27 - قتلُ النفوسِ مُحرمٌ.

2.3K 281 118
                                    

متنساش التفاعل.
°°°°

27 -

إن الماضي هو أسوأ طريقةُ تعذيبٍ قد يُعذِب بهِ المرء ذاته، والذكريات هي أقوى عاملٌ لجعلِ الإنسان مُحطمًا.. فلا العقلُ البشري يرأف بحالِ صاحبهُ، ولا المرء يتوقف عن إيلام روحهِ.. وتظل الحياة مُجرد خدعةٍ، وستنتهي ذات يومٍ.

- حاسس إن جه الوقت، اللي أحكيلك فيه عن السبب ورا توبة شخص.. كان مُجرم زمان!

نبسَ هاوي بهدوءٍ أجادَ اتقانهِ وهو يعبث بقلمهِ الحبريِّ في دفترهِ، يرسم شيئًا ما منذُ النصفِ ساعةً، وأيلول تجلس إلى جوارهِ على ذاتِ الأريكة، تتبادل معهُ الحديث بصدرٍ رحب، إلى أن نطقَ بجملتهِ السابقة، فهمهمت قائلةً بابتسامةٍ خافتة:

- أنتَ وراحتك يا هاوي، بس لو الموضوع هيفتح جرح قديم.. يبقى بلاش.

أصدرَ صوتًا عشوائيًا مِن بينِ شفتيهِ، يُعبر بهِ عن اعتيادهِ على الأمر، ومِن ثم نطقَ وهو يغلق القلم بتنهيدةٍ طويلة:

- عادي، أنا حابب أشاركك كل حاجة أنا فاكرها عن الماضي.

ابتسمت أيلول أثر جملتهِ التلقائية، وابتسمَ هو الآخر ما إن رأى ابتسامتها، وأدركَ ما يدور في خُلدِها، ثم مدَّ يدهِ لها بالدفترِ، قائلًا بهدوءٍ وهو يعتدل في جلستهِ باسترخاءٍ أكثر:

- بحب عينيكِ يا لِيل، بحس إن فيهم سِحر.. مع إنهم عاديين جدًا زي أي بنت، بس ممكن عشان أنتِ أول واحدة تسكن قلبي؟

أمسكت الدفتر سريعًا، تنظر بتعمقٍ في ما رسمَ، ولم ترى سوا رسمةٌ إبداعية واحترافية لعينيها هي، متعجبةً من كونهِ لم يرفع عيناهُ عليها هي طيلة النصفِ ساعة.. وهذا ما جعلها تُدرك كيفَ هو يحفظُ ملامحها.. خاصةً عيناها، فخفقَ قلبها أكثر من ذي قبل، وازدردت لعابها بتوترٍ لا تعلم سببهُ، نابسةً بخجلٍ:

- شكرًا.

فلوى هو ثغرهِ، يناظرها بضيقٍ خافت، ومن ثم ضربها في كتفها بحركةٍ مباغتة واعتيادية بينهما، متمتمًا:
- بقولك إيه؟ تعالي أما أحكيلك؛ عشان أنتِ بـ "شكرًا" دي هتخليني أرمي نفسي من البلكونة!

ضحكت بخفةٍ، مربتةً على كتفهِ كي يهدأ، فزفر هاوي بمللٍ، يهز رأسهِ يمينا ويسارًا بمللٍ، ومن ثم سحبَ نفسًا طويلا وعميقًا، محاولا التزام الثبات أثناء ما سيقول بعد قليل، وقد شعرت هي باضطرابِ مشاعرهُ، فصمتت.. تترقب أفعالهِ بهدوءٍ، إلى أن نبسَ أخيرًا بنبرةِ صوتٍ ثابتة:

- من زمان أوي، وأنا صغير.. مش فاكر ساعتها أنا كان عندي كام سنة، بس.. أنا فاكر اللي حصل اليوم ده كويس أوي.

شعر ببعضِ الاختناق، وعبراتهُ تتزاحم داخل مُقلتيهِ؛ مترجيةً إياهُ أن يسمح لها بالانهمارِ على وجنتيهِ، لكنهُ رفضَ.. وأزال أثرهم بإبهامهِ، مسترسلا حديثهُ بقولهِ:

أيلول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن