40 - رقصةٌ صامتة.

1.2K 143 130
                                    

40 -

مع مرور الأيام والسنون.. يُدرك الإنسان أنهُ يستطيع نسيان ما ظن عقله أنهُ لن يتناساهُ قط!

- منزل هاوي.

حالةٌ من الخوفِ الممزوج باللهفةِ قد اجتاحت "أيلول" بعد أن سحبت هاوي للداخل، وأغلقت الباب على كليهما، كان يفترش الأرض بلا أيةِ حركة، وأنفاسهُ تقل بطريقةٍ جعلتها تهرول سريعًا نحو غرفتهما، باحثةً عن زجاجةِ عطرٍ، إلى أن وقعت عيناها على خاصتهِ، فالتقطتها بيدٍ مرتعشة من موضعها، وخرجت ثانيةً إلى غرفةِ المعيشة، ثم دنت من مستوى "هاوي"، مُقربةً زجاجة العطر من أنفهِ، قائلةً بترجي ونبرةً باكيةً:

- يا هاوي قوم!

لم يستجب لندائها المتواصل أو لما فعلت، فالتقطت هاتفها بسرعةٍ، قاصدةً التواصل مع النجدةِ؛ لإسعاف زوجها.. إلى أن شعرت بهِ يتحرك قليلا، فتركت الهاتف من يدها، وهتفت بلهفةٍ بالغة نحوه:

- هاوي.. أنتَ سامعني صح؟

أصدر صوتًا مُتعبًا من بينِ شفتيهِ، دالا على عدم قدرتهِ في التحدث، فأسندتهُ بقوةٍ رغم الألم الذي يغزو أوصالها، محاولةً إدخاله لغرفتهما، وكان هو يسير معها بخطى متعثرةٍ، لكنهُ يُقاوم!

ساعدتهُ في التمدد على الفراشِ، ثم وقفت تكفكف عبراتها وتلتقط أنفاسها.. لكن قدرتها على التحمل قد نفذت، فانسابت العبرات سريعًا على وجنتيها كتدفقِ المياة في نهرٍ جارٍ، تعبيرًا على هشاشةِ قلبها المُرهَق، ليبتسم هاوي بخفةٍ، ومن ثم مدَّ يدهُ لها، قائلا بصوتٍ خفيض:

- تعالي يا لِيل، أنا كويس.. متخافيش.

نظرت ليدهِ الممتدة لها بعينين باكيتين، ثم تمسكت بها فهدأ قلبها قليلا ما إن احتضن يدها بقوةٍ، قسحبها نحوهُ، ولم تُصدر هي اعتراضًا، بل أسندت رأسها على كتفهِ، ونطقت:

- خوفت لما شوفتك واقع على الأرض! بقيت بخاف أخسرك فمعرفش أعيش من بعدك.. مش هتسيبني صح؟

سألتهُ بعشوائيةٍ ثم رفعت رأسها تطالعهُ بتيهٍ، فهزَّ هو رأسهِ بترددٍ طفيف، محاوطًا إياها بحُبٍ، محاولا التخفيف عنها رغم عقدة التشتت المتشابكة داخل عقلهِ، وتفكيرهُ المُرهِق الذي يدفعهُ لحافةِ الهاوية كل ليلةٍ.. إلى أن يشعر بأنهُ سيفارق الواقع ويغرق في آلامِ الخيال؛ فتبتعد حينها تلك الأفكار عنه.

- الإدارة العامة.

طرقةٌ قوية على مكتبِ باب رعد كانت سببًا في انتفاضتهِ من على الأريكةِ الجلدية، وهِتافهُ بسخطٍ:
- في إيه!

وقف يفرك في وجههِ بنعاسٍ لم يغادرهُ بعد، ومن ثم اتجه نحو البابِ فاتحًا إياهُ، فظهر أمامه أحدِ الضباط "حازم" والذي ولج إلى نطاق المكتب، قائلًا بجديةٍ وتساؤل:
- ليك علاقة بالبنت اللي اسمها غَيْم دي؟

أيلول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن