الفصل الثاني والعشرون

1.7K 145 81
                                    

كان يظن الأمر هين وهكذا أصر عليه قبل أن يخرج، أغمض عينيه يستعيد برودة أعصابه ورابطة جأشه، فرك أصابعه بتوتر وسحب الورقة المدونة عليها عنوان منزلها القديم يتأكد من رقم العمارة المتهالكة ودخل بها طرق على الباب وانتظر قدوم شخص ما

لكن الانتظار أشعل به مشاعر القلق، الرهبة، الحرج من وضع بغيض كريه، فعلى الرغم مما تمر به زوجته
من فقدان ذاكرة إلا أن أشد ما يكرهه هو الذهاب لناس غير معروفة بالنسبة إليه، وصل لأعلى مراحل العشق وحين يقع المحب في الحب يتنازل عن أي شيء من أجل الحبيب

- انت مين؟

صدر الصوت النسائي العميق هادئًا وكان يحمل بين طياته الدهشة لم تستطع أخفائها، إلتفت إبراهيم للشقة المجاورة فأردف رافعًا رأسه إليها وأعاد إليها بصوت فاتر:
- مش ده بيت سالم غريب؟

أجابت السيدة وهي تعدل نظارتها الطبية فوق عينيها:
- كان بيت سالم غريب قبل مايعزل هو ومراته

سكت إبراهيم عن المتابعة بقصد فرفع حاجبيه ليقول بهدوء:
- ماتعرفيش عزلوا وراحوا فين؟

هزت كتفها وقالت بحيرة:
- ماعرفش عنهم حاجة، بتسأل ليه ومين انت؟

ارتفعت احدى زاويتي فمه قليلًا وهو يقول شاردًا بعد فترة:
- أنا جوز كاميليا، إبراهيم زيدان

ازدادت مساحة بؤبؤ عينيها للسواد وقالت بلهجة سريعة لا تفقه عن أداب الحوار بشيء:
- هي اتجوزت؟ والله الناس قالت إنها طفشت وواحد ضحك عليها، ده أبوها اتشل ماستحملش الناس تعايروا وعزل هو ومراته

ثم سكتت فترة وأضافت بسخيرة:
- بنات قليلة الرباية ياريتها كانت ماتت ولا عمـ

- وطي صوتك وإياكي تتكلمي عن مراتي بكلمة غلط

لم يوافقه كبريائه على الإستماع لسباب زوجته ويقف مكتوف الأيدي فأبكمها بكلمات حارقة عنيفة واستأنف بنبرة غاضبة:
- ماتعرفيش عنهم رقم ولا أي حد يقدر يوصلني بيهم؟

هزت رأسها نافية بشدة فغادر من العمارة خائبًا في آماله، زمت السيدة شفتيها وزمت معها كرامتها المهدورة، لابد أنها مخطئة ثم أغلقت الباب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تعلم كم من الوقت بقيت وكم انتظرت زوجها يأتي إليها حدجت ابنها الصغير النائم على الأريكة وشردت بملامحه إنه يشبه والده بقدر كبير نسخة مصغرة منه، وران عليها الصمت حين دخل إبراهيم ونظرت إلى وجهه المنقبض بقلق وتوجس وما عتمت أن حيته بإيماءة وأردفت تسأله:
- عرفت حاجة عنهم؟

نكس رأسه وجلس بجوارها على الأرضية ممسكًا بكفها الناعم ثم أجابها:
- عزلوا

تجمهرت عبراتها بمقلتيها ولم تبد أي جواب متوقعة للنتيجة، فأكمل إبراهيم يقول وكأنه يعنف نفسه أو الأمر يعنيه قبل أن يعني زوجته:
- العنوان المكتوب على بطاقتك المرج اللي أنا بقالي سنين بدور على أهلك فيه، ازاي انتِ ساكنة في عين شمس؟

زمهرير لهب الصحراءWhere stories live. Discover now