48 - ضحيةً جديدة له؟

896 111 106
                                    

48 -

ماذا لو أن الفؤاد حُرًا طليق، يستطيع النجاة دون انتظار المعين!

-مقابر الموتى.

مقتٌ دفين لهذا المكان كان يحتل قلبها، شعورًا لا إراديًا سكن فؤادها ولم يغادرها، والآن هي مُجبرة على التعايش مع ذات الشعور من جديد، وتجربة كل شيء للمرةِ الثانية، ولكن هذه المرة بقوةٍ مفقودة كليًا!

تسربت الوحدة لروحها رويدًا رويدًا وهي ترى جثمان والدها قد استقر أسفل أكوامٍ من الترابِ، كما رأت والدتها من قبل، فكيف لها أن تتحمل كل ذلك؟ ورُغم وجود زوجها إلى جوارها، لكنها وحيدة، فالوحدة ليست فقط أن يكون المرء بمفردهِ، بل هي شعورًا غريبًا ومتناقضًا لا يستطيع العقل إدراكه!

تنهد صُهيب بحزنٍ ما إن أدرك رحيل الجميع، ثم نظر لروان الجالسة أرضًا أمام قبرِ أبيها، وجلس أرضًا إلى جوارِها، ناطقًا بنبرةٍ هادئة:

_ أنتِ عارفة إن دي أمانة ربنا.. صح؟

تذكر محاولة "محمد" في إخباره بموتِ أصدقائه، فمسح بيدهِ على وجههِ، يستعيد جزءًا من ثباتهِ، ومن ثم تابع وهو يمسد على ظهرِها: _ الحياة كده، لازم نبقى فاهمين.. وعارفين إنها فانية، ومش باقية لحد أو على حد.

رفعت رأسِها قليلا، تطالعهُ بعينين حمراوين، وبأنفاسٍ تكاد أن تُخطف منها، ثم نطقت بصوتِها الخفيض الناتج عن اختناقٍ أليم:

_ بس أنا كنت عاوزة أعيش معاه تفاصيل أكتر.. ليه يمشي؟

ذات المشهد يُعاد من جديد أمام عيناه، عاد بالزمن إلى الوراء، تذكر وفاة والدهُ، مراسم دفنه، وبكائه بمرارةٍ على فقده، فشعر وكأنهُ يسير على حافةِ الهاوية، وعلى وشكِ السقوط في جحيم أفكاره، لذا التزم الصمت، متخلفًا عن إجابةِ سؤالها ذلك، ثم ضمّها لهُ، دون أن ينبس بشيءٍ واحدٍ قط، فتضاعف بكائها، وتركها هو تُخرج كل ما في روحها من ألمٍ، تاركًا لها مساحةً خاصة كبيرة؛ تشكو فيها عن كلِ ما دُفِعت للشعور بالألمِ بسببه!

-سيارة محمد.

الصمت سيد الأجواء، وجميعهم مدركين لذلك؛ أن النجاة الآن تتمثل في أشياءٍ كثيرة، وهم لا يمتلكون أدنى وسيلة داعمة لهم!

_ روان صعبانة عليا أوي.

تحدثت هانيا بصوتٍ حزين، وعيناها تفيض من الدمعِ حزنًا، ليس على ما وصلت إليه روان فقط، بل شفقةً على قلبِها هي، لم تعد ترى والدها بطلا مغوارًا انتشلها من حبسِ والدتها، هو فقط والدها، دون وصفٍ، دون تفصيلٍ، وكأن حبِها له سَقط باتهامٍ واحدٍ منهُ لها!

رفع ثائر -الجالس إلى جوار أبيها- رأسهِ، يطالعها بعينيهِ البحرية، مبتسمًا بخفوتٍ؛ فهي شفافة القلب والمشاعر، يتعلق قلبها بمَن حولها، تبكي وتتلون وجنتيها حينها، تسعد فتشرق عيناها وكأن الربيع ازدهر بهما، هي حالةٌ غريبة لم يستطع فهمِها، لكنهُ يُحبها، أليس الحب كافيًا؟

أيلول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن