الفصل الرابع والعشرين

1.3K 38 0
                                    

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى

أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي

وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

قيس بن الملوح

منذ الصباح الباكر يؤرقه الشوق ويضنيه البعاد يشعر بعزلة عن الجميع منذ رحلت، أصبح سائراً بين الناس كالمغيب، حاضر بجسده وعقله وقلبه يرفرفان فى بلاد بعيدة شوقاً وهياماً

اليوم استيقظ فى حالة من الافتقاد فتك بمشاعره فطاف طرقات البلدة هائماً على وجهه كمجنون ليلى باحثاً عن عبقها فى الهواء وما بقى من أطلال الذكرى

غادر منزله يتحرك على قدميه بخطى متمهلة وفكر شارد إلى منزل السمرى، بيت العدو الحبيب وقف على بعد مناسب يتأمل البناء عن كثب، هنا حيث عاشت حبيبته وهنا أيضاً بيت الداء وسبب الحرمان

... لو اختلف الزمن أو انتهت الضغائن لكان الوصال سهلاً وأقترن القلب بمحبوبته

تحرك بعدها إلى المستشفى العام بالقرية حيث أول لقاء، أول مشاحنة وأول اعتراف بالحب، سيل من الذكريات بدأ يداعب خياله ويناغش دقات خافقة المكلوم

واختتم جولته بحديقة الفاكهة الخاصة بأسرته بقلب مغموم وروح كسيرة، عقله يعيد عليه حواره مع الدكتور شوقى صباحاً فى المستشفى الذى أكد انقطاع أخبار لينا تماماً فمنذ غادرت لم تهاتفه إلا مرة واحدة قبل مغادرة أرض الوطن ومن بعدها لم يحدث أى تواصل بينهما، وكل ما يعلمه أن هناك أمر ما حدث لوالدتها أستوجب سفرهم العاجل ... لقد انقطعت أخبارها تماماً ولا يملك أى وسيلة للوصال

يبدو أنها لم تترك أرض الوطن فقط بل نفضت يديها وقلبها عن كل ما عايشته على أرض الوطن بما فيهم رجل أحبها بكل صدق كما لم يحب أى أنثى قبلها

اخترق ممرات حديقة الفاكهة خاصته مشوش الفكر، كفيه في جيبى بنطاله، يخطو الهوينى بخطى تعيسة وحدقتيه تحولت كعدسة سينمائية تعيد على مخيلته صور من ذكريات جمعتهم ليست ببعيدة

خطوا هنا جنباً إلى جنب ... تناولت من ثمار هذه الشجرة وجلست هنا معه فى العش المتواضع المصنوع من البوص وسعف النخيل يتشاركان ثمرة برتقال واحدة، يتقاسمان حلاوتها ولذوعتها

"برتقانة هانم" رحلت ولم تترك غير اللذوعة والمرارة داخل فؤاد أحبها وأستأنس بروحها

زفر بقوة لعله يطرد جوى اشتياقه وصبابة الروح، عاد يستنشق الهواء من خلال نفس طويل يعيد به توازن نفسه ويستفيق من شجن روحه لينتبه إلى مسئولياته ومهامه، عليه أن يعيش حياته ويكتم هيامه داخل بئر عميق نضبت مياه وجف قاعه

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانWhere stories live. Discover now