35 - الحياة لا تتسع لنا!

1.6K 177 141
                                    

35 -

وما الإنسان سوى تراكماتٍ هائلة من أحزانٍ متتالية لا تزول.

في سكون الليل، وحول الطاولةِ الدائرية المتواجدة في حديقة منزل المزرعة؛ يجلس هاوي قبالة أيلول، يتمسك بكوبِ المشروب الساخن، وينظر لها بصمتٍ طويل، وكذلك هي.. لا تدري كيف تُعبِر عن عوائقِ مشاعرِها، وقبل أن تسقط بإرادتِها في عُمقِ الأفكار المتداخلة، وجدتهُ يتابع ما كان يقول:

- عرفت من الشيخ أحمد إنه باع شركاته اللي في مصر، بعد ما ابنه الوحيد مات في حادثة مقصودة، كان بعيد عن ربنا من ناحية الفروض والواجبات وكده، يُعتبر مسلم شكليًا، بس بعد الحادثة دي، ولما عرف إن الحياة فانية، ومش باقية على حد؛ قرب من ربنا تاني، وحفظ القرآن، عرف تفسيره، وبقى ملتزم نسبيًا أكتر من الأول، لغاية ما قرر إنه يسافر إيطاليا، ويستقر هناك، بهدف إنه يبقى مُحفِظ قرآن للناس اللي حابة منهم.. يمكن حد منهم يدخل الإسلام بسببه، لغاية ما ظهرت أنا في حياته.

يُدرك المرء بعد فواتِ الأوان أن كُل شيءٍ مُقترن بالحياةِ زائلٌ، حتى أن الحياة فانية، ولن تكون باقية لأي أحدٍ من بني البشر.

ناظرتهُ أيلول بهدوءٍ، دون أن تُعقِب على حديثهِ، فاستشف هو الإرهاق في عينيها، ليترك الكوب الذي بين يديهِ، وهتف بتساءلٍ:
- أكملك؟ ولا؟ .. شكلك عاوزة تنامي؟

هزت هي كتفيها بحركةٍ عفوية عادية، وهي تتثاءب ببعضِ النعاس، ثم أجابتهُ:
- خليها لبكرة بإذن الله؛ لأني حسيت فجأة بتعب..

نهضت عن كرسيها، وهي تسحب نفسًا عميقًا، مضيفةً أثناء نهوض هاوي هو الآخر عن كرسيهِ، والوقوف إلى جوارها:
- بعدين العيلة كلها جاية بكرة، يعني اليوم باين إنه هيبقى مُتعِب وطويل.

فشبك هاوي أنامل يدهُ في أناملِ يدها، متمتمًا وهو يسير معها لداخل المنزل:
- ولا متعب ولا حاجة.. متفكريش أنتِ بس كتير، تمام؟

تساءل بلطفٍ في نهايةِ حديثهُ، فهزت أيلول رأسها إيجابًا، وتابعت سيرها معهُ بخطى متناغمة، متمنيةً أن يختفي الخوف من قاموسِ حياتها، ولا يقتحم روحها قهرًا كما كلِ مرةٍ.

- فيلا السلحدار.
- غرفة شهد.

تجلس شهد على فراشِها واضعةً يدها أسفل وجنتِها بحيرةٍ من أمرِها، وأمامها تجلس هانيا التي تقوم بتجربةِ بعض منتجات العِناية بالبشرةِ، وهي تتمايل بخفةٍ وسعادة، إلى أن تذكرت شهد شيئًا ما؛ فنهضت عن الفراش قائلةً ببعضِ الكذب:

- النهاردة بعد ما خرجت من المستشفى، قعدت مع نفسي شوية في الشارع عادي، وفجأة لقيت شاب بيديني شوكولاتة!

أخرجت لوح الشوكولاتة من حقيبتها التي كانت ترتديها في ذلك الوقت، ثم ارتمت على فراشها مضيفةً:
- ضحكت الصراحة وأنا كنت مضايقة!

أيلول Where stories live. Discover now