الفصل الواحد والعشرون

1.8K 133 58
                                    

- يا ماما انتِ بتعيطي ليه؟ ما الحاج أنور ردك واتجوزك تاني! الموضوع ده عدا عليه أكتر من خمسة وتلاتين سنة لسة فكراه؟ خدي اشربي مايه بلي ريقك

زم حبيب شفتيه وهو متفاجئ من بكائها الغير مبرر واستمر يحدق بها تارة ولوالده تارة أخرى وبعد فترة قال أنور بصوت جاف:
- عاجبك كده يا زفت

اتسعت حدقتي حبيب بدهشة وذهولًا ثم حاول صرف النظر عنهما وقال بتعجب:
- وأنا مالي هو أنا اللي قولتلها تعملك العمل؟

أغمض أنور عينيه لحظات ثم فتحهما وعاد ليقول:
- وأنا بحكي لمين مش ليك انت؟ فكرتنا بحاجات ماكُناش عايزين نفتكرها

هزت رئيفة رأسها دون صوت لكنه شاهد دمعة زوجته تنحدر على وجنتها فابتلع غصة حلقه ومشاعر الألم تتعلق مع الاعجاب:
- لسه بتعيطي بعد العمر ده كله ما أنا سامحتك وعشنا في تبات ونبات وخلفنا البغل اللي مايتسمى ومتلقح جنبك اهو

أعرض حبيب عن وجهه عندما سمع سباب والده وامتص من كأس الماء مغمغمًا بكلمات سريعة:
- نفسي أعرف كرهني ليه؟

وأكمل تعليقاته في لمحة من السخرية:
- وبتقولي مافيش حد في العيلة طلق قبل كده غيرك .. اومال انت يا أبو الشباب

وانصت لحديث والده وهو يكمل:
- ما أنا رجعت لأمك يا روح أمك

وتغاضى عنه ونظر لزوجته ثم استطرد قوله:
- لو عارف إنك لسه بتزعلي كنت عديتها وأنا بحكيها .. يا رئيفة احنا كبرنا والعمر عدا واللي حصل زمان دلوقتي بقى ذكرى

أخذت رئيفة تلتقط أنفاسها من بكائها المتسرع ثم قالت بصوت متلعثم:
- بس ماتقولش كبرت أنا لسه صغيرة، انت اللي كبرت

سكت أنور وحدق بابنه ثم إليها وجانب وجهها وانتبه لقول حبيب:
- ده أنا اللي كبرت يامه مش أبويا

أفلتت تنهيدة من بين شفتيها ثم رفعت عينيها ببطء إليه وقالت أخيرًا:
- أنا بتكلم مع جوزي انت مالك، سكته يا أنور

لم ينتظر حبيب ما سيفعله والده فقام بوضع راحة يده على فمه قبل أن يسترسل:
- اهـو

أسبلت جفنيها قليلًا وقامت بتجفيف دمعتين عالقتين بأهدابها وتابعت بأكبر قدر من الرفق كأنها تسير على خطر رفيع:
- احنا متجوزين بقالنا أربعين سنة، اتخانقنا واتصالحنا وهجرنا بعض ورجعنا تاني حصلت مشاكل بينا زي أي اتنين متجوزين ونسيتها لكن الغلطة دي لأ مانستهاش لسة فاكرة اليوم كأنه امبارح ... انت سامحتني ونسيت اللي حصل، لكن أنا لأ هفضل فاكرة الغلطة اني اتفقت مع امي على اذيتك وآآ

عاودت لبكائها مجددًا ولم تستطع إكمال حديثها وهو لم يضغط عليها، بل قال بهدوء:
- حبي ليكي غفرلك كل حاجة

بادل حبيب لوالديه نظرات معجبة عن ذلك الحب طويل الأمد منذ مرحلة المراهقة في الثامنة عشر إلى مرحلة الكبر في الستين من العمر، جمحت مخيلته بسخرية فهو يختلف عن والده بسنة ضوئية فاشل في الوقوع بالحب لم تفضل معه فتاة واحدة لآخر الطريق

زمهرير لهب الصحراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن