الفصل الثانى عشر

1.3K 39 0
                                    


فى فيلا السمرى بعد انصراف سعيد بعد أن ألقى بقنبلة حقده فى وجه أشقائه ثم غادر بخيلاء
توجهت كل الأنظار نحو صلاح السمرى الذى يقف مبهوتاً فى  موقف لا يحسد عليه أمام عدلي وأبنائه
مسح صلاح على وجهه بحرج والتفت يواجه عدلى الذى عبس وجهه بشدة وقال بانفعال
:- إيه الحديت ديه يا صلاح ... سبج وجلت لك من أول ما رچليكم خطت البلد أنك تنبه على لينا تحافظ على لبسها محناش فى البندر إهنا
ازدرد صلاح ريقه بصعوبة، يثق فى ابنته وفى أخلاقها ولكن حديث سعيد أثار شكوكه ... قال بحرج واضح
:- وأنا أتكلمت معاها من البداية بالرغم أن البنت ملتزمة أصلاً بأصول تربيتها الإسلامية والعربية ... ومن يوم ما جينا هنا من شهور (فتح ذراعيه بعدم فهم مردفاً) كل البنطلونات اللى بتلبسها واسعة وعليها بلوزات طويلة .... لبسها كله محتشم وأنت بنفسك بتشوفها ياعدلى وما قولتش حاجة قبل كده ... أنا مش فاهم سعيد يقصد إيه!! وليه فى الوقت ده بالذات
تدخل فاروق يتساءل بحيرة فى النقطة الأهم
:- وإيه علاجة (علاقة) عيلة البدرى ولينا!!
نقل صلاح نظره نحو فاروق وأجاب بشرود مفسراً
:- مفيش علاقة طبعاً لينا متعرفش حد فى البلد خالص ... هى أصلاً متعرفش البلد كويس ويمكن كانت بتتمشى هنا ولا هنا ووصلت لجنينة البدرى بدون قصد
أشار نحو الباب الخارجى حيث غادر سعيد وقال متذمراً
:- وسعيد بيستغل أى فرصة عشان يولع الدنيا ويعمل مشاكل بينا
نفخ عدلى بقوة وقد ضاق صدره بحديث سعيد وبحادث الحريق من قبله فلا ينقصه أمر لينا أيضاً، لذلك وجه كلامه لصلاح بحسم
:- أتحدت مع لينا يا صلاح ولو مش جادرة على عوايدنا ترحل وتهملنا
احتقن وجه صلاح رافضاً اتهام ابنته زوراً، هز رأسه باعتراض  فهاهى زوابع الشقاق تعود من جديد لتزرع بذور الفرقة بين الأشقاء للمرة الثانية
فى الأولى رحل صلاح عن بلدته رافضاً ظلم وجور والده على أهل القرية وتجبره فى التعامل مع الجميع حتى مع أبنائه
وما زاد الأمر سوءاً كان مساعدة أشقائه بطاعة عمياء لأبيهم سيد السمرى خاصة بعد وفاة شقيقه الأصغر خالد
أمتنع صلاح لسنوات طويلة عن زيارة بلدته سوى من زيارات عابرة، سريعة من وقت لأخر مراعاة لصلة الرحم
ولم يفكر فى العودة للبلدة إلا بعد تولى شقيقه الأكبر الزعامة بسنوات وبعد أن تأكد من تبدل الأمور للأفضل وأن سياسة عدلى تختلف عن سياسة والده الظالمة
زفر صلاح بضيق ورغم اقتناعه بالتزام ابنته إلا أنه أومأ برأسه باستسلام وأكد على معرفة الحقيقة منها ثم تحرك من فوره لتنفيذ هذا الأمر

********************

بعد مرور هذه الليلة الغريبة بأحداثها المتباينة بين شعور غمره دفئاً وسعادة ثم مواجهة عصيبة مع النيران وتحقيقات الشرطة واختتمت بمهاجمة سعيد السمرى لكبير العائلة بشكل سافر
غادر أحمد إلى منزله منهك القوى، مشوش الفكر ومشغول البال
بمجرد أن خطى عتبة منزلة هرعت نحوه نواره التى رفضت الذهاب للمدرسة وفضلت انتظار عودة والدها للاطمئنان عليه
استقبلته نواره بالأحضان المتلهفة ومن خلفها وقفت نجوى تتفحص مظهره المزرى بشال عمامته المفكوك والملقى على كتفيه بإهمال بملامح جامدة
ركع أحمد على إحدى ركبتيه ليتلقى طفلته المحببة فى صدره وربت على ظهرها بحنو يطمئنها ويهدأ من روعها هامساً بحنان
:- أنا زين يا نوارة .... ما تخفيش
أضاف بشئ من المرح وهو يبعدها عن صدره يتأمل وجهها الجميل
:- أبوكِ شديد يا بتى
زحفت فجر الصغيرة ذات العامين والتى كانت تلعب ببعض ألعابها أرضاً حيث والدها بوجه باسم تصدر أصوات فرحة لمرأى والدها الذى ترك نواره والتقط فجر يرفعها على كتفه وهى تنادى باسمه بصوتها الطفولى ثم نهض حاملاً فجر على ذراع وبالذراع الأخرى احتوى كتفى نواره ومقلتيه تناظر نجوى بجمود والتى تكلمت أخيراً بنبرة باردة
:- حمدلله بالسلامة يا أحمد … الحمدلله إنها چات سليمة
هز رأسه مردداً الحمد والشكر لله ثم اتجه نحو الأريكة يريح جسده المرهق .. وضع فجر على ركبته والتفت نحو نواره التى جلست بجواره ملاصقة له وسألها بعتاب
:- ليه ما روحتيش المدرسة يا نوارة كيف خواتك الكبار
زمت شفتيها بخجل وهتفت بحب صادق نقى
:- كيف أروح جبل ما اطمن على سلامتك يا أبوى
ابتسم أحمد لعينيها الجميلة وقرب رأسها يلثم جبينها بدفء فهى مصدر الحب الوحيد فى حياته الباردة مع شقيقتها فجر التى ارتاح رأسها على صدره وكفها الصغير يتلاعب بطرف شال عمامته التى تحيط بعنقه وتتدلى على كتفيه بإهمال، ضم الفتاتين بحب وردد همساً
:- ربنا يبارك فيكِ وفي خواتك يابتى
ألقى نظره سريعة نحو نجوى التى جلست تتابع مايحدث ببرود متكتفة الأذرع ثم أنزل فجر أرضاً بين ألعابها المتناثرة ومسح على شعر نوارة قائلاً بلين
:- مفيش غياب تانى من المدرسة ... نوارة شاطرة ومچتهدة
هتفت بصوتها الطفولى المحبب مؤكدة بثقة
:- أنا شاطرة وهطلع داكتورة كيف خالة لينا
ضحك أحمد بمرح فاسم (لينا) لا يتناسب مع خالة أبداً… زفر بخفة وقال برجاء
:- يبجى يوم المنى يا دكتورة نوارة
فرد أكتافه بتعب ثم نهض من مكانه يواصل حديثه مع فتاته الصغيرة متجاهلاً زوجته المستفزة
:- أنا هطلع أتسبح وأرتاح شوية … وبعدين نتغدى سوا يا نوارة
أومأت بسعادة ونزلت بركبتيها أرضاً جوار شقيقتها الصغيرة تلاعبها وتهتم بها
تحرك أحمد صاعداً لغرفته وخلفه نجوى التى نهضت بصمتها البارد تتبعه عن قرب وما أن دلف لغرفته حتى أنطلق لسانها بنوع من التبكيت
:- لو كنت بترچع الدار بدرى كيف كل الخلج ماكنش كل ديه حُصل
زفر أحمد بإرهاق وهو يسحب الشال من حول عنقه ويلقيه جانباً ثم نظر نحوها بلامبالاة قائلاً
:- إيه اللى مكنش حُصل يا نچوى
شملته بنظرها تقف بحدقتيها على أطراف الجلباب المحترق، وكفه وساعده المضمد بالشاش وسائر جلبابه الملطخ بآثار الحريق .... أما وجهه فكان ينضح بالتعب والإجهاد خاصة بتلك العلامات السوداء تحت مقلتيه ثم قالت بتهكم
:- مكنتش أتبهدلت بالشكل ده …(وأشارت بيدها نحو ذراعه) ولا أتصابت إكده
تحرك من مكانه عدة خطوات يقف أمامها مباشرة يتفحص خلجاتها وسكناتها التى يحفظها عن ظهر قلب ... قائلاً بهدوء يُحسد عليه
:- لو مكنتش فى الطريج بالوجت ده ... كان الفدان كلاته ضاع فى الحريج و كانت المصيبة والخسارة هتبجى أكبر
دقق فى مقلتيها الخاوية من أى مشاعر، الفاقدة للبريق والحياة وأضاف بلوم ضمنى
:- ولو كنت لاجى الراحة فى دارى مكنتش أتاخرت من أساسه يا نچوى
لم ينتظر منها جواب فهو أعلم بها وبتفكيرها العقيم إنما أولاها ظهره وتحرك خطوتين وهى تناظر ظهره بحاجب مرفوع غيظاً، ترى إنها على صواب وإنه من يظلمها ويهجرها بل ويحرمها من إنجاب الولد
رمقته بغل وهو يخلع جلبابه ويرميه أرضاً ثم أتجه نحو الحمام
يلاحقه صوتها الساخط الذى يؤكد إنها لم تفهم ما يعنيه، إنها تعيش فى وادى أخر بعيد كل البعد عنه وهى تقول
:- والراحة هتاچى منين وبناتك كل واحد بطلب ولا بيساعدوا فى شى ... ما بخدش منهم غير دلع البنتة الماسخ ... أنا طهجت منيهم ومن خلفة البنات
لم يجيب عليها فهذا الحديث المتوقع منها ... كل مشكلة أو حوار ينتهى بلعن خلفة البنات والمطالبة بالولد
توقف على عتبة الحمام وأرخى جفنيه بإنهاك من كثرة الجدال فى هذا الموضوع ثم التفت نحوها وقال بمشقة ضاغطاً على أعصابه وكبريائه الذكورى
:- سبج وجلت لك أنك ما لكيش ذنب ... وأن الراچل هو اللى بيحدد نوع الچنين
رمقها بسخط مردفاً
:- وأرضى بنصيبك يا نچوى
طحنت أسنانها غيظاً غير قادرة على إقناعه بالخضوع لمطالبها ... تنفست بقوة وحاولت الحديث بهدوء لم يخدعه وهى تقترب نحوه قائلة
:- دلوك بيعملوا عمليات ويختاروا نوع الچنين ... يعنى نجدر نچيب الواد
حدجها بنظره كاشفة لما فى رأسها وقال يتصنع الهدوء
:- ومين اللى جالك الحديت ديه يا نچوى
ولأنها لا تفهم زوجها ولا تهتم أن تفهمه من الأساس ... تحمست لتجيب عليه
:- أمى ... أمى شافت فى التلفزيون وأنا كمان شفت
رسم ابتسامة باهتة على وجهه بالطبع فيبدو أن على ذمته ثلاث نساء، هى ووالدتها ووالدته
هز رأسه متفهماً ووضح بإجهاد
:- اللى بيلجأ للعمليات ديه ... الناس اللى عندهم سبب يمنع من الخلفة ... لكن إحنا ربنا رزجنا مرة واتنين وثلاتة وأربعة
حدجها بنظرة زاجرة محذرة
:- نحمد ربنا بجى ونحسن تربيتهم
همت بالمجادلة والعناد لكنه أستطرد يُنهى الحديث
:- أنا تعبان ومحتاچ أتسبح وأرتاح ... مش وجت الچدال اللى ما لوش عازه ديه
تركها تتأكل من الغيظ ودلف إلى الحمام ثم أغلق الباب خلفه بعنف ووقف أمام المرآة يزفر بحرقة قلب موجوع
يواجه صورته فى المرآة ... يناظر صورة رجل أنهكته الحياة وأضناه الحزن والألم
أتكأ على حافة المغسلة يعتصرها بقبضتيه بغضب متألم على سنوات طويلة باردة مضت
أسبل أهدابه لبرهة لتهاجمه تلك العينين البنيتين ببريقهما المميز ونظرتهما الدافئة التى تشعل نار الفؤاد

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانWhere stories live. Discover now