43 - لن تغفر.

1.5K 136 99
                                    

43 -
أن نتألم بالرحيل، فنُعاقِب بالبقاء.

للمرةِ الأولى بعد وقتٍ طويل.. زارت الابتسامة القديمة وجههُ الذي أنار فور أن رُسمت على شفتيهِ، أحسَّ بأن الحياة يُمكن أن تكون مليئة بالأحلام، حتى وإن لم يُكتب لها أن تتحقق.

فنحن جميعًا لدينا الحق في أن تكون لنا أحلامًا، رُبما لم يُكتب لبعضٍ منها أن تُصبح حقيقةً ملموسة، ولكن.. أليس من الممكن أن نصنع المستحيل للحصول عليها؟

- أول مرة أشوف إنسانة عندها أحلام كتير زيك، ورغم الفشل المستمر؛ لسه بتعافر.. أنتِ قوية أوي.

تحدّثَ شُهيب بهدوءٍ وهو يُحرِك كوب "الشاي بالنعناع" في يدهِ بحركةٍ دائرية ملولة، ناظرًا للأرضِ، تاركًا الفرصة لعقلهِ بأن يُفكر في أشياءٍ عدة متداخلة، في ظل الفوضى القائمة داخلهُ، فضحكت شادن بخفوتٍ، ونطقت مُعقبةً على ما قال هو:

- مش قوية بالمعنى الحرفي، أنا أضعف الأقوياء، أقوى الضعفاء.. المهم إني مش ضعيفة، ومش برفع راية الاستسلام قدام أي مواجهة.

شعر وكأن روحهُ مُعلقة على حبالِ الموت، وهو المعني من جملتها الأخيرة، فارتشف عدة رشفاتٍ قصيرة متتابعة من الشاي، ثم رفع رأسهِ يطالعها، فوجدها تتأمل غروب الشمسِ بابتسامةٍ شغوفة، لينبس بسؤالٍ مباغت:

- إزاي الإنسان يبقى كده؟ يعني.. عنده أمل للحياة؟

أبعدت شادن عيناها عن السماء، متنازلةً عن تأمل مشهد الغروب المحبب إلى قلبها، ثم ثبتت مُقلتيها عليه هو، تراهُ حائرًا وتائهًا في حياةٍ يظن أنها لا تناسبهُ، فابتسمت بخفوتٍ، وأمسكت كوب الشاي المماثل لخاصتهِ، والموضوع أمامها على الطاولة، ومن ثم قالت:

- لما يخلع النضارة السودا اللي لابسها، ويحاول يستمتع بكل لحظة في حياته، وكأنها اللحظة الأخيرة.

صمت لعدم إدراكه بما يقول، وأحست هي بثورتهِ الداخلية، فأردفت بالحقيقة التي يخشاها:

- كلنا هنموت، مش فارق مين الأول، عشان كده مش لازم نهرب من الحقيقة، ولو احنا متقبلين الفكرة دي فعلا، بس بنفكر بسلبية برضو، عمرنا ما هنعرف نعيش بسلام.

نظر لها، لا يدري ماذا يقول؟ أو كيف يُبعد أفكارهِ المتناقضة مع أفكارها بعيدًا عن عقلهِ، وكأنهُ إن عاش للحظاتٍ بدون ألمٍ؛ وبَّخهُ قلبه، فتنهد يغلغل أناملهُ بين خصلات شعرهِ، مستمعًا لشادن القائلة:

- حاول، حتى لو أغلب محاولاتك بتبقى فاشلة، أكيد في يوم هتنجح.. إنك تعيش دايمًا في قوقعة أحزان؛ دي حاجة هتسبب ليك مشاكل كتير، والحياة لحظة، لو ضيعتها؛ هتبقى خسران.

هزَّ شُهيب رأسهِ بخفةٍ، وأكمل احتساء ما في كوبهِ دون أن يتمتم بحرفٍ واحد، ولم تلتفت شادن لذلك كثيرًا؛ لإدراكها الطفيف بأنهُ مُحبًا للصمت، ولا تدري أن صمتهِ هذا مجرد هروبًا ليس إلا!

أيلول Where stories live. Discover now