الفصل السادس

2K 45 0
                                    


انقضت تلك الليلة العصيبة بكل ماحملته من مظاهر فرح وآلم وخسائر طالت عائلة البدرى وأشرقت شمس يوم جديد بنورها ودفئها تبعث الأمل فى النفوس من جديد
تجمعت أفراد العائلة حول مائدة الإفطار بعد تهنئة العروسين اللذين انضموا إليهم ... تبادل أفراد العائلة النظرات المختلسة لبعضهم البعض فى ظل من الصمت المشحون الذى خيم عليهم والذى أثار حفيظة يوسف وهو يتأمل أصدقائه وأفراد عائلته بترقب
خاصة جلال الذى واضح معاناته وتألمه عند تحريك ذراعه تسائل يوسف بتوجس وانتظر الإجابة
وبعد تبادل نظرات تردد بينهم أخبرته العمة أصيلة بكل وضوح عن حادث الأمس فهو سيعلم على كل الأحوال
تلقى يوسف كلمات عمته بحدقتين ذاهلة وقد جن جنونه فحتماً هو السبب فيما حدث بسبب عودته للبلدة من جديد وأحيا الثأر القديم ضد عائلته
هب من مكانه واقفاً بانفعال صائحاً بأعلى صوته بغضب فى جميع من حوله وخاصة أصدقائه بعد أن علم بما حدث من خسائر و حريق لحظيرة الحيوانات وإصابة جلال
:- أزاى كل ده يحصل وأنا معرفش ... كان لازم تبلغونى
رفع جلال نظره نحوه قائلاً بصوت هادئ
:- حصل خير يايوسف .. أنا كويس قدامك أهوه الحمدلله
أشاح يوسف بذراعه فى الهواء غاضباً وابتعد عدة خطوات ... وقف بمنتصف البهو ينشد بعض الهواء لينفث عن غضبه .. غضب ينبع من شعوره بالذنب فعودته للبلدة جلبت المصائب لعائلته
خرج صوته محملاً بشحنات حنق وآسف وهو يشير لذراع جلال
:- كويس أزاى بدراعك اللى مش قادر تحركه والحروق اللى فيه ... ده غير مخزن العلف والزريبة اللى أتحرقوا
هز جلال رأسه مشفقاً على ابن عمه ثن نهض من مكانه ليقف أمام يوسف قائلاً بتوضيح
:- العداوة مستمرة بين العيلتين من سنين سواء أنت موجود أو لأ ... وأحنا كنا متوقعين إن حاجة زى ديه ممكن تحصل والحمدلله أنها جت على قد كده مفيش خساير فى الأرواح .... غير كام بهيمة اتخنقوا من الدخان ولو على الزريبة هنبنى أحسن منها
تقدم عماد ليقف بجانب يوسف من الجانب الأخر ووضع كفه على كتفه محاولاً تهدئته
:- أهدى يايوسف أحنا كنا جنب جلال ومسبناهوش لحظة واحدة .... كأنك موجود بالظبط
تقدم صفوان وأقترب بدوره منهم قائلاً بتعليل
:- وبعدين إمبارح كانت ليلة فرحك يعنى ماينفعش آآآآ...
التفت يوسف بحدة نحو صفوان مقاطعاً بعصبية
:- فرح إيه وزفت إيه ... يولع الفرح
التفتت النظرات بتعاطف نحو شمس التى احتقن وجهها حرجاً من كلماته اللاذعة
حقاً إن زواجهم غير حقيقى ولن يستمر كما يؤكد هو كل وقت ولكن التقليل من شأن الفرح والزواج أمام الجميع أصابها بالإحباط والحرج
حاولت التماسك وإظهار هدوء ظاهرى مكذوب ولكن دموعها خانتها وسالت على وجنتيها خاصة بعد أن التقت العيون على صفحة وجهها بتعاطف فنهضت مسرعة تعتلى الدرج متجهة لجناحهم لتختفى عن نظرات الجميع
خيم صمت حزين على الجميع وأبصارهم مسلطة على شمس الفارة من أمامهم بدموعها
وظهرت علامات الضيق على الجميع وأولهم يوسف الذى تعلقت حدقتيه بظهر شمس الهاربة وفى قلبه وخزات مؤلمة شفقة عليها فقد أهانها فى لحظة غضب دون أن يشعر
هزت أصيلة رأسها بآسى وحوقلت بخفوت ثم رفعت رأسها نحو يوسف الذى تجمد مكانه وأنفاسه المتصاعدة تتصارع داخل صدره وقالت بنبرة عتاب
:- ليه إكده يا ولدى كسرت بخاطر البنية ... كفاية إنها فى يوم الصباحية جاعدة وسطينا تواسيناعلى اللى چرى بدل ماتتهنى مع عريسها
أشاح يوسف بنظره بعيداً عن عمته خجلاً وعض على شفتيه ندماً على تهوره ثم قال محاولاً تبرير موقفه
:- أنا أعصابى مشدودة من اللى حصل وحاسس أنى السبب فى الحادثة ديه وفى كل الأذى اللى حصلكم .. وبعدين مكنش قصدى أحرجها (زفر بضيق وأردف بخفوت) هبقى أصالحها بعدين
رمقته العمة أصيلة بلوم وقالت بإصرار
:- أطلع صالحها دلوك ... الله يچبر بخاطرك ياولدى ... إلا كسر الخاطر
تقدمت ياسمين نحوه بوجهها البشوش الهادئ قائلة بهدوئها المعهود
:- أيوه يايوسف من فضلك ... أنت أحرجتها أوى قدمنا كلنا
انضمت ندى بجانب ياسمين وأكملت بترجى
:- أيوه يا أبيه ده حقها عليك ديه لسه عروسة جديدة ولازم تفرح
استسلم يوسف سريعاً أمام كلماتهم المتوسلة يدفعه تأنيب ضميره ورغبته فى الاطمئنان عليها
تنهد بقوة ثم رفع كفيه مستسلماً بطريقة مسرحية وقال بمشاكسة
:- حاضر حاضر ... هو أنا هقدر على حزب المرأة
ابتسمت الفتيات برضا بينما التفت يوسف لأصدقائه وابن عمه الواقفين بجمود وقال آمراً
:- أنتوا واقفين كده ليه؟ لازم تتحركوا تشوفوا تحقيق الشرطة حصل فيه إيه!!
أجابه جلال بجدية :- المعمل الجنائى شغال دلوقت ... وهنعرف النتيجة لما يخلصوا
أومأ يوسف برأسه ثم التفت لصديقيه
:- اسمعوا ياشباب أدخلوا المكتب أطلعوا على ملفات صفقة التصدير اللى عمى الله يرحمه عملها مع عيلة العزازى شوفوا الثغرات اللى فيها لازم نحاول نحصل على مبلغ التأمين ... وريهم الملفات يا جلال وأنا حصلكم علطول
أعترض الشباب بشغب وتعالت أصواتهم الرافضة ... خاصة عماد الذى هتف بمشاغبة
:- نازل علطول إيه ياعم ... خليك مع عروستك الدنيا مش هتطير
أما صفوان فمسح على معدته ببطء قائلاً
:- بعد الغدا بقى عشان نركز كويس
أومأ جلال برأسه يؤكد على كلامه فى محاولة لكسر جو التوتر الذى عم الأجواء وأكد قائلاً
:- أيوه ... أنا الدكتورة قالتلى لازم أتغذى كويس وأنا لازم أسمع كلام الدكتورة
ضيق عماد عينيه بخبث وهمس بجانب أذن جلال بمشاغبة
:- طبعاً تعليمات العيون الزرق أوامر
رمقه جلال بنظرة مشاكسة مع ابتسامة خفيفة بينما هتف يوسف فى وجوههم مازحاً
:- إيه ده أنتوا هتدلعوا ولا إيه!!
ثم أردف بجدية وهو يشير على عماد وصفوان
:- لعلمكوا ماحدش منكم هيسافر غير لما ندرس الملفات ديه ونشوف حل فى موضوع التأمين
أختلس عماد النظر نحو ياسمين الواقفة بهدوء بجانب والدتها
ثم قال ليوسف :- أحنا قاعدين هنا و ياريت نفضل علطول
رمقهم يوسف بقلة حيلة ثم تركهم وصعد إلى غرفته ركضاً

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن