34 - عُد إلى عهدك القديم.

1.7K 155 99
                                    

34 -

الجميع ضحايا في عين أنفسهم، ومذنبون في أعين بقية البشر.

- مركز التأهيل النفسي.

مدَّ صُهيب يدهُ بمنديلٍ ورقي لروان التي نظرت لهُ بطرفِ عينٍ، وانتشلتهُ منهُ بطريقةٍ هجومية، لم يكن بيدها التحكم في أفعالها، وهو تفهمَّ ذلك، حيثُ اعتدل في جلستهِ، واضعًا يدهُ أسفل وجنتهِ، مستمعًا لها وهي تقول ودمعاتها المتحجرة داخل مقلتيها تُخفي انكسارًا عميقًا بداخلها:

- من وأنا صغيرة وأنا عندي مشكلة مع النوم، لغاية الآن مش بعرف أنام زي أي إنسان طبيعي، كانت ماما كل ليلة تفضل معايا، وتحكي لي قصة، أو تغني ليا بصوتها الحِلو، حتى لما كبرت، كانت شيفاني لسه صغيرة في عينها، ومع إني كنت بضايق من نظرتها ليا دي، بس.. أنا حاليا مفتقدة تعاملها ده أوي.

دمعةٌ حارة وجدت طريقًا على وجنتِها، ومن بعدِها توالت الدمعات، وتسابقت في إحراق وجنتيها بألمِ الشوق، فسارعت هي بإزالةِ أثار تلك المياة المالحة عن وجهها، ونطقت متذكرةً صورًا مشوشة لأسوأ ليالي عمرِها:

- كنت.. مش عارفة أنام، الليلة دي خليتها تنام معايا في أوضتي، وتحكي ليا عن حاجات كتير، بس برضو معرفتش أنام نهائي، فضلت صاحية، ونامت هي بعد مناقشات طويلة بينا، لغاية ما شمس اليوم التاني طلعت.

طالعها صُهيب بنظراتٍ حزينة، يعلم أن فقدان الأهل كفقدِ المرء لهويتهِ، وإن فُقدت الهوية لم يعد المرء قويًا.. فتنهد، ولم يتحدث، يتابعها وهي تسترسل حديثها قائلةً:

- أنا وبابا كنا واخدين أجازة من شغلنا، وعشان كده ماما اقترحت إننا نسافر لعيلتها في الصعيد، ونقضي يومين هناك.. كنت متحمسة، بس الحماس انطفى بسرعة.

صمتت تضع يدها على موضعِ قلبها بعد أن ارتفعت أصوات نبضاته، متذكرةً ما حدث تلك الليلة التي كانت سببًا في فقدِها لهويتها.

- يا ماما والله مش ناسيين أي حاجة، يلا بقى.. هنتأخر!

هتفت روان بمللٍ، وهي تنظر في شاشةِ هاتفها بتركيزٍ شديد، ثم ما لبثت إلا أن أغلقت الهاتف، مقتربةً من موضعِ والدتها التي تتفحص الحقائب باهتمامٍ، ومن ثم احتضنتها مردفةً:

- بعدين فيها إيه لو نسينا حاجة؟ دول يومين وراجعين 

- الورد! نسيت أسقي الورد يا روان، شوفتِ إزاي؟

نطقت حنان "والدتها" وهي تترك الحقائب من يدها أرضًا، متجهةً نحو الحديقةِ الخلفية وهي تتأفأف بانزعاجٍ من نسيانها لأمرٍ هام كهذا، ولكنها ما إن أصبحت في الحديقةِ؛ وجدت "إسماعيل" يقوم هو بمهمةِ روي الزهور بدلا عنها، فتبسمت بعذوبةٍ، قائلةً وهي تضم يديها إلى صدرِها، وتسند جسدها ضدَّ الجدارِ، متابعةً إياهُ بعينيها الباسمتين:

أيلول Where stories live. Discover now