"الجزء الخامس"

301 15 2
                                    



قد مرت ثلاثة اسابيع بالفعل على سفر كل من دانيال و يوسف الى كندا ، وها انا اتوجه الى المطار لاصطحابهما الى المنزل بعد غياب ، اتمنى بان تكون والدة دانيال معهما  ، رغم ان يوسف يحدثني في اليوم عشرات المرات الا انه لم يصرّح لي باي شيء بتاتاً ، دوماً ما يخبرني بان اصبر اكثر ، وها قد صبرت ثلاثة اسابيع متمنية بان ارى الخالة اروى معهما .


ركنت السيارة في موقف المطار وتوجهت الى مكان انتظار القادمين المسافرين وانا اقضم اظافري توتراً دون ان اعلم السبب ، بين كل فينة واخرى انظر الى الشاشة التي تظهر مواعيد الطيارات و وجههتها ، حتى رايت بان الطائرة التي يركبها يوسف ودانيال قد وصلت ، فابقيت نظري على البوابة ، مرّ ما يقارب النصف ساعة حتى رايت يوسف يظهر ، التفت ابحث عن دانيال ولكن دون جدوى ، فلم يكن معه .
حينما كان يوسف يقترب مني ، شعرت ببعض التوتر خاصة وانا اتذكر كلماته الاخيرة قبل سفره ، وما لبث ان تقدم حتى شدني الى حضنه كعادته التي ما زلت لم اعتادها .
بعد اطمئناني عليه ، تطرقت لسؤاله عن دانيال و الخالة اروى بفضول .
- ولكن اين دانيال ؟ لمَ لم ياتي معك ؟ واين الخالة اروى .. او ما الذي حدث معها ؟
- رويدك ، دعيني التتقط منك سؤالاً واحداً في كل مرة ، ثم ان القصة طويلة ، لنذهب للمنزل ونتحدث هناك افضل .

توليت انا القيادة متوجهة الى المنزل ، ورغم اسالتي المكررة الى يوسف ، الا انه لم يتعب نفسه ليجيبني عن اي سؤال ، جوابه كان دائما على اسالتي " رويدك حتى نصل المنزل" .
وصلنا المنزل بعد المرور بزحام خانق ، هممت بمساعدته بنقل ملابسه ، الا انه رفض رفضاً تاماً ، فسبقته بالدخول الى المنزل وانا كلي فضول .
- اذاً ها نحن بالمنزل ، هيّا اخبرني .
- الن تطعميني اولاً ؟ "سالني مازحاً"
- لن تنال ولا قضمة حتى تخبرني بالقصة كاملة ، هيّا . "اجبته بغيظ"
- انتن يا معشر النساء فضوليات بالفطرة ، ان الفضول يسري بدمكن والعياذ بالله .
- ستخبرني ام ماذا ؟
- حسناً حسناً .
-اذاً ابدأ من الصفر .
- احم احم ، حسناً في البداية حينما وصلنا الى كندا ، توجهت بدانيال الى المنزل الذي تقطن به الخالة اروى دون ان يعلم ، وبمجرد وصولنا حتى علم بان الذي نقف امام بابه ليس فندقاً ولا منزلاً عادياً ما هو سوا منزلنا الذي اعتدنا ان نعيش فيه جميعاً سوياً ، شددته معي رغماً عنه ، وطرقت الباب عدة مرات حتى فتحت لنا خادمة المنزل واشارت لنا بالدخول ، وما ان دخلت الى المنزل حتى ظهرت الخالة اروى من احدى الغرف وهي ترمقني بنظرات لؤم .
- نظرات لؤم ؟ لماذا ؟ الم تكن جيدة معك ؟
- ليس الامر هكذا ، حينما سالتها عن هذا الامر اجابتني بكل وضوح بانها حاولت معي شتّى الطرق لتكسبني فيها ، وهذا شيء لا انكره انا ، حتى بدات تفكر بان تتصرف نحوي ببرود ولؤم اتجاهي لعلّي استمع الى كلامها او استجيب لها ، واخبرتني بانها في تلك الاوقات كانت تتناول حبوباً مضادة للاكتئاب لما كانت تعانيه بسبب فقدان دانيال ومعاملتي اللئيمة معها .
المهم انها بمجرد ان راتني وارسلت لي تلك النظرات التي اعتادت ان ترسلها بالعادة ، حتى انقضضت عليها احضنها ، رغم عدم استطاعتي لرؤية ملامح وجهها الا انني استطيع الشعور بملامحها المتالمة وهي تحضنني ، وفي تلك الاثناء دانيال كان ما ما زال واقفاً في مكان ليس ببعيد عنا ، حتى ابتعدت عن حضنها واخبرتها بانني املك لها مفاجاة ، رغم حيرتها الكبيرة من تصرفي الاول وشكوكها حول كلامي ، الا انني لم اترك لها الفرصة لتفكر اكثر حتى دفعت بدانيال لها ، رايت نظراتها تتبدل بيني وبين دانيال وكانها تسالني " هل هذا ما افكر فيه يا يوسف ؟" ، فاخبرتها بان الذي امامها هو دانيال ، مرّت دقائق وكلاهما متصنمان دون ان تصدر اي حركة منهما ، حتى انفجرت باكية وهي تقترب منه تحضنه وتقبله ، اما دانيال فكان كما هو لا يحرك ساكناً .
- استطيع تخيل منظر دانيال في تلك اللحظة ، كان مشهداً مؤلماً اليس كذلك ؟
- بل شعرت بقلبي يتقطع من الداخل ، لم اعلم بان لقاءهما بعد هذه المدة سيكون بمثل هذه العاطفة ، ولكن بعد مدة رايت يديّ دانيال ترتفع لتحتضن والدته وبدا بالبكاء هو الاخر .
بعد هذا اللقاء الحميميّ ، جلسنا في غرفة المعيشة ، كانت الخالة اروى ملاصقة لدانيال حيث انها لم تصدق بعد ودار بيننا حوار .
- اين كنت ؟ الا تعلم بانني بحثت شبراً بشبر عنك هنا في كندا ولم اعثر لك على اثر ، الم تعلم كيف كان شعوري وانت غائبٌ عني كل هذه المدة ؟
- لم اكن في كندا ، سافرت الى ماليزيا واكملت بعدها دراستي للطب في روسيا ، تستطيعين القول بانني تنقلت في عدة اماكن .
- اوه يا ولدي ، انا اعتذر ، لم يكن علي ان اتصرف بتلك الانانية ، لو اننا لم نفكر بالامر لوحدنا انا وعمك ابا يوسف ، لما حصل الذي حصل ، ولكن ظنناكما صغاراً لتحملا مثل هذا العبئ الثقيل وقلقنا بان تنعدم علاقتكما مع الوقت ، ولكنها لم تنعدم فقط ، بل تدمرت ، وهذا بسبب انانيتنا نحن الكبار .
- لا باس يا خالة ، ما حصل قد حصل بالفعل ، وانا ودانيال نحاول ان نقنع انفسنا بهذا الامر ، المهم باننا اكتشفنا ما حصل ولن نضيع اكثر من الوقت الذي فات عنا بالفعل ، لذا لا تقلقي .
وفي تلك الاسابيع الثلاثة ، جلسنا نحن الثلاثة في المنزل الذي اعتدنا ان نتشاركه بفرح مع احباؤنا الذين وافتهم المنية ، علاقة دانيال بوالدته كانت جيدة بالفعل ، حيث كان كل منهما يبذل جهداً اتجاه الاخر لاسعاده ، ورغم اصراري على العودة لما تركتني اغادر ، ولكنني اقنعتها بانني بحاجة للعودة لكِ حيث اننا متزوجان ، و ابقت محافظة في تقييدها لدانيال واخبراني بانهما سيعودان كلاهما بعد اسبوعين اخرين ربما .
- الحمدلله ان الامور قد اصبحت افضل  ، كنت استمر بالدعاء لكم ، لن تعلم كم كنت قلقة بشأنك انت ودانيال .
- ولمَ دانيال ؟ انا هو زوجك بالفعل ."سالني وهو يغيظني مازحاً"
- امم حسناً ، لاحضر لك شيئاً لتاكله .
- هههههه ، كنت امزح ، ولكن لمَ لا نتناول الطعام في الخارج ؟
- الست متعباً من السفر الطويل ؟
- نمت طيلة فترة طيراني الى هنا .
- كما هو متوقع ، احسنت عملاً .
- ولكن لمَ لم تساليني ان احضرتُ لكِ شيئاً من كندا ؟
- واااو كم انت شخص جيد ، اذا اين الهدية ؟
- لم احضر لكِ واحدة .
- ماذا ؟ ولكن لم سالتني ؟ ."سالته بعبوس"
- لانني كنت فضولي لمَ لم تكوني فضولية حول ما ان احضرت لكِ هدية ام لا .
- وانت لم تفعل .
- نعم بالفعل .. ساعزعمك على العشاء ، واعتبريها كهدية ، ما رايك ؟
- هممم .

شعرت بالحزن فعلاً  لاحراجه لي ، لا اعلم لما تطرق لفتح الموضوع رغم انه لم يحضر لي اي شيء من هناك وجعلي اتامل دون فائدة ترجى ، شعرت بالغضب يعتريني اكثر عندما اقترح بانه هو من سيدفع ثمن العشاء ، وهل يظنني الابله بانني كنت من سادفعها  ؟

فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now