13 - الحُب لم يُخلق لها!

3.1K 389 164
                                    

13 -

وأن نُهدى قلبًا مُحبًا.. يُجبر ما تمَ كسره.

تسير أيلول رفقةَ هاوي في الشارعِ بخطواتٍ هادئة، متجهان إلى منزلهما الخاص.. تشبك يدها في يدهِ، ويهمهم هو بخفوتٍ يقطع بهِ صمتٌ مطلق، وهي غارقة في التفكيرِ، ليتمتم هو بتساءلٍ:
- لِيل.. في بينك وبين رعد إيه؟

رمشت تنظر لهُ متصنعةً الغباء للهروب مِن سؤالٍ إجابتهُ معها هي فقط، لكنها لا تستطيع البوح بها.. فضيقَ هاوي عيناهُ، ونبسَ بهدوءٍ وهو يسير جوارها بخطى ثابتة:
- أنا مش غبي عشان أتجاهل نظراتك له طول القعدة، وهروبك منه كل شوية.. في حاجة بينكم أعتقد، لو مش حابة تقولي.. فـ براحتك، أنا متفهم.

ابتسمَ لها في نهايةِ حديثهُ، ويدهُ الأخرى تُربت على يدِ أيلول المتمسكة بيدهِ اليسرى، لتعض أيلول على شفتيها ببعضِ التوتر، والخوف رُبما.. شعورًا غريب اجتاحَ صدرِها ويدفعها للبوح؛ حتى تتخلص مِن اضطرابِ قلبها وحيرةُ عقلها، فاستنشقت ماء أنفها، وأردفت بنبرةٍ هادئة وغامضة يتغلغلها حزنًا دفين استشفهُ هاوي:

- كنت بحب القراءة، وكان عندي كتاب مميز.. كل ما أحس بالحزن أو الضيق؛ أروح أقرأه، كان بيحتوي حزني بين سطوره، وكنت لما أفرح أقرأه برضو؛ عشان كان هو وطني الآمن، وبيخليني أحس بأمان، بس.. بس الكتاب طلع بير أسود، وبين سطوره كان في كلمات بتسحب للإلحاد، عرفت إني على غلط، وكاتب الكتاب أنكر غلطه.. كنت حبيته، وكان صعب أمسح حبه من قلبي، بس الأيام كان تأثيرها أوي ومسحته، والذكرى لسه موجودة.

ضيقَ هاوي عيناهُ، محاولا فهم ما نطقت هي بهِ بنبرتها الهادئة والممتزجة ببعضِ الغموض، ثمَ نظرَ لها مستفهمًا.. لتهز كتفيها قائلةً بابتسامةٍ منكسرة:
- رعد كان هو كتابي المفضل.

سحبت يدها مِن يدهِ بسرعةٍ، وضمت يديها نحوَ صدرِها، تسير بخطى شبه ثابتة، تاركةً نسمات الهواء تداعب خصلات شعرها، واقعةٌ هي في حيرةٍ.. ما بينَ السير في طريقٍ جديد، أو الالتفات للماضي والبُكاء حزنًا على ما مضى، فسحبت نفسًا عميقًا وزفرت ثانيةً تُخرج ما في قلبها، فيما نطقَ هاوي بإدراكٍ وصدمة:

- كنتِ بتحبيه؟

- مش عاوزه أطلع البيت، حاسه إني مخنوقة يا هاوي.. ممكن تسيبني أتمشى لوحدي؟
تجاهلت صدمتهِ، ونبست بجملتها السابقة بنبرةٍ مترجية، فتنهدَ هو بيأسٍ، وتمسكَ بيدها مجددًا، نابسًا بقوةٍ وجدية وهما يسيران بعيدًا عن منزلهما:
- مش هسيبك لوحدك.

نظرت لعينيهِ مُباشرةً، تستنكر أفعالهِ الغريبة بالنسبةِ لها.. وكأنه يحاول سحبها لتلكَ النقطة مِن جديد، والوقوع في متاهةٍ لن تستطيع الخروج منها هذه المرة، فضحكت ساخرةً بعدَ أن تذكرت اللعبة التي أقحمت ذاتها فيها، ونظرت أمامها مجيبةً على سؤالهِ الذي تجاهلتهُ:

أيلول Donde viven las historias. Descúbrelo ahora