25 - سجَّانٌ للطير الشريد.

2.4K 328 124
                                    

25 -

دائمًا ما يخشى الإنسان أن يعود إلى نقطةِ البداية من جديد، ويفقد هويتهُ الجديدة التي جاهدَ كثيرًا حتى يُصبح عليها.. ولكن للحياةِ آراءٌ أكثرُ قسوة.

اخترقت الرصاصةَ المزهرية المجاورة لرأسِ روان، مستقرةً في عرضِ الحائط خلفها، وذلكَ بعدَ أن وجَّه صُهيب فوهة السلاح بعيدًا عن موضعِ رأسها، متجاهلا تعليمات عقله، ثمَ ألقى السلاح أرضًا، ضاربًا رأسهِ بكلتا يديهِ، وهو يردد بغضبٍ:

- لازم تاخد حقك، لازم!

وقفَ أمام الحائط الآخر، وأسندَ رأسهِ عليه، زافرًا الهواء بغضبٍ، وصدرهُ يعلو ويهبط من شدةِ سخطهِ على نفسهِ وعليها، متسائلًا عن دافعها القويِّ الذي جعلها تنساق للعدو، وتُحقق مطالبهِ؟

ضربَ الحائط بقوةٍ، وكوَّرَ قبضة يدهِ الأخرى، تاركًا عبراتهِ تتمرد عليه وتنساب فوقَ وجنتيهِ، متذكرًا صديقيهِ، ووقوفهما معهُ في أشدِ الأوقات قسوة، كانا لهُ موطنًا آمن بعدَ عائلتهِ، بل كانا أكثر مِن ذلك، والآن أصبحَ ضعيفًا، هشًا من الداخل، أتى للثأرِ واسترداد حقوقهم، ولكنهُ يرى أن الأمر ليسَ بتلكَ السهولةِ التي ظنها!

فبعدَ أن كاد يتحلى بالقوةِ مِن أجلِ إتمام ما يريد؛ عادَ الآن من جديد إلى نقطةِ البداية، وصارَ ضعيفًا، خُدِعَ وظنَّ أنها ضحيةً مثلَ الباقين، وما هي سوى مخادعةٌ تلاعبت بهِ وبالآخرين!

سحبَ نفسًا عميقًا، ومن ثمَ اعتدلَ في وقفتهِ، ماسحًا على وجههِ بكفيهِ، مستغفرًا ربهِ بحزنٍ داخليٍّ، ثمَ خطى خطوتينِ صوبَ موضعها، واقفًا قبالتها بعينينِ يتطاير منهما الشرار، وببرودٍ تام، أمسكَ زجاجة المياة الموضوعة أعلى المنضدةِ، وألقى ما فيها من مياهٍ عليها؛ فانتفضت، شاهقةً بفزعٍ وهي تنظر حولها بخوفٍ غير مبرر بالنسبةِ لهُ، ليرمقها هو باشمئزازٍ، ومِن ثمَ ابتعد عن مجال رؤيتها، وولجَ إلى دورةِ المياة بعدَ أن سارَ في ممرٍ صغير نسبيًا، فرمشت هي بضيقٍ، وهي تحاول تذكر أين هي الآن؟ ناظرةً حولها بنظراتٍ متفحصةً، وما إن أدركت؛ حاولت النهوض، ولكن منعها تقييد قدميها ويداها، فعضت على شفتيها، متوعدةً لهُ داخلها.

في حين أن صُهيب نظر لهيئتهِ في المرآةِ، ولعينيهُ الحمراوان مِن شدةِ كبحهِ للعبرات داخل مُقلتيهِ، وما إن فاض بهِ الأمر؛ أعطى لهم الإذنَ بالانهمارِ، ولكنهُ أعادَ حبسِهم من جديد داخلهُ، وكأنهُ بذلك يتناسى ضعفهِ، ولكن الذكرى التي لا تُنسى؛ هى منبعُ الضعفِ!

فتحَ صنبورِ المياة، واضعًا كفيهِ أسفل المياة، ومِن ثمَ ألقى ما بهما مِن ماءٍ على وجههِ؛ حتى يعود التركيز لهُ قليلًا، ولكنهُ لم يحظى بما يود، فتأفأف، غالقًا الصنبور بعدَ ذلك، ثمَ سحبَ المنشفة المُعلقة في موضعها المخصص، ماسحًا بها ما على وجههِ ذو الملامحِ الباهتة مِن ماءٍ، وخرجَ بعدها من دورةِ المياة، وهو يتمتم بحديثٍ غير مفهوم، إلى أن شعرَ بحركةٍ غريبة في المنزلِ، فضيقَ عيناهُ، وأخرجَ رأسهِ قليلًا ليرى ما حدث، فلم يجد "روان" ليزفر بغضبٍ، قائلًا وهو يُخرج مِن جيبِ بنطالهِ سلاحهُ الخاص:

أيلول Where stories live. Discover now