الفصل الواحد والأربعون

1.8K 120 83
                                    

الحنين بالماضي بكافة ما يحتويه من ذكريات، أمنيات، آمال، وقدر من الأحلام كان مطلوبًا في تلك الليلة الاستثنائية، ليتجاوز مرحلة الضغوطات المؤذية للنفس والمتلفة للأعصاب، أحست اسينات بالدفء والسعادة تجتاح جسدها وروحها وعقلها أيضًا، بعد أن وطأت لغرفتها

وضعت الورقة وقامت بلصقها على المرآة لتنظر لها في كل صباح ومساء، ابتسمت برقة على دقات قلبها التي أعلنت حبها له، وهمست قبل أن تنام:
- كسبت نقط كتيرة عندي يا حبيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل أذان الفجر بدقائق وجيزة سمعته يطرق على الباب ويتوسلها:
- افتحي الباب يا كاميليا

وبدأت تزداد حدة طرقه تدريجيًا مع نبرة صوته المرتفعة:
- افتحي بدل ماكسره

ركل إبراهيم زيدان الباب بقدمه بعصبية وغضب وقد تحولت نبرته أقرب إلى نبرة شيطان مفترس عندما صرخ يفزعها:
- بقولك افتحي

بالطبع كان يسمع صوت بكائها وتحطيمها لشيء ما وعندما زاد خبطه فتحت زوجته الباب على غرة مباغتة ونظرت له بألم، أصبحت عيناها كُرتان حمرواتان من شدة البكاء وسألته من بين تقطعات صوتها:
- ازاي جالك قلب تبقى عارف باللي حصلهم وشايفني بموت بدل المرة ألف وماتقوليش!

لاز بالصمت وهو يصغى إليها عندما أكملت بنشيج:
- ازاي تستغفلني الأيام دي كلها؟ كنت هتقولي امتى؟ ولا حكمت إني مش هعرف وهتعيشني معاك بقية حياتي!

شاهد إبراهيم جرح سطحي طفيف على كفها وخط دماء سائل على أصابعها، فاكتفى بهز رأسه واقترب منها ليساعدها ودعاها للجلوس:
- ارتاحي انتِ آآ

- خايف عليا أوي!!

قالتها بتهكم وسخرية كبيرة جدًا، فأطلق زفرة متعبة وهو يلقي بجسده على الأريكة ممسكًا برسغها لتجلس جانبه، خانتها قوتها وأجهشت في البكاء مرة ثانية، مسح إبراهيم دموعها الساخنة وانطلق يبرر:
- كنت خايف من اليوم اللي تعرفي فيه

صرت على أسنانها مدمدمة بنبرة باكية ووجهها مغطى بأمارات الحزن:
- لحد امتى فاكرني إني مش هعرف! كنت مستني تقولي امتى؟

تمالك على نفسه من حالتها وبدأ يهدأ من روعها:
- كنت خايف عليكي آآ

- ده مش خوف دي أنانية... أبويا وأمي ماتوا ومش هعرف أكمل حياتي من غيرهم ولا هرجع لحياتي القديمة

كان صوت بكائها يرتفع، وفجأة انهارت على الأرضية مستمرة بالنواح:
- حياتي في لحظة ادمرت هعيش حياتي لوحدي

جلس إبراهيم جوراها ولم يتحدث بالرغم من شعوره بالكرب لما سمعه من قولها:
- أنا معاكي

رفعت نظرها عليه وهمست:
- بس بابا وماما مش معايا

زمهرير لهب الصحراءWhere stories live. Discover now