"الجزء الرابع"

345 11 1
                                    

    جلست على الصوفا انتظرها تنتهي من الطهي ، مرّت ربع ساعة انتظر وانا اسمع قرقعة ادوات المطبخ ، لم استطع ان اطل الانتظار اكثر ، فتقدمت اليها بنية المساعدة رايتها تقطع بعض الخضراوات في احد جوانب المطبخ فتقدمت منها اكثر.
- لقد طال الوقت ، الا تظنين ذلك ؟ ."بنبرة يأس"
- اوه .. بالفعل ؟ انا اسفة ، انتظر فقط المزيد فقط .. فقط المزيد .
- لا .. ابتعدِ انتِ ، سأطهو انا ، تطبخين باستا الخضار كعادتك اليس كذلك ؟
- اقسم اني سانتهي بعد بضع دقائق اخرى ، فقط انتظر .
- انا اعلم ، لكن اريدك ان تتذوقي طهوي ، ستكون المرة الاولى التي اطهو بها لكِ ، اراهن بانك ستدمنين الطعام الذي اعده .
- هل تستطيع الطهي ؟
- وماذا تظنينني ؟ عذراً ، ولكنني عشت عازباً وحيداً لفترة طويلة ، لذا لا بدَّ ان اخرج ببضع المهارات ، والان هيّا ابتعدِ عن طريقي ، تعيقينني .
- حسناً حسناً ، اعتذر .. ولكن اريد مشاهدتك تطهو ، لذا ساجلس هنا .
وأشارت لي على احد مجالي المطبخ البعيدة نسبياً عن المكان الذي سأطهو فيه ، وقفزت عليه وجلست لكن سرعان ما شاهدتها تنزل بسرعة تصرخ .
- اوه .. اححح .. يوجد ماء هنا ، انه بارد .
وعبست وهي تتلمس اطراف ملابسها الرطبة ، فتبسمت ضاحكاً على انفعالها ، واخذت بضع من مناديل المطبخ الورقية ومسحت الماء الموجود وساعدتها على الصعود مرة اخرى .
- هكذا افضل ."ابتسمت لي براحة"
بدأت باستكمال ما كانت تفعله من تقطيع خضراوات وبدأت بطهو الباستا ، وكلما افعل شيء ما يبهرها اسمعها تهتف بتفاجؤ " اوه .. انت تجيد التقطيع جيدا \ وااو سريع للغاية \ يا للهول لم تسقط شيئاً على الطبّاخ " وابتسم على انبهارها الطفولي.
- هيّا لقد انتهيت ، لنتاول الطعام الان .
- هيّا اتذوق طعامك الفظيع .
قدمت لها صحن طعامها وبدأنا بتناول الطعام ، واخذت قضمة تتبعها قضمة دون ان تنبس ببنت شفة ، فقط تميل رأسها تارة يميناً واخرى يساراً وتصدر بعض اصوات الهمهمة .
- ممم ينقصه فقط بعض التوابل والملح ، لكن الباستا مطبوخة جيداً لذا 6/10 سيكون جيداً كتقييم اولي لك ، حيث اخاف بانني سأعاني اضظرابات معويّة شديدة ."تكلمت بنبرة تشوبها البحة"
- احقٌّ ، اذاً ستندمين على تقييمك هذا ."اجبتها بجدية وانا ارفع حاجبي الايمن"
- ماذا ستفعل ؟ .
- ابداً ، لا شيء .
اكملنا تناول طعامنا بعدها دون ان يبنس كلانا ببنت شفة ، وانا اراقبها تضع الطعام في فمها بصعوبة متوترة تفكر ربما بالذي سافعله يها ، اذ شعرتُ بانها اخذت كلامي على نحو حقيقي وجديّ ، فابتسمت بداخلي على انتصاري عليها وبدأت افكر بانتقام افعله بها.
بعد انتهائنا من الطعام ، نقلت هي الصحون الى المطبخ وذهبت انا للاغتسال ، وما ان القيت نظرة عليها في المطبخ رايتها تغسل الاطباق والاواني ، فابتسمتُ فوراً وأضاءت فكرة في عقلي ، اقتربت منها بصمت شديد وانتظرت حتى تفرغ كلتا يديها من اي شيء وحملتها من قدميها واضعاً اياها على رقبتي وهي تصرخ بفزع ، ثم القيت بها على الصوفا .
- اخ ، صراخك حاد جداً "وانا افرك اذنيّ"
- لمَ فعلت ذلك ، لقد افزعتني بشدة ."تلتقط انفسها المتقطعة"
- هذا عقابك لتقييمك على طعامي .
- ماذا ؟ انت حقود بالفعل .. سأذهب لاكمل التنظيف ، ابتعد الان .
دفعتها بخفة وهي تحاول النهوض لتجلس مرة اخرى .
- الم اقل ان هذا عقابك ؟
- والى متى تريدني ان اجلس هكذا ؟
- الى ان انتهي من التنظيف .
- ماذا ؟ ستغسل الاواني ؟ انت ؟ عقابي ؟
- نعم ، استطيع غسل الاواني ان لم استطع الطهو جيداً ، استريحي قليلاً ، فانا اعلم بانك متعبة ولم تنامي جيداً و رأيت كيف اقدامك مزرقة اسفل اركبتك من كثرة الوقوف ، دعيني انجز عملي على افضل وجه ."مظهراً ابتسامة طمأنينة"
- لكن ..
- لا تمنعيني ، لاني اريد فعل ذلك حقاً .

"امل"

لم استطع تركه وحيداً يعمل في المطبخ لذا جلست في مكاني السابق اراقبه يغسل الاواني ، اعلم بأنه لا يشعر جيداً استطيع ان استمد ذلك من عينيه الذابلتين لكنه يحاول باقصى جهده بان يظهر ليَ العكس تماماً لذا حاولت مساعدته في الامر قدر الامكان ، وبدات احدثه عن بعض المواقف المضحكة المختلفة .

جسلنا نشاهد التلفاز بعد انتهائه من غسل الاواني وفكّرت حول موضوع مناسب افتحه لنقطع الصمت الحائم بيننا ، ولكن عقلي لم يواتيني بموضوع مناسب او حتى جيد افاتحه فيه فظل الصمت محافظاً على مكانه بيننا مدة .
- عملكِ في المناوبة الصباحية غداً اليس كذلك ؟ " قطع الصمت بسؤاله"
- اجل للاسف الشديد ، وانت ؟
- المناوبة الصباحية ايضاً ، اذاً لنخرج معاً غداً .
- يبدو جيد جداً بالنسبة لي .
- اذاً لنذهب لنيل قسطاً من النوم ، انني اراقب راسك منذ مدة وهو يتمايل من الاجهاد .
- بالفعل ، اذا تصبح على خير .
- وانتِ من اهل الخير .

________________________

استيقظ كلاهما في الموعد المحدد على منبه هاتفه ، وسبقته امل حيث اسرعت بتحضير فطور خفيف ليتناولانه قبل خروجها للعمل .
همّت بايقاظه ، الا انه قفز في مجال رؤيتها وسحب كرسي الطاولة جالساً عليه .

"يوسف"

القيت عليها تحية الصباح وسحبت احد الكراسي وانا اسحب رغيفاً من الخبز ، نظرت لها وحثثتها على الجلوس كي نلحق بالذهاب الى عملنا ، فسحبت الكرسي المقابل لي وجلست وعلى وجهها تعابير التساؤل .
- لمَ هذه العجلة ؟ ما وال لدينا بعضاً من الوقت .
- ممم اريد شراء اكواب قهوة مقطرة لنا قبل العمل ، ما رايك ؟
- اذاً لتنهي فطورك سريعاً .
- هههه توقعت اجابتك ، ايتها العاشقة للقهوة .
اكملنا فطورنا على مضد ، ثم توجهنا الى السيارة وتوقفت انا بجانب المقهى الذي اشتري منه بالعادة ، واخذت عدداً لا باس به من انواع مختلفة من القهوة .
ناولت امل كوبها فتلمسته بهدوء وهي تبستم ، اما انا فاكملت المسير الى المشفى .
فور وصولنا الى باب الطوارئ ، شاهدنا احد الزملاء وانقض علينا وهو يصرخ " قهوة يا شباب .. قهوة يا اصحاب المناوبتين " ، واخذ مني اكياس القهوة وبدأ بتوزيعها على افراد القسم وانا اسمع الجميع يتنهد براحة اودعاء ممن لديه مناوبة تالية ، فتبمست لحالهم الذي يدعو للشفقة ، واكملنا طريقنا نغير ملابسنا ، اصطدم توقيت دخولي الغرفة بوجود دانيال وهو يغير ملابسه الخاصة ، حيث انتهى من مناوبته ، ما زال لم ينتبه لي ، ولكنني شعرت بنبضات قلبي تنفجر داخل قفصي الصدري فشعرت بالتوتر الشديد وانا اتذكر وصية والدي ، كيف من الممكن ان ابدا الحديث معه الان وبعد ما حصل بيننا .
التفت خلفه فوجدني واقفاً متصنماً ، فتفاجئ قليلاً الا انه تغاضى عن وجودي وهم بالرحيل ، استوقفته عندما اقترب بجانبي دون ان اعلم لماذا او كيف حصل الامر ، فتوقف هو الاخر ونظر لي باستغراب رافعا احدى حاجبيه .
- ماذا ؟ هل تعجبك وقفتنا هكذا ؟ ام يعجبك امساكك بمعصمي ؟ ."سالني ببعض السخرية "
لم استطع وقتها ان اجيب على ايٍّ من اسالته ، فنفض معصمه بعيداً عني واكمل طريقه الى الخارج ، وما ان شعرت به بعيد حتى شعرت بغشاء يقف امام رؤيتي ودموع تنحصر بين جفوني حسرة .

فوضى الفانيلياOù les histoires vivent. Découvrez maintenant