29 - الحب الأول.. لا يُنسى؟

2.8K 260 249
                                    

29 -

وددتُ لو أنزع قلبي من جسدي، وألقيه في محيطٍ أكثرُ عمقًا وقسوة مِن مُحيط الحُبِ.

- ليه حابب تبعد عن عيلتك، وهما أساسًا ضهرك؟ .. أنتَ غبي يا شُهيب؟

تساءل هاوي وهو يعقد ما بين حاجبيهِ، ناظرًا لشُهيب باستنكارٍ حاد، فاعتدل شُهيب في جلستهِ على فراشهِ الطبي، ونبس مجيبًا على سؤالهِ بسؤالٍ آخر:

- عاوزني أفضل وسطهم، وأعلقهم بيا أكتر؟

- وأنتَ هتروح فين يعني؟

نطق هاوي بنصفِ عينٍ وتساؤل آخر، وهو يعقد ذراعيهِ أمام صدرهِ، فرَّدهُ شُهيب دون أن يستغرق تفكيرهُ الكثير:
- هموت بسبب مرضي.

ضربَ هاوي كفًا بالآخرِ، مستغفرًا ربهِ.. ومن ثم نهض عن كرسيهِ، وجلس على الفراش قبالة شُهيب، نابسًا بهدوءٍ ونبرةً جادة:
- هل بطريقتك دي هتخلي تفكيرهم يبعد عنك؟ الإجابة لأ!
أنتَ مفكر إن بُعدك التدريجي هو اللي هيخليهم ينسوا وجودك، وأنتَ أصلا بقالك تسعة وعشرين سنة عايش معاهم، هينسوا وجودك إزاي؟

صمتَ شُهيب، يفرك في كلتا يديهِ بتشتتٍ، لا يعلم ماذا عليه أن يفعل؛ حتى يتناسوا هم أمرهِ، ويتجاهل هو شعورهِ بأن اهتمامهم به مجرد شفقةً منهم!
فيما تابع هاوي بهدوءٍ:

- ده ابتلاء من ربنا، بيختبر بيه مدى صبرك وتحملك.. فليه تيأس وأنتَ بإيدك تخضع للعلاج، وتبقى أحسن من تاني؟

ربت هاوي في نهايةِ حديثهُ على قدمِ شُهيب، متسائلا بنبرةٍ هادئة وابتسامتهُ تشعُ أملا للآخر، فسحب شُهيب نفسًا عميقًا، ونطق بصوتٍ خفيض يسودهُ شعورًا بالبُكاءِ:

- مش قادر.. مش قادر أفضل قاعد كده، وأفكر إني في اللي هيحصل بعد ما أعمل العمليه، أنا ممكن تحصلي مضاعفات تخليني عاجز طول عمري، هبقى عبء عليهم.

كم نتناسى جميعًا في أوقاتِ الضعف والحُزن النسبي أن خلف كُل ابتلاء؛ فرجٌ.. وما بعد الهمُ؛ فرحٌ.. وما قبل النجاحُ بخطوةٍ؛ يكون هناك فشلٌ.. ولكنها طبيعةُ بني آدم؛ ينظرون للأشياء من منظارِ البؤسِ، ويتناسوا كم أن رحمةُ الله بعبادهِ تسعُ كل شيء!

- عارف؟ أنتَ اللي عامل كده في نفسك، مع إن ممكن تبص للموضوع من ناحية تانية، وهتلاقي إن كل حاجة ماشية صح.. حاول أنتَ بس تبعد الأفكار دي عن عقلك.

أفكارُ المرءِ تكون أحد أهمُ الأسبابِ للإيقاع بصاحبِها في مستنقعٍ أسود؛ يحوي الفشل والبؤس.. فتجد صاحبُ الأفكارِ المُميتة دائمًا مذبذب وحائر.

- هحاول!

سبتَ شُهيب بهدوءٍ زائف، خلاف ما يدور في قلبهِ مِن اضطراب، فابتسمَ هاوي له بودٍ، وسحبهُ لأحضانهِ بقوةٍ، متمنيًا لهُ الشفاء، ليبادلهُ شُهيب العناق الأخوي بحُبٍ صافي، وقلبُ كُلِ واحدٍ منهما يتألمُ بشكلٍ أو بآخر بطريقةٍ مختلفة.

أيلول Where stories live. Discover now