الفصل الرابع والخمسون

1.3K 34 1
                                    

تمت مراسم الجنازة والدفن فى جو من الحزن يلتف حول القلوب المفجوعة لرحيل زهرة يانعة، ملاك هادئ كان يسير فوق الأرض ناشراً الحب والمودة بين كل من حوله

جلال يقف أمام شاهد القبر منكس الرأس يتشبث بحافته بكلتا يديه وكأنه لا يرغب فى افلاتها، يعتصر عينيه ألماً وحزناً، مزيج من الوجع على فقدها وتأنيب الضمير على التقصير فى حقها

تقدم يوسف من خلفه وقبض على كتفه بقوة يعيده إلى أرض الواقع ويشد من آزره ويحاول سحبه بعيداً عن القبر لينتبه إلى الرجال المصاحبين للجنازة ويقف ليتلقى منهم واجب العزاء، وأى عزاء يواسى قلب جريح موجوع فقد أغلى نبضه من نبضاته

وقف جلال على باب المدفن يتلقى العزاء، يتمتم بكلمات مجاملة بعفوية ودون تركيز حتى غادر أخر شخص ولم يتبقى داخل المدفن سوى ندى وخالتها (والدة صفا) اللتان أصرتا على الحضور لوداع الفقيدة الوداع الأخير فوقفتا حول القبر ينثران الزهور البيضاء فوق القبر أثناء قراءة القرآن والدعاء

فى جانب فناء المدفن كان يوسف ووالد صفا يقفان حول جلال بعد أن غادر الجميع، مد والد صفا كفه يقبض على ساعد جلال يتأمل ملامحه المعذبة والدموع التى تحجرت داخل مقلتيه المحتقنة وقال يواسيه كما يواسى نفسه

:- شد حيلك يا ولدى .. والله أنك أكرمت بتى وأسعدت أيامها الأخيرة ربنا يچازيك عنيها خير ويصبرنا چميعاً على فراجها

ترك الرجل ذراع جلال يتنهد بلوعة أب سبقته ابنته إلى الدار الأخرة وأردف بخفوت مطرق الرأس

:- خدت جلبى وروحى أمعاها .. سبحان الله مهما كنا خابرين إن الفراج جريب وبنستعد له .. برضك ما نجدرش على مواچهته ولا وچعه اللى بينخر فى الروح

أسبل جلال أهدابه يحاول السيطرة على دموعه الثائرة فى حين شعر بكف حنونة تربت على ظهره، استدار حول نفسه يتأمل ملامح خالته ويتصيد الشبه الكبير بينها وبين ابنتها، منحته ابتسامة حنونة شقت طريقها عبر الدموع ورفعت كفها تضعها على صدره بدفء يضاهى صوتها الحنون المحشرج من أثر البكاء

:- ربنا يچبر بخاطرك يا ولدى ويسعد جلبك .. صفا رحلت وجلبها راضى عنيك .. كل ما تتحدت أمعاى كانت تحكيلى عن طيبتك وحنيتك عليها

لامست كلماتها مشاعره واضطربت أعصابه فألقى برأسه على كتفها يبكى زوجته وابنة خالته وهى تمسد على ظهره تشاركه حزنه وبكاءه تحاول مواساته بطيب الكلمات

:- هون على نفسك يا ولدى .. بتى فى الچنة .. بتى تعبت كتير وراحتها فى الچنة

تأثر الجميع بهذه المشاعر الفياضة وفاضت الأعين بالدمع، حتى يُنهى والد صفا هذا الفيض من الحزن الذى شمل الجميع همهم بتحشرج وقال لزوجته يحثها على الرحيل :- همى يا أم الغالية بدنا نعاود على الدار

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن