17 - الانتقام الأول، والرقصةُ الثانية.

3.4K 381 135
                                    

17 -

أحيانا يكون ردُ الفعلِ على الجُرمِ متأخرٌ بكثير، فلا يعي المرء في البداية ما قد وصل إليه، ثم يُكمل الحياة بهدوءٍ.. إلى إن يتعمق في الإدراك والفهم؛ فيعلم أن ما يحدث خطأٌ فادح، وأنهُ منذُ البداية سمحَ للمُخطيء بأن يتمادى.. وهُنا تكون المعضلة!

"تُصبح الليالي أشد برودةٍ فورَ أن يصطدم المرء بواقعهِ، ويرى أنه مُخالف لما تمنى.. ولكنها عادة الحياة"

- منذُ عامٍ ونصف.

بخطى ثابتة وواثقة كان يتقدم ومِن خلفهِ بعضُ الحراسِ؛ لحمايتهِ مِن أي حركةٍ مباغتة قد تودي بحياتهِ إلى الهلاك المُحتم، إلى إن أصبحَ داخل قاعةِ المطعم المُراد التلاقي بهِ مع أحدِ المُقربين لهُ -ذات يومٍ- فتوقفَ عن السير، مشيرًا لحراسهِ أن يتوقفوا عن مرافقتهِ، ولكنهم رفضوا الفكرةَ، سائرين على نهجِ خطاه، فالتفتَ "بابلو" ينظر لهم بنظراتٍ حارقة، صائحًا فيهم بلكنةٍ إيطالية:

- قُلت لا تتبعوا خطواتي!

نظروا أرضًا بأدبٍ واحترام لرغبتهِ الجادة، فرمقهم بابلو بالموتِ، ومن ثمَ سارَ بثباتٍ نحوَ إحدى الطاولات.. الجالس عليها أحد الرجال ومِن خلفه حراسهِ الأكثر قوة وعددًا مِن حراسِ بابلو الذي ضحكَ ساخرًا، ثمَ سحبَ الكرسي المقابل للرجل، وجلسَ عليه، ينظر للآخر ببرودٍ طاغي، حتى أتى النادل سريعًا يسكب مشروبًا غازيًا في الكوبِ الذي أمسكهُ بابلو، أثناء قولِ الرجل المقابل لهُ:

- أين ولدي، بابلو؟

أشارَ بابلو بهدوءٍ للنادل بالرحيلِ، فأومأ الشاب وغادرَ بخطى سريعة وخوفًا دفين، ليُحرِّك بابلو الكوب في يدهِ بمللٍ، وتمتمَ مُدَّعيًا الجهل بالأمر:

- عن أي ولدٍ تتحدث، سيد باتسي؟

ضربَ المدعو "باتسي" سطحَ الطاولةِ بغضبٍ، ثمَ رفعَ سبابتهِ في وجهِ بابلو، يهتف بنبرةٍ ساخطة:
- أقسم لكَ إن لم تخبرني أين "باتريك" الآن؛ لَستكون نهايتك بابلو!

رفعَ بابلو رأسهِ، ينظر لهُ بحاجبٍ مرفوع، ضاحكًا بسخريةٍ قاتلة، ثمَ نهضَ يسير خطوتين صوبَ الرجل، وفي يدهِ الكوب الذي يرتشف ما فيه من حينٍ لآخر، ومن ثم نقرَ على كتفِ "باتسي" بإصبعِ يدهِ الأخرى، قائلًا بنبرةٍ مُريبة:

- إن علمت أين هو، وما هي حالتهُ؛ ستكون نهايتك أنت، وليسَ أنا.

أنهى حديثهُ وارتشفَ رشفةً من ما في كوبهِ بتلذذٍ، واستمتاع برؤيةِ أسلحة حراسِ الآخر تحاوطهُ هو مِن كلِ اتجاه بأمرٍ من زعيمهم، وما لبث إلا أن أبعدَ الكوب عن فمهِ، يتفحص الرجل تفحصًا عابر، وهو يتمتم ببرودٍ:

- ولدك أخطأ، ومَن يخطىء مع بابلو.. كيفَ يُعاقب أعزائي؟

صاحَ في نهاية حديثهُ، ناظرًا لرجالهِ الواقفين على بُعدٍ ملحوظ دونَ تدخلٍ كما أمر، فنظروا لبعضهم بخبثٍ، ونطقوا في ذاتِ الوقت:
- بالقتلِ والهلاك.

أيلول Where stories live. Discover now