الفصل الثاني عشر

2.1K 198 92
                                    

ساد صمت مؤلم غير قابل للتصديق فأنور تلقى الصدمة أو الصفعة من هول بشاعتها، لم يزحزح نظراته عن الطبيب وهو يزيد من انقباضة حتى ابيضت مفاصل أصابعه وانفاسه تحشرجت أكثر، فهتف الطبيب بسرعة:
- بس مش أكيد انت لازم تعمل مجموعة من التحاليل عشان تطمن

تنفس بعنف وادعى الثبات حينما قال:
- إيه أعراضه؟

حدثه الطبيب بلهجة تقريرية وطبية:
- مريض السرطان بيحس بتعب وضعف ونفسه مسدودة ونزيف دم وكدمات في الجسم بسبب مستوى الصفايح الدموية انخفضت، انت دلوقتي اعمل التحاليل يعني لا قدر الله لو فعلًا مرض سرطان نلحق نعالجه في مرحلة مبكرة

ثم اضاف بنبرة متوجسة:
- أنا هبلغ الدكتور محمود المسؤل عن التحاليل

جلس أنور على المقعد المعدني وقد تأكد من صحة الأعراض التي أنكرها وكان يعتقد أنه تعب خفيف سيزول بعد عدة أيام، أفكار مختلطة حزينة في رأسه، استفاق على صوت جلس رجل وقور بجانبه وانتشله من شروده بابتسامة:
- السلام عليكم

لم يرد عليه أنور وهو لا يزال في صدمته الغير مسبوقة فكرر حديثه مجددًا:
- بقول السلام عليكم

هز أنور رأسه مجيبًا بعدم استيعاب:
- وعليكم السلام

سأله بتفكير:
- شايل الهم ليه؟ سيبها على ربنا وربنا عمره ماهيسيبك، انت باين عليك جاي تاخد نتيجة تحاليل زيي

إيماءة بسيطة صدرت منه وأراح ظهره على المسند ونطق بتنهيدة متألمة:
- أنا مستني نتيجة تحاليل السرطان

سأله أنور بصوت مندهش أثار الرجفة في قلبه وقد نظر له:
- انت عندك سرطان؟

انتزعه أنور من ذكرياته البعيدة المؤلمة فرفع وجهه اليه ثم قال بخفوت وثغره يعلوه ابتسامة:
- من سنتين وبقالي سنة واحدة متعافي منه وحاليًا حاسس بنفس أعراضه جاتلي تاني واهيني جاي اشوف التحاليل

- بيوجع؟

كان أنور على وشك السقوط أمامه من الألم الناجم عن قلبه وحزن، فابتسم الرجل ورد عليه بتنهيدة حزينة:
- بيوجع أهلنا والناس اللي بتحبنا أكتر، انت عندك كام سنة؟

تعحب من مراوغة سؤاله وأجاب بتلقائية:
- خمسة وعشرين

ابتسامته لم تفارق ثغره وهو يتحدث معه:
- كان عندي سبعة وعشرين سنة لما جالي كنت لسه متجوز جديد وماصدقتش لما قالولي عندك سرطان وقتها زعلت وشكيت لربنا اشمعنى أنا يجيلي مرض زي ده وأنا بصلي وبصوم وبعمل خير، أبويا الله يرحمه كان شيخ في الأزهر الشريف خدني على جنب واتكلم معايا ولغاية دلوقتي كلامه بيرن في وداني قالي مرض السرطان مش نهاية العالم

زفر بصعوبة وعبراته تنهمر على وجنتيه واستكمل قوله:
- قالي إن ربنا لما بيبتلي انسان بيكون ناجم عن تلت أسباب .. أول سبب العبد غلط وعمل معاصي كبيرة فربنا بيبتليه بالمرض وبيزيد عليه الوجع عشان لما يموت ويقابل ربنا يقابله خالي من الذنوب ... والسبب التاني إن العبد بعد عن ربنا بعد ما كان بيدعي ويصلي فربنا بيبتليه عشان يقرب منه ماهو ربنا بيحبنا وبيغير علينا لازم .. والسبب الأخير وهو أجمل سبب ربنا بيحب العبد فبيبتليه ولازم يصبر على البلاء عشان يعوضنا في الجنة والأخرة .. أبويا قالي اللي ربنا بلاه بمرض في الدنيا هيجي يوم القيامة ولما هيشوف الثواب والخير اللي مستنينه في الجنة ويقول يارب كنت خليت حياتي كلها مرض يتمنون لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرض بالمقاريض، لما يرون من ثواب أهل البلاء والأمراض عند الله ... المرض نار في الدنيا وجنة في الآخرة عشان نكفّر عن ذنوبنا، وعشان نعرف قيمة الصحة، ونقدر نعم الله عز وجل حق قدرها، ونحس بضعفنا وجبروتنا المزيف قدام قوة الله عز وجل، الدنيا اللي احنا عايشينها دار بلاء ومرض، ظل زائل ومتاع منته، وفي الدنيا دي كلنا هنواجه مرض وصحة وفرح وحزن، وجع الدنيا احسن من وجع الأخرة

زمهرير لهب الصحراءWhere stories live. Discover now