19 - الأسوأ لم يأتِ بعد.

3K 229 121
                                    

19 -

الذي بلا دعمٍ.. كيفَ يتعايش مع حياةٍ لا ترحم؟

- فيلا السلحدار، الطابق الثالث.

رحَّبَ محمد بالطبيبِ الذي أتى تلبيةً لمطلبِ شُهيب؛ حتى يُطمئن الجميع، ويُخفي الحقيقة التي ولابُد أن يتم كشفِها في يومٍ ما!
في حين أن ثائر فتحَ للطبيب باب غرفة شُهيب برفقٍ، فابتسمَ الطبيب لهُ بودٍ، ثمَ دلفَ بخطى ثابتة، وما إن رأى شُهيب حتى تلاشت ابتسامتهُ، وحلَّ محلها ملامحًا حزينة، ليغمض شُهيب عيناهُ بتألمٍ مِن نظرةِ الشفقة التي استشفها في عيونِ الطبيب، ومِن ثمَ نطقَ وهو يجاهد أن يظل صامدًا ولا يفقد ذرات ثباتهِ:

- طمنهم يا دكتور، أصلهم مش مصدقين إنه دور برد عادي!

- ما الصراحة دي مش أعراض برد عادي يا عم!

هتفَ ثائر ناظرًا لشُهيب بضيقٍ ظاهر على ملامحهِ، فرمقهُ شُهيب بمللٍ وصمتَ يشير للطبيب أن يرى عملهُ، وذلكَ تزامنًا مع دخولِ نجلاء إلى الغرفة وهي تحمل طبقَ طعامٍ، ثمَ ربتت على كتفِ ثائر، قائلةً لهُ بابتسامةٍ ودودة:

- معلش يا حبيبي خُد الأكل ده، وطلعه لرعد..

لوى ثائر ثغرهِ ببعضِ الانزعاج، وودَّ أن يرفض، ولكنهُ انصاعَ في النهايةِ لطلبِ والدتهُ، ثمَ سحبَ منها الطبقَ بهدوءٍ، وخرجَ من الغرفة متنهدًا ببعضِ الضيق، في طريقهِ للطابقِ الرابع؛ حيثُ منزلِ رعد.. وما إن أصبحَ أمام الباب، حتى سحبَ نفسًا عميقًا، وفتحَ الباب بواسطةِ المفتاح المُعلق في فتحتهِ المخصصة، ومن ثمَ دلفَ بخطى هادئة، متمتمًا بصوتٍ مرتفع:

- رعد.. أنا هِنا، جاي أشوفك!

- تعالى.. أنا في الأوضة.

أتاهُ صوت رعد الضعيف بعضَ الشيء، فهمهمَ ثائر سائرًا باتجاهِ الصوت، إلى أن توقفَ أمام باب الغرفة المنشودة، فدفعهُ برفقٍ، وولجَ إلى داخلِ الغرفة وهو يتمتم بضحكةٍ طفيفة:

- يعني أنتَ لو قاعد في فندق؛ هتتعامل المعاملة الملكية دي؟

رفعَ رعد رأسهِ قليلًا رغمَ الألم المتملك مِن كلِ خليةٍ منهُ، وضحكَ نافيًا بصوتٍ خافت، ليقترب ثائر مِن موضعهِ، وجلسَ جواره على الفراش قائلًا وهو يُزيل الغطاءَ عن الطبقِ، مساعدًا رعد على تناول الطعام:

- ده أنا حتى المفروض أقبض منك؛ عشان بهتم بيك كده!

ابتسامةٌ ساخرة رُسمت على محيا رعد، وما لبثت إلا أن تلاشت تلك البسمة، واغرورقت عيناهُ سريعًا بدموعٍ مالحة، متأهبةً للهطولِ كحباتِ المطر في ليلةٍ شتوية عاصفة، ولكنهُ رفعَ رأسهِ عاليًا قليلًا؛ حتى لا تسقط عبراتهِ، وأردفَ بصوتٍ مختنق:

- يا ريت أهلي كانوا عايشين.. حاسس إني ساعتها كنت هبقى شخص تاني، غير إلّي أنا عليه دلوقتي.

أيلول Où les histoires vivent. Découvrez maintenant