زمهرير لهب الصحراء

الفصل السادس والعشرون

أحست أنها في حاجة إلى هواء نقي بصورة ملحة وإلا فستختنق وتموت، خلعت دميانة نظراتها الطبية ودلكت مكانها ثم ألقت نظرة أخيرة على بحثها الذي خطته بأصابع يدها على الورق، ثم فتحت باب الشرفة وتركت الهواء يحرك خصلات شعرها لا يوجد شئ لعلاج النفسية أفضل من تنفس النسيم العليل الذي يخرج كل ما بك من طاقة سلبية

الوقوف في صمت مع تنفس نسمات الهواء العليل يكفيها للشعور بالراحة وهي تشاهد الشمس تغيب مودعة الأفق البهي، تودعه بكل لهفة وكأنها تريد الإفصاح له بأنها لا تطيق الوداع، فتتلون السماء بلونها الأحمر عند المغيب وتخبرها خطوط الشفق الأحمر بكم الشوق الذي يملأ قلب الشمس

دلفت إيڤا للغرفة وصاحت عليها:
- دميانة؟ يا داندي!

أجابتها دميانة من داخل الشرفة:
- في البلكونة بشم هوا

تقدمت ايڤا في خطواتها لتصبح على مرأى ومسمع أبنة عمها ثم بادرت تسأله بمباشرة:
- ماتعرفيش يوسف بقاله يومين مافتحش نت ليه؟

تلقائيًا تحركت نظراتها معها وقالت:
- تلاقيه بيذاكر

في حين حدجتها ايڤا وهي تسألها بغيظ:
- وانتوا لازم يعني تعزلوا وتروحوا تعيشوا في اسكندرية؟ مش كنتوا قاعدين في الدور الخامس مرتاحين

تنهدت دميانة وأراحت ذقنها على كف يدها مبادلة أبنة عمها نظرات تارة وتارة أخرى للشارع والسيارات:
- بابا مالوش حق كان المفروض يرفض شغله عشان انتِ ويوسف تفضلوا تحبوا في بعض

ضربتها ايڤا في كتفهما بمرح:
- قال يعني انتِ وميخائيل اللي ماكنتوش بتحبوا في بعض؟ عارفة يا داندي أحلى حاجة في الدنيا الحب والناس اللي بنحبهم ويحبونا

دلفت دميانة لداخل الغرفة وجلست على المكتب للمرة الثانية مستأنفة الكتابة ولكنها قالت بخفوت:
- شوية لما اخلص هبقى اكلم يوسف وماما نطمن عليهم

قبلت وجنتها بسعادة مرددة بهتاف:
- هاتي بوسة أنا لما بحب حد ببقى نفسي ابوسه

لم تتعجب من كلامها وهي تعرف جيدًا طريقتها العفوية والطبيعية مع الناس لتقول بتهديد:
- يـاه لو عمي ولا ميخائيل سمعوكي تخيلي هيعملوا فيكي إيه؟

علقت بعدم إكتراث:
- وهما هيعرفوا منين؟ إلا بقى لو انتِ اتكلمتي مع ميخائيل، ومش هيصدقك

- لا هصدقها عادي، لو قالت القمر وقع على الارض هصدقها واقول شوفته بعنيا وهو بيقع

استدارت دميانة برأسها ورأته واقف على باب الغرفة يرتشف من الكوب قهوة مثلجة، تجمدت نظرات ايڤا على شقيقها وهي تهمس بشفاه مقلوبة:
- يا رب مايكون سمعني

دلف بجانبهما ثم ألقى نظرة على الأوراق الكثيرة وأمر شقيقته:
- اعمليلي شاي

رمقته نظرة ذات معنى ثم أشارت على يده قائلة:
- ما انت بتشرب ايس كوفي اعملك شاي ليه؟