"الجزء الثاني"

422 18 0
                                    


تقدم منها متردداً مغلقاً الباب خلفه ، نظراته تنتقل من بين قدميه الى ملامح وجهها يحاول تفسيرها ، سحب احد الكراسي وجلس بجانبها ، اما هي فعدلت جلستها اكثر وتشابكت اصابع يديها ببعض من التوتر .

بعد صمت دام لثوان تنحنح دانيال " امل ؟ " التفتت له بمجرد سماعها صوته فاكمل " هل انتِ بخير ؟ ، كيف اصبحتِ الان ؟ ، هل تشعرين بالم في اي مكان ؟ " ، ظهرت ابتسامة طفيفة على محياها " بفضل المسكنات انا على افضل حال ، لا باس" ، و وجد الصمت طريقه مرة اخرى في الغرفة فهمت امل بان تقطع الصمت الا ان سمعت دانيال يتحدث " انا .. آسف ، لم اقصد فعل ذلك ابداً ، اعلم بانني الملام الوحيد هنا ، لذا انا لا اعلم كيف من الممكن ان اكفر عن خطيئتي هذه ، لماذا لم تتركيني اصاب بدلا عنكِ ، ففي النهاية انتِ خارج الموضوع تماماً ،دائما ما تهمين بمساعدة الاخرين دون ان تنظري للخطر الذي سيحيط بكِ " ، في البداية لم تعلم كيف من الممكن ان ترد عليه ، فهذه قد تكون اول مرة يتصرف معها بذلك الهدوء ، ونبرته الحنونة التي تظهر عليها مشاعر الندم والاسف ، " دانيال ؟" ، التفت شادا انتباهه لنطقها باسمه دون اي القاب اخرى اليها ، ليرى ابتسامتها الهادئة على شفتيها ، لم يستطع ان يبعد نظراته عنها ، فظل محدقا بها حتى اكملت " في الواقع انا غير غاضبة بتاتاً ، لانني في الحقيقة وقعت امام الشاب فطعنني عنوة غير قاصداً ، بالاضافة الى انني لم امت وها انا ذا اتنفس واتكلم واتحرك ، لذا ليس هناك شيء لتندم عليه ، اي احد كان ليفعل ذلك " .

دام حديثهما لاكتر من ساعة ، ودانيال ما زال رافضاً فكرة عدم  وضع اللوم عليه ، انتقلا من حديث لاخر ، حتى هم هو بالخروج .
امل : قبل ان تغادر ، هل لي ان اسالك ان كنت تعلم عن يوسف شيئاً ، هاتفه مغلق منذ الصباح ولم اره بتاتاً ، اذ قيل لي انه كان موجودا حتى لحظة خروجي من غرفة العناية .
تكونت عقدة بين حاجبي دانيال ، كارها كيف ان امل تفكر بيوسف حتى في هذه اللحظات ، واجابها : في الواقع لا اعلم ، سمعت بانه قد اخذ اجازة مفتوحة من التدريب والدراسة.
تقمع وجه امل حيرة ، وازدادت العقدة بين حاجبي دانيال ، لا يعلم لماذا يشعر بالضيق كلما شعر بان امل تفكر بيوسف او حتى عندما يراهما ملتصقان ببعضهما بعضاً.

خرج من غرفتها متوجها ليستعلم عن يوسف ، اجرى بعض الاتصالات ، وتم اخباره ببعض المعلومات الاضافية .

استمر دانيال بزيارة امل من حين لاخر يطمئن عليها ، اما هي فكانت قلقة على يوسف ، وتذكرت حينما غادر هو عندما كانت هي في المستشفى لان والده كان مريضاً ، هي تعلم بان هنالك شيء ما قد حدث ولكن لا يوجد اي وسيلة لتتواصل معه .

عادت الى عملها بعد اجازة قد دامت لفترة طويلة ، احست بالتغير التدريجي لتصرفات ونبرة دانيال معها في الاونة الاخيرة ، رات بهِ اموراً لم تستطع  رؤيتها في شخصيته السابقة ، احبت شخصيته الجديدة هذه كثيراً ، فقد تبين لها بانه يلقي النكات في بعض الاحيان ، واحياناً اخرى تظهر جديته و مسؤوليته اتجاه عمله .

مرت ثلاث شهور والجميع على الحال نفسه ، لا اخبار عن يوسف ، وامل انهت فصلها الجامعي وستبدا  بعد شهر اخر ، اما دانيال فهو يزداد شوقاً لامل ، لعدم قدرته على رؤيتها بسبب عطلتها الجامعية ، الا ان هناك بعض المكالمات الرسمية جدا بينهما .


"يوسف"

عندما وصلنا الى اوتاوا اجريت عملية زراعة القلب لوالدي سريعاً ، كان في حالة حرجة ، وازدادت حالته سوءا بعد اسبوع من اجراء العملية ، وتوفي على اثرها ، اذ قيل لي بان القلب الجديد لم يستطع التاقلم مع جسد والدي لانه كان ضعيفاً جدا ، بقيت في صدمة لفترة طويلة ، لم استطع تحمل بانه قد رحل هو الاخر وتركني خلفه وحيدا ، اعلم بانني كنت اظهر له جانبي اللئيم والذي يكرهه دائماً ، الا انني في قرارة نفسي كنت احبه ، وهذا اكثر ما اندم عليه ، كنت اظهر الكره لان مشاعري تجاه وفاة والدتي المظلم كانت مسيطرة علي ، ولم اعلم لم حدث كل هذا .

مرت فترة لا باس بها وانا في ثنايا الحزن انتحب تارة ، واتصلب تارة اخرى ، ثم وبامر من سكرتير والدي قررت ان استلم اعماله في اوتاوا التي كادت ان تهوي الى القاع بعد وفاته ، لانني لم اتقبل فكرة فشل ما كان والدي يعمل ويتعب لاجله .

اما بالنسبة لتلك الاروى فعادت بعد مرور عدة اسابيع من وفاة والدي ، حقدي وكرهي لها الان زاد اكثر من ذي قبل ، لذا قررت ان اكمل حياتي وانا انتقم منها لوفاة والدتي واستغلالها لوالدي ، وهذا ما بدات عليه حياتي الجديدة .
افكاري نحو امل لم استطع ان اسحبها من عقلي ، قلبي يدق في بعض الاحيان شوقاً لرؤيتها او حتى التحدث معها ، كنت اتمنى لو انني استطيع ان ابوح لها عما حصل معي ، فانا اشعر بالاحتناق لحبسي لكل تلك الامور ، ولكن عندما توفي والدي كنت في صدمة ابعدتني عن التفكير باي امر اخر ، والان انا مشغول حد الموت بسبب اعمال والدي ، لذا قررت ان اتواصل معها بمجرد عودتي .


"امل"

لم استطع الوصول الى يوسف باي طريقة ، ما زال يسيطر على افكاري في بعض الاحيان ، واحيانا اخرى انشغل بالدراسة والعمل ، تطورت علاقتي مع دانيال ، اعترف بان في مكنونه شخص لطيف طفولي ، الا انه ولسبب ما يخفي ذلك ، ولكنني وبقدرتي على اخراج مشاعره ، استطعت ان اظهر تلك الصفات الحميدة.

عدة اسابيع وسابدأ الدراسة في الفصل الجديد ، وسيكون تدريبي في مجالات اكثر اختلافاً ، اشعر بالحماس لذلك .    



فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now