44 - خطوةٌ داعمة جديدة.

1.1K 111 173
                                    

44 -

أغرباءٌ نحن بداخل الأوطانِ؟

تنهيدةً حزينة قد غادرت محمد، بعد أن وضع أيلول على فراشِها، ثم وقف إلى جوار نجلاء، يتابع ابنتهُ بعينين غزوهما الألم ولم يجد مَن يحاربهُ، فمدت نجلاء يدها تمسد بها على ظهرهِ، هامسةً لهُ بدعمٍ:

_ متقلقش، هتبقى كويسة.

نظر لها بلا حيلةٍ وضعف، محاولا إخبارها بما يؤلم قلبه، لكن شيئًا ما يمنعهُ من فعل ذلك، يشعر بأنهُ أبكمٌ لا يستطيع التحدث والبوح عن ما يعوق بينهُ وبين الحريةِ، فأغمض عيناهُ متألمًا بما في دواخلهِ بمفردهِ، لتجذبهُ نجلاء لداخل عناقها، مربتةً على رأسهِ بحُنوٍ، هامسةً لهُ بصوتٍ ساكِن:

_ صدقني، هي أصلا مش هتقدر تقسى عليك.

_ إيه اللي حصلنا ده يا نجلاء؟ ما احنا كنا كويسين.

شددت من عناقهِ، تمسد على ظهرهِ بحنانٍ بالغ، وكأنها تربت على روحهِ الشاردة؛ معيدةً لها القوة المفقودة منها،  فخرجت منهُ أهٍ كانت عالقة في حلقهِ، وسكنَ بين أحضانها، محاولا استعادة ذاته.. حتى ولج صُهيب في تلك اللحظةِ، متنحنحًا وهو يجلس على أحدِ الكراسي المتواجدة بالغرفة، فابتعد محمد عن نجلاء، ونطق محدثًا صُهيب:

_ أنتَ كويس؟ شايفك سرحان؟

حكَّ صُهيب محيط ذقنهِ، وصمت لعدم إدراكهِ بما سيجيب، فأشار لعمهِ بألا بأس، ملتزمًا الصمت بشرودٍ؛ حتى لا يلتفت لرؤية الخوف في عينِ أيٍّ منهما، وهو ليس بحزينٍ، أو خائف.. هو فقط مضطرب بسعادةٍ غريبة تتملك منه، لكن في وقتٍ الجميع فيه بؤساء!

ولأولِ مرةٍ يستشعر إحدى العبارات الاستنكارية، متسائلا داخلهُ بذاتِ السؤال الذي طرحهُ أحدهم من قبلهِ، ولم يجد لهُ إجابةً شافية: "لماذا يُصادف ربيعُ عمرنا خريفَ الوطن؟" ووطنهِ هُنا يتمثل في عائلتهِ، المُصابة بآلامٍ عِدة لا تنتهي، فكيف يسعد؟

_ هاوي؟

تململت أيلول في فراشِها، مرددةً بعدةِ أحاديثٍ غير مفهومة، وناطقةً باسمِ "هاوي" وكأنها تراه في منامِها، وتتحدث معهُ، فنظر صُهيب لمحمد ونجلاء، ثم نهض نابسًا:

_ خليكوا معاها، أنا هروح أشوف شُهيب.

ربت على كتفِ محمد بهدوءٍ، ثم احتضن والدتهُ، طابعًا قبلةً خافتة على جبينها، وغادر بعد ذلك سريعًا، فيما اقترب محمد من فراشِ أيلول، وجلس إلى جوارها، يمرر يده على خصلاتِ شعرها، ناطقًا:

_ ربنا يريح قلبك يا بنتي.

تنهد، ناظرًا لنجلاء بشَجَنٍ وبادلتهُ هي النظرة بأخرى يائسة، إلى أن فتحت أيلول عيناها بوهنٍ، تحاول الاعتياد على ضوءِ الغرفة، ناظرةً لأبيها مطولا بصمتٍ بثَّ الريبة لخلايا عقله، فنطق:

أيلول Where stories live. Discover now