الفصل الثامن عشر

1.5K 98 50
                                    

كان ظلام المساء يحيط به من كل إتجاه والصمت الشديد يدوي آذانه يكاد يصمها، وهو يسير على غير هدى، يبحث ويلتفت في شوارع المدينة عنها لعل به يصطدم ويراها، لم يرى سوى فراغ واسع طويل الأمد لا ينتهي، سأل جميع سكان المنطقة عنها والكثير لم يبالي أو يهتم سوى من أخبره بطريق سيرها في إتجاه

الأن هدأت فرائصه وشعر ببصيص ضوء يأتي إليه وفي غمرة ضياعه تفاجأ بحشد بشري كثيف، استطاع بصعوبة تجميع مفهوم عن محاولة خطف طفل وباتت بالفشل، قارب حبيب على الوصول إليهم فإقشعر بدنه وهو يرى سلسبيل تختنق من البكاء وشابين ممسكان بها بإحكام، قفز يدفعهما بعيدًا وتغيرت ملامحه للغضب يهتف بالجميع:
- يا نهار أبوكوا أسود .. عملتوا فيها إيه؟

دنى حبيب ليصل إليها وشاهد شكلها الفزع الخائف لقد تعرضت للضرب لم تفتح عينيها وهي مستمرة بالبكاء والصراخ، توغر واحتقن وجهه للدماء، واستمع لقول السيدة الحانق:
- شكله هو اللي مسرحها وعامل الفيلم العربي ده يداري عليها بعد ماتكشفت

قذفت كلماتها وهي تنظر لحبيب التميمي الذي ظهر فجأة بظهر بلطجي قليل الذوق وكأن قناع التهذيب والأدب فارقه فقط من مظرة عينيه الناقمة، وقال بلهجة متوعدة:
- انتِ مين يا ولية وبتتكلمي كده ليه؟ هي سايبة؟

ثم ربت على ملابسها ونفض من عليها غبار الأرض وظل يهدأها:
- ماتخافيش يا سلسبيل محدش يقدر يقرب منك وأنا موجود .. قومي عشان نمشي

سمع صوتها المرتعش تستعين به:
- خالو حبيب أنا عايزة امشي

نبرة صوتها المرتجفة الخائفة المتوجسة بنظرات عينيها من الأخرين جعلت شاب يتأكد منها وإنها ليست في حالة إتزان وطبيعية فبادر يوضح لهم:
- يا جماعة خطافة عيال إيه اللي بتقولوا عليها؟ انتوا مش شايفين شكلها عامل ازاي! دي مابتعرفش تقول كلمتين على بعض باين عليها هبلة؟

لم يلتفت حبيب إليه وظلت عيناه مثبتة عليها وهو يقول بقسوة:
- كلمة تانية وهتلاقي نفسك مرمي على الأرض تحت رجليها .. حط لسانك جوا بؤك واتقي شري

ارتجف بوهل وهو يدرك فرق جسده القصير الممتلئ وبين الحائط البشري أمامه ثم عدل قوله:
- أنا ماقصدش .. أنا بس كنـ .. آآ

قاطع حديثه مرة أخيرة بحزم ونهض وذراعيه تلتف على ظهر سلسبيل وجعلها تقف ثم قال بصلابة جاهد بإخفائها تجنبًا لفزع الطفل:
- يلا يا سلسبيل هنمشي من هنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم تكف آمال طيلة الساعات الماضية عن توجيه اللوم بلهجة ساخرة إلى شادية لإهمالها وطريقة عنايتها المستهترة بابنتها التي درجت منذ زمن على مخاطبتها بها، أما هي المذنبة التي فرقت في تربية أبنائها فقد طغى عليها الحزن والقلق ثم نست بعد قليل إنها خانت عهد الأمومة فاستحقت العقاب

زمهرير لهب الصحراءWhere stories live. Discover now