10 - عقابٌ جماعيّ.

3.1K 339 216
                                    

10 -

الإنسان هو مَن يؤذي ذاته.. يظن أنه ينجو بنفسهِ، وهو في الحقيقة يغرق في القاعِ.

- منزل هَاوي.

تثاءبت أيلول بإرهاقٍ بعدَ ليلةٍ طويلة مليئة بالأحداثِ الكثيرة، ثمَ فتحت عيناها بهدوءٍ، تعتاد على أشعةِ الشمس التي تداعب رموشِها، وما لبثت إلا أن أدركت أين هي تنام الآن؛ تنام على الأريكةِ في شرفةٍ مِن شرفاتِ منزلها، وهاوي إلى جوارها، يحتضنها بقوةٍ، وتبادلهُ هي العناق باسترخاءٍ تام! .. لتصرخ في وجههِ، قائلةً بضيقٍ:

- إيه.. أنتَ حاضني كده ليه؟

عقدَ هاوي حاجبيهِ بمللٍ بعدَ أن فتحَ عيناهُ رغمَ شعور الخمول المتملك منهُ، ثمَ زفرَ قائلًا بهدوءٍ مُريب:
- صباح النور!

عضت على شفتيها بانزعاجٍ منهُ، ودفعتهُ بعيدًا عنها مسرعةً، فمطَّ شفتيهِ، وحكَّ عنقهِ بألمٍ خافت أثرَ النومِ بشكلٍ خاطيء، وهو يتمتم بضيقٍ من دفعها لهُ:
- أنتِ إلّي جيتِ ونمتِ في حضني بإرادتك على فكرة، كنتِ بتعيطي.. وجيتِ ليا؛ القلب الحنين!

أطلقت أيلول ضحكةً ساخرة، تنظر لهُ بحاجبينِ معقودين، ثمَ غادرت الشرفة بسرعةٍ، وضحكاتهُ الخافتة تخترق آذانها، وما لبثَ إلا أن نهضَ هو الآخر، متمتمًا بصوتٍ مرتفع حتى يصل لمسامعها:
- ناس تاكل وتنكر زي القطط!

ضربَ كفًا بالآخرِ في نهايةِ حديثهُ، متجهًا نحوَ حجرةِ المطبخ، يُخرج بعضٌ مِن حماسهِ في طهي الطعام، يدندن إحدى المقطوعات الموسيقية بصوتٍ هاديء، وابتسامتهُ المُشرقة تكاد تسلب عقلِ الناظر إليه، حتى خرجت أيلول بعدَ دقائق مرتديةً ملابسها الرسمية، قائلةً بحزنٍ خافت وهي تضع سلاحها في جيبِ بنطالها الخلفيّ:

- هاوي، هو إزاي الإنسان يقدر يتخطى موت حد عزيز عليه؟

نظرَ هاوي لها بطرفِ عينٍ، متعجبًا من تبدلِ حالِها في دقائقٍ معدودة، ثمَ وضع الخضروات التي قطعها في الإناء، وهتفَ بتساءلٍ:
- تقصدي بكلامك صُهيب؟ مش كده؟

هزت رأسِها إيجابًا، تدخل إلى نِطاق المطبخِ، متناولةً قطعةً مِن التفاح المُقطعة، فضربها على جبينها بنظرةٍ تحذيرية، ثمَ هزَّ كتفيهِ بعدمِ إدراك، وردَّها وهو يُقلب ما في الإناء:

- مش عارف.. أكيد مفيش حد بيتخطى يا لِيل، هي بس الفكرة في إننا ممثلين بارعين!

نظن أن تزييف القوةِ، وتلكَ الحيلة التي نُجيد فعلها؛ ستدوم إلى نهايةِ الرحلة.. ولكن ما إن نتعثر بعدةِ صدماتٍ متتالية؛ حتى يقع قناع القوة الزائفة، وتنهار جميع الخلايا انهيارًا يتصدع أثره القلب، ويُصبح حُطامًا!

همهمت أيلول بخفوتٍ، مقتنعةً بما نبسَ،  فوضعَ هو قطعةَ تفاحٍ أخرى في فمها.. وأضافَ مُغيرًا مجرى الحديث:
- هروح المطعم أنظم فيه شوية حاجات.

أيلول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن