيضه؛ فقد كان خَوفي مِن الاختباء أكبر منّي، ولم أختبئ..

عدتُ ليلًا بعدما جففتُ جثماني البارِد وحملتُ الكمان إليّ، كنتُ أحارِب الوعي الّذي أغرقني به لتكفّ رجفة أصابعي ويسكن جسدي عائدًا لصدر الوهم الّذي يسمعني، أُكمل سلاسل العتاب وألفّها حول أجنحة إيروس؛ فلا يستطيع الطّيران ولا أستطيع سحبه إليّ، وأغزل أُخرىٰ أكسو بها صدر أبولّو طالبًا عفوه ورفع الأمطار عنّي..

إن اختبئتُ مِنه خشية أن تُمطر مِن جديدٍ فقد يُقيم خصامًا طويل الأمد يكفّ فيه المطر والشّمس الّتي تجفّف جلدي بعد ابتلاله، والموسيقىٰ الّتي أنادي بها صاحبه ليأخذني للخَير الّذي فقدته روحي.

عليّ ألّا أختبئ مِن المطر، حتّىٰ وإن أزال جميعي عنّي، وإن تيبّس بدني مِن البرد والارتجاف، وإن دُفعتُ غصبًا لأن أكون في مجال الوَعي، فلا أعلم لأيّ مدىٰ قد يتحمّل جسدي..

..........

الثّاني: لقد تحمّل جسدي وتحامل علىٰ نفسي لأيامٍ أخرىٰ؛ حتّى كان بمقدرتي الحراك وترك السّلاسل الّتي كنتُ أغزلها وارتخت بَين كفَّي.

حاولتُ ترك الغرفة بعد ليلٍ لم يطأ فيه النّوم عيني وبقيتُ أحدّث إيروس وإن لم يكن يُجيب، كان في نيّتي الخروج لمكانٍ قصيٍّ مِن الحديقة الخلفيّة أستسيغ فيه عزلةً دون جدران تخنقني، لكِن بمجرّد فتح باب غرفتي كنتُ قد خرجتُ مِن وعيي مِن جديد، وهذه المرّة دون الكمان ودون الحديث..

سَديْم - تِ.كحيث تعيش القصص. اكتشف الآن