_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)

6.3K 309 112
                                    

٠٢/٠٥/٢٠٢٣
(فرصة ثانية للفؤاد)

"لم تؤلمنى الطعنة بقدر ما ألمنى من قام بفعلها"
_لقائلها

______________________________________

لا يعرف لما قادته قدماه إلى غرفة صديقه ،فلم يكن هناك أى داعى ،لكنه وجد نفسه بدون أى تبرير يحمل سترته و يتجه له رغبه منه فى مضايقته لبعض الوقت ،لكنه لاحظ عدم وجود الموظفة المسئولة عن الاستقبال لغرفته ، لم يهتم بالأمر و اقترب بهدوء و لكنه قبل أن يطرق الباب استمع لصوتها الأنثوى الذى يحفظه عن ظهر قلب
حيث كانت تهتف بلوعة حب واضحة:
و أنا مش بحب صاحبك  ،أنا بحبك أنت
بحبك يا غيث أفهم بقي

تسمر بمكانه للحظات ،لا يصدق أنها بمثل تلك الجرأة لتأتى له لمكان عمله و تعترف بما فى قلبها بكل تلك البساطة

حاول"أحمد" دفع نفسه للأمام كى يقتحم عليهما الغرفة و يعنفها على فعلتها تلك ،لكنه لا إراديًا تراجع للخلف ،شعر بالخجل الشديد ،فبأى حق يعنفها و هى امرأة حرة ، لا تربطها أى علاقة به فما هى سطلته عليها ليفعل ذلك ؟
ابتسم بسخرية و خرج تاركًا لهما المجال ،يعرف أن صديقه لا يراها من الأساس ، و مع ذلك شعر بالغضب منه ،رغمًا عنه فالمثالية بعيدة كل البعد عن البشر
تنهد بألم و هبط متجهًا لسيارته كى يترك المكان بأكمله ،و بدون أى مقدمات اصطدم بها
رفع رأسه ليعتذر لكنها كانت أسرع منه و قالت معنفةً اياه  دون حتى أن تنتبه لهويته:
مش تفتح يا أعمى
ولكنها ما أن عرفت هوية من اصطدمت به ، قالت مسرعةً بخجل شديد:
اسفه يا دكتور أحمد مكنشى قصدى ،حضرتك اللى خبط فيا،مش تفتح و لا تاخد بالك حتى  ،بدل ما أنت ماشى تخبط فى خلق الله كدا يا دكتور  ،يعنى أفرض مثلا خبط فى ست كبيرة و و قعت جالها الغضروف ،و لا واحده حامل و خلتها تولد مبكر ،و لا عيل صغير و عملته عاهة مستديمة ، و لا راجل متخانق مع مراته فقام متعصب عليك بقي ،مفروض تاخد بالك بعد كدا
زفر"أحمد" أنفاسه بضيق شديد فهو لم يعد يتحمل أى جدال ،ليصيح هو الآخر بحدة :
بس ،ايه راديو و اتفتح ،افصلى شوية  ،أنا صدعت منك ،مفيش راحه خالص كدا ،كله كلام كلام ، تعرفى تسكتى ،تعرفى مرة واحدة فى حياتك متتكلميش ،العالم مش هينهار لو الهانم وعد قررت تتحلى بالصمت و لو للحظات
رمقته بضيق شديد ،ثم قالت بينما كانت تبتعد عنه :
تمام يا دكتور،عن اذنك
شعر "أحمد"أنه تطاول و تعدى حدوده معها ،فهتف متسائلًا كى يلطف من حدة الأجواء قليلًا:
استنى،أنتِ رايحه فين ؟ هو أنتِ بقيتى موظفه فى شركتنا و لا ايه ؟ محدش قالى
توقفت "وعد" و التفت له ثم قالت بإستفزاز ساخر :
هبقي موظفه من غير ما المدير يعرف ازاى يا ذكى ؟ حضرتك مش مالى ايدك فى الشغل و لا ايه ؟ لو عايز واسطه كلمنى هقول لرنا تقول لمديرها ،أنا برده أحب أخدم الدكتور بتاعى اللى بنجح فى مادته بدرجات الرأفة
تنهد"أحمد"تنهيدة عميقة ثم قال بعد أن جلس على إحدى مقاعد الاستراحه المصفوفة بجانب الطريق و التى تقع أمام الشركة :
لازم تردى على كل كلمه بموشح يا وعد
و الله  أنتِ الواحد يتوقع منك أى حاجه
اقتربت من موضع جلوسه و قالت بسخط و هى تضع يدها بخصرها :
ليه شايفنى تعلب ؟
لكنها ما أن قالت ذلك انفجر من الضحك فقد ذكرته بحديثه السابق مع أصدقائه،اغتاظت هى بشدة و قالت متسائلةً بحنق:
بتضحك ليه دلوقتى ؟ هو أنا قولت نكته و لا حاجه يا دكتور
حرك "أحمد"رأسه نافيًا و قال بينما كان يجاهد نفسه ألا يكمل فى الضحك و يضايقها:
لا فكرتينى بحد أعرفه
جلست"وعد" على المقعد القريب منه  دون وعى منها و قالت بخيلاء:
أكيد حد جامد ،مفيش منه اتنين ،نبغة عصره و زمانه و أوانه
ابتسم لها و قال :
شكرًا شكرًا
التفت"وعد" له و قالت بينما كان يعلو ملامح وجهها علامات الضيق و السخط :
بتشكرنى ليه ؟ هو أنا بقول لحضرتك ،دا أنا بقول للحد اللى شبهى أنا
سلام بقى عشان أدى لرنا  الأكل دا
لكنه قال سريعًا :
أكل ايه ؟
عادت لمقعدها و قالت بينما كانت تخرج حصتها من الطعام و تعطيها له دون تردد:
شكلك جعان صح
خلاص هعطف عليك و أديك أكلى ،يمكن أخش الجنه على حسك
أخذ"أحمد" منها لفافة كبيرة و فتحها كانت تحتوى على ثلاث قطع شطائر فقال متسائلًا:
ايه السندوتشات دى ؟
ابتسمت"وعد" بفخر شديد و هى تقول :
دى سندوتشات معموله بعيش هندى  ،جبت طريقتها من على النت و عملتها ،و البانيه اللى جواه التتبيله بتاعته مغيره فيها شوية حاجات فهتلاقى طعمها غريب عن البانيه العادى  بس جامد ،و البطاطس سبتها على النار الهاديه شوية  فطلعت بالطعم الرائع دا
لم يهتم "أحمد"بحديثها فقد بدأ فى تناول تلك الشطائر و قال :
لا أنا  بسألك مش عشان عجبنى ،أنا بسألك عشان مش عارف دا ايه مش أكتر،أنا كدا كدا باكل أى حاجه مبقولشى لا
لوت "وعد"ثغرها بتبرم و قالت بهمس:
لا بجد ربنا يكون فى عون اللى هتتجوزك
سمعها نتيجة لقرب مقاعدهم ،فقال بمشاغبة:
ملكيش دعوى ،دى هتبقي ملكه متوجه
أدرات رأسها له فى الحال و قالت هامسة بسخرية :
ملكه متوجه على مكب زبالة
لم يستمع لحديثها حيث كان منشغلًا بتناول ما بيده ،فقال متسائلًا :
بتقولى ايه يا وعد  ؟
حمدت"وعد" ربها أنه لم يستمع لما تفوهت به و تظاهرت بالسعال و هى تقول:
مبقولش ،أنا بكح،ايه ممنوع أكح؟
ابتسم "أحمد"بسخرية  و قال بعدما أخرج من جيب بنطاله منديلًا و رقيًا كى يمسح بقايا الطعام من على وجهه:
نفسى أعرف مين اللى هيدبس فيكى،دا هينقذ البشريه كلها و يظلم نفسه
تضايقت بشدة من حديثه و قالت:
على فكره دى مش ظرافه دا دبش
عرف"أحمد" أنه ضرب على وتر حساس و لكنه أراد استغلال الموقف و يصارحهها بما يضايقه من ناحيتها :
طب كويس أنك خدتى بالك أن فى حاجه اسمها دبش عماله ترميها فى وش كل حد تشوفيه ،الناس ملهاش ذنب تتحمل لسانك يا وعد ،مش كل جمله حد يقولهالك تردى عليها بكلام أسوء عشان بس تكسبى الحوار لصالحك ،أحنا مش فى حرب ،طريقتك دى هتخلى الناس تبعد عنك
حركت"وعد" كتفها بلا مبالاة و قالت :
و ماله ،ما فى داهيه ،مش هبوس ايد حد عشان يكمل معايا فى حياتى ،أنا كدا و عجبانى و مش هتغير ،و اللى مش عاجبه الباب يفوت جمل
رد علها "أحمد" قائلًا بيأس :
بجد hopeless case
رمقته"وعد" شرزًا ثم قالت بعد أن حزمت حقيبتها :
بعض ما عندكم ،عن اذنك ،و بالهنا و الشفا خلصت أكلى و كنت هتدخل على أكل الغلبانه اللى فوق ،سلام يا دكتور
لكنه قبل أن تبتعد خطوة واحدة قال بامتنان حقيقي:
شكرًا أنك جيتى فى الوقت دا
توقفت "وعد"بمكانها و قالت دون تفكير كعادتها :
و هو أنا جيالك ،أنا جايه لصاحبتى حبيبتى ،الشقيانه التعبانه اللى شايله الشركة كلها على أكتفها و غيرها بينزل يتمشى فى أوقات العمل الرسمية
أنهت حديثها و اتجهت لوجهتها تاركةً خلفها شخص فطر قلبه منذ لحظات و لكنه شعر بإضاءة خافته تنبعت من تلك الفتاة فقال بضياع محدثًا نفسه:
مش عارف يا وعد ،بس غالبًا أنتِ و قعتى فى طريقي خلاص و مفيش مفر

مريض نفسى بالفطرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن