"الجزء السادس"

487 18 1
                                    


"يوسف "

عندما كنت اراقب دانيال ونظراته ، علمت بان هنالك مشاعر قد تطورت تجاه امل ، حين اراه وهو يراقبها ويحدثها ، تصرفاته قد اختلفت ، ونظراته كذلك .
عندما رايته يتكلم مع امل ، بعيدا عن اي احد قد يعكر صفو الموقف ، لم احتمل ذلك ، نظراته لها كانت غير مطمئنة بتاتاً ، وكان قريبا منها ، قلبي بدا يتراقص توتراً وقلقاٌ ، لذلك اقتربت منهما ، وادخلت نفسي بينه وبين امل ، حتى امنع نظراته من الوصول اليها ، غضب بشدة واشتدت حدة نبرته ، لم احتمل الموقف حتى تفوهت بانها خطيبتي ، في الحقيقة كنت اريد ان اصارحها بالامر ولكن ليس بتلك الطريقة بتاتا ، وليس بذلكا الزمان والمكان ايضاً .
راقبت كيف نظراته تتحول الى صدمة ، وكانه لم يكن ليتوقعها ابداً ، تيقنت وتاكدت وقتها بانه يكن مشاعر تجاه امل ، التفت الى امل رايتها كيف تحمر خجلاً وتهرول مبتعدة ، لحقت بها حتى توقفت في مكان عالٍ يلعب فيه الهواء ذهاباً واياباً ، رايت كيف ان كتفيها يهتزان ، علمت بانها تبكي ، هممت بالتقدم منها لاقدم اعتذاري لها ، فانا من الممكن انني قد احرجتها الى درجة اوصلتها الى حد البكاء ، وسرعان ما شعرت بان جسدي كله يلتف و بقبضة ترتطم بوجهي ، شعرت بانها من نيران من قوتها حتى كادت تحرق وجهي ، بدا يضربني ويلكمني ، كان غضبه جامحاً ، حتى ان امل وقعت بسببه ، ابتعد عني وبدات بالتقاط انفاسي ، شعرت بان وجهي كله مخدر من شدة ضربه لي ، سمعت شهقات امل ، ومن ثم سمعت صراخهما ، توقفت وامسكت بيده التي تحيط ساعدها ، وسحبت ساعدها ، وابتعدنا عنه ، كنت اعلم ، بل متيقن بانه غاضب الى درجة تحيله عن التقدم .

توقفنا في مكان قد يصعب على احد ان يرانا فيه ، كنا بين السيارات ، جعلتها امامي ، اراقبها بصمت تلتقط انفاسها ، هممت بالتحدث ..
" امل ... ! هل انت بخير ؟"
رفعت انظارها الي وسرعان ما اخفضتها ثانية ، سمعتها تتكلم من بين شهقاتها وخجلها الذي لم يغادر احمراره بعد ملامح وجهها " انا بخير " ، التقطت نفسا اخر " ساذهب الان " ، وهمت بالذهاب الا ان امسكتها من ذراعها بسرعة واستوقفتها ، ادركت موقفي فازلت يدي " اسمعيني قليلا رجاءاً " ، لم تعطني اية ردة فعل ، لذلك علمت بانها تنتظر تحدثي .
يوسف : امل .. في الحقيقة انا اعتذر لك عن تصرفي ، ولكنني ..
امل"مقاطعة" : اعلم بانك كنت تريد ان تنقذني من دانيال ، ولكن لم اكن اتمنى ان تكون بهذه الطريقة ، لكن لا باس .. اشكرك فعـــ....
يوسف"مقاطعاً" : لحظة ، لحظة ، لم يكن الامر خطأً ، اعترف بان الامر كان مفاجئاً ، الا انني كنت صادقاً ، اريد فعلا خطبتك باقرب وقت ممكن ، في الحقيقة انا معجب بك مذ ان التقينا ، ولكنني لا اعلم لماذا تفوهت بذلك الامر امام دانيال ، اعتذر لك عن هذا التصرف المتسرع الذي احرجك .

لم تتفوه امل باي كلمة لثوانً عدة ، حتى اعتقدت بانها لم تسمعني ، او انها لا تفكر بي بهذه الطريقة ، بدا قلبي يتراقص مرة اخرى ، كنت قلقاً من رفضها لي ، لم اكن لاحتمل ذلك .
"امل ؟"
رفعت نظرها لي بسرعة ، وكانني قمت بسحبها من سلسلة افكارها التي توالت الى عقلها " اعتذر ، في الحقيقة قد فاجئني الامر ، لذا ، احتاج بعض الوقت "
لم اعارض طلبها ، لم ارد ان احملها ما لا طاقة لها به .
مددت يدي مبتسماً محاولاً تغيير الاجواء التي طرأت " هل نذهب ؟" ، نظرت لي وهزت راسها موافقة وتقدمت امامي ، وكنت انا بالخلف .
دخلنا الى حيث نتدرب ، وتقدم كل منا الى موقعه ، لمحت دانيال جالسا على احد الكراسي ، مخفضاً راسه ، وكان هموم الدنيا قد وقعت على راسه ، لم اعلم بان مشاعره قد تكون بتلك الجدية التي قد تجعله مدمرا هكذا .
سمعنا اسم امل يدوي في المكان قادما من احد الغرف ، كانت رنا ، رايته كيف يرفع راسه متلهفا الى حيث صدر الصوت ، كان ينظر لها بحزن ، وكانه قد فقدها الى الابد ، ولكن سرعان ما حول نظراته الى برود وبدا ينشره في المكان ، استقام من مجلسه ، وبدا يمر على الغرف يراقب المتدربين ، حتى وصل الى الغرفة التي توجد فيها امل ، لحقت به ، كنت اريد ان اعلم ما الموقف الذي من الممكن ان يحدث .
دخل الى الغرفة واخذ ينظر الى المكان ، رفع نظره الى حيث امل تعمل ، تقدم منها ببطئ ، سالها بعض الاسئلة التي تخص المريض الذي بين يديها ، رايتها كيف توقف تنفسها ، وجسدها تصنم لدى سماعها صوته ، كانت قلقة منه ، لم اعلم لماذا تهتم كثيرا به بل تخاف منه ايضا ، بعد ثوان قد مرت اجابته على مضد ، ومن ثم ابتعد عنها ونظرات البرود لم تغادر وجهه .
في الحقيقة لم اتوقع ذلك الانفعال منه ، لم اعهد به هذا الامر ابداً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان دانيال يساعد في احد العمليات الجراحية ، بسبب نقص في عدد الاطباء ، المريضة كانت ضحية حادث سير وكانت حالتها حرجة ، خرج من العملية بعد استمرارها لخمس ساعات ، وانتهت بموت الضحية ، زاد عليه الامر سوءا ، خرج من غرفة العمليات ، ولاقى احد معارفها لدى الباب ، علم بانه خطيبها ، قام باخباره بانها قد توفيت ، فانتفض الشاب وهجم على دانيال ، طالباً ان يحاول فيها مرة اخرى ، لكنه اخبره ان لا امل في عودتها ، زاد ذلك انفعال الشاب وبدا ينتحب ، لمح دانيال امل وهي تراقب الموقف فابتعد عنه متوجها الى مكان يستطيع ان يتنفس فيه ، صدماته اليوم كانت كبيرة وصعبت عليه يومه اللعين هذا .

انتهى يوم تدريب الطلبة الطويل ، وهمت امل بان تسلم تقريرها الى دانيال وبدات بالبحث عنه .
اما هو ، بعد عودته الى مكان عمله ، استوقفه احد الطلاب وبدا يناقشة في امر ما .
كانت امل تكتب بعض الملاحظات الاخيرة على طاولة الاستقبال ، رفعت راسها تحاول استحضار ذاكرتها بخصوص المرضى الذين عالجتهم لهذا اليوم ، واثناء تفكيرها ، لمحت شاب يبدو عليه الغضب والحقد الشديدن، تذكرت بانه هو ذاته الذي كان مع دانيال منذ ما يقارب نصف الساعة ، كانت هيئته غير مريحة بتاتاً ونظراته كأنها تريد ان تثقب احد ما ، نظرت امل الى حيث ينظر ، فوجدت دانيال يقف في نهاية مد بصر الشاب ، اعادت نظرها الى الشاب ، اخفضت راسها عندما لمحت شيئا فضياً يُبان من يده وكم قميصه ، امعنت النظر ، وعلمت انها سكين او مشرط ما ، قلقت بان هذا الشاب يستهدف دانيال لربما بسبب الموقف الذي حصل ، فتوجهت نحو دانيال مسرعة " دكتور دانيال ؟" ، التفت لها " انا مشغول الان " واشاح بنظره عنها ، وهو لا يعيرها اي انتباه ، كان غضبه ما زال يملا قلبه ، توترت وهي تراقب كيف ان الشاب يسرع من خطواته ، ولم يتبق سوى بضع الخطوات ، تعرقت يداها فسقطت الاوراق والملفات ، التفت لها دانيال ، زافراً نفسه بغضب ، طالبا من الله ان يمده بعض الصبر ، رآها و هي تلتفت يمنة ويسرة ودموعها تنحصر بين جفونها " دكتور دانيال ، يجب عليك ان تاتي معي لامر ضروري " ، اجابها بكل برود متغاضياً عن شتوتها وتوترها " ما الامر؟" ، همت باجابته ولكن الوقت لم يمديها حتى رات الشاب يبتعد فقط خطوتين عنهما ويشد على قدمه ويسرع اكثر ، فقامت بدفع دانيال بعيدا عندما راته يخرج السكين على الملأ ، ولكن قوتها لم تكن بشيء يذكر ، ولكن بسبب قوة دفعها تقدمت هي بشكل عَرَضي حتى ادخل الشاب السكين فيها ، فالتفت دانيال عندما سمع انين خلفه وصوت صرخة قد دوت في المكان ، حاول ان يستوعب الموقف ، راها كيف تخر على الارض جاثية ، والدماء تسيل منها .
وتتوقف انفاسه !

فوضى الفانيلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن