٣٢- تجسيد النّعيم والآثام

62 5 0
                                    

- كيم تايهيونغ..

حيث أنّي لا أستطيع التّحليق..
كان علىٰ أبولّو النّزول إليّ لإيصال رسائله.

وحيث أنّه لم يملك سوىٰ الوقت والرّسائل، وأنّي لم أتلقَ منه إلّا المكاتيب الّتي يتركها إلي..
كان الوقت مفهومًا غريبًا عن عقلي.

مرّت الدّقائق بيننا بطريقةٍ لا تُشعرني أنّنا ما زلنا في حيّز الزّمان أو المكان. طوال الوقت الّذي كان به كان يغزِل سدمه؛ كنتُ أحاوِل تنفّسها كمن كان يختنِق.

لم أكن أفكّر، ولم أكن أشعر بسواه..

لقد تعدّت السّكينة الّتي أشعر بها حدود جسدي لتغطّي عقلي ونفسي وتنتشِر بَين دمائي، وبَينما كانت تفيض مِن بين جفوني كنتُ أنظر إلَيه.

ذات الهيئة الّتي رأيتُه بها أوّل مرّة، عدا أنّ شيئًا ضئيلًا تغيّر بها ولن تلحظه سوىٰ عَيني. كان جميلًا وسيبقىٰ كذلك..

"مطر.."
تمتمتُ وسط غياب عقلي بالعالم الّذي يصنعه لأجلنا لأرىٰ عَينيه تختلس نظرةً هادئة مِن بين جفونه المرتخية، ولم يكفّ العزف.

كانت الغيوم قد بدأت بترك زخّاتٍ تتحوّل إلىٰ قطراتٍ شيئًا فشيئًا، وربّما قد فعلت لعلمها بحضور أبولّو بهذا النّهار. وعندما لم تتحرّك أجسادنا مِن أسفل تلك الشجّرة لم تصلنا إلّا بعض القطرات الّتي استطاعت أن تنفذ مِن بَين أوراقها.

بدأت الأرض تبتلّ، وبدأت الرّائحة النديّة تصلنا، ولم يتوقّف أبولّو عن العزف. لقد كان المشهد يكتسب تفاصيلًا كلّما تركتُ نفسًا عنّي، وقد كان عقلي يقظًا بما يكفي ليتحمّل جميع ما حوله.

بانتهاء أغنية أبولّو ترك الكمان بحجره رافعًا رأسه لينظر للغيوم المتجمّعة. كنتُ أحاوِل قراءة الأفكار الّتي ترتسِم علىٰ تعابير وجهه وحركة مقلتَيه، لكنّي بدون عمدٍ كدتُ لما قرأتُه بدفتره.

"تغيّرت السّماء بسرعة.."
همس محدّثًا نفسه، وقد فهمتُ مقصده.

منذ وقتٍ قليلٍ كانت الشّمس تقبّل رأسه عنّي، وفضّلت الغيوم أن تطوف حولها لئلّا تقطع صلة الشّمس به، لكن يبدو أنّها سرعان ما تذكّرت أنّ للمطر أيضًا صلةٌ به، وقد غارت تمامًا كما فعلتُ أنا..

"هل تُريد الدّخول؟"
سألتُه حينما ظننتُ أن لحديثه مع نفسه معنىٰ آخر لم أفهمه، لكنّه أجاب بالنّفي. ثمّ تحرّك تاركًا الكمان جانبًا ليقترب منّي أكثر.

وحينما استقرّ جسده بجانبي مستندًا إلىٰ تلك الشّجرة كما أفعل؛ كدتُ أناديه، لكنّي لم أعلم بأيّ اسمٍ أنادي..

سَديْم - تِ.كWhere stories live. Discover now