"الجزء الرابع"

345 15 1
                                    

    ظل يوسف يتجول بالقرب من غرفتها قلقاً يريد الاطمئنان عليها ، اول مرة له يراها متالمة هكذا ، فشعر ان المها المَّ به هو الاخر .

"يوسف"

بقيت بالقرب من بابها لعلي استشف شيئا عنها واطمئن عليها قليلاً ، ولكن قلقي لم يسمح لي بالصبر فطرقت الباب طرقتين ، ولكنني لم اسمع رداً منها ، فكررت الطرق مرات اخرى الا ان النتيجة لم تتغير ، ففتحت الباب عليها قلقاً ان مكروهاً قد اصابها .
- امل ؟ " صرخت باسمها"
ففزعت هي بمجرد رؤيتها لي وسحبت سماعات الاذن من مكانهما .
- ما الذي يحدث ؟ لم دخلت غرفتي هكذا ؟ " اجابتني"
- طرقت الباب عدة مرات ولكنني لم اسمع رداً فقلقت ان مكروهاً قد اصابك .
- بحق الله ، وما المكروه الذي قد يصيبني ، لا تقلق اصبحت افضل .. اذاً ما الذي كنت تريده بطرقك باب غرفتي .
"ترددت قليلا مفكراً بعذر يخرجني من هذا المأزق " مممم كنت اريد سؤالك ما رايك بان نذهب لنتناول الطعام خارجاً ثم نزور منزل والديكِ .
- اوه ، هكذا اذاً ! لا ، غداً ساذهب هناك لان اخواتي اردن رؤيتي ، فقمن بتدبير يومٍ يكون مناسباً لنا جميعا لنلتقي .
- اوه ، حسنٌ .. اذاً سأذهب الان لاتناول الطعام ، هل تريدين اقفال الباب خلفي ام ما زلتي تملكين مفتاح المنزل ؟
- لا اخرج ، ساخرج في الحقيقة انا الاخرى مع بعض زملاء العمل والدراسة ، يريدون ان يباركوا لي في زواجنا .
- ولماذا انا لست مدعوَّاً ؟ " اجبتها وانا استشيط غيظاً "
- في الحقيقة .. انت مدعو ايضاً لكنني اخبرتهم بان لديك عمل عاجل ، ظننت بان هكذا سيكون اكثر راحة لكلينا ، ثم انني اعتقدت بانك تكره مثل تلك الاجتماعات .
- ومن اخبرك بذلك ؟ بل سأذهب ايضاً " اخبرتها بحدة "
- اذا كما تريد .. الموعد بعد ساعة ، ان اردت ان تذهب لتستعد الان ، اريد ان استعد انا ايضاً " اجابتني ببرود ونفاذة صبر "
- نعم .. سأذهب لارتدي ما يناسبني الان بالطبع .

خرجت من غرفتها واقفلت الباب خلفي ، وما ان طرق الباب حتى سمعت زفيرها الغاضب ، فشعرت بسعادة تغمر قلبي ، انا حقاً احب اغضابها .

_____________________

ارتدت امل ما راته مناسباً لمثل تلك اللقاءات ، لباس رسمي به شيء من النعومة تضفي على تصميمه جاعلة اياه لباس مريح وكأنه اخر صيحات الموضة ، وقامت بوضع القليل من الكحل ومرطب شفاه لمَّاع لتظهر بنضارة ، و وضعت اخر لمساتها من ادوات الزينة الناعمة وخرجت الى صالة المنزل لتنتظره .

"امل"

قررت بان ابدو جميلة في نظر زملاء العمل اليوم ، لابدو قليلاً بانني سعيدة بزواجي من ذاك النرجسي ، فوضعت كامل زينتي وخرجت لانتظره ، الا انني في الحقيقة رايته خارجاً ينتظرني وما ان شعر بوجودي ، شعرت بنظراته تتفحصني من راسي الى اخمص قدميّ ، وما ان انتهى تكونت عقدة بين حاجبيه واقترب مني.
- ما هذا الذي ترتدينه ؟
- ماذا به ؟ .. انه يعجبني .
- لا اقصد هذا ، الا ترينه مبهرج اكثر من اللازم لمثل هذه المناسبة .
- مبهرج ؟ ، هل انت مصاب بعمى الالوان ؟ .. عذرا ولكن لونه اسود .
- نعم ارى ذلك ، ولكنني اقصد بانك تبدين به جميلة جداً ، لذا اشعر بانه مبهرج .
شعرت ببعض التوتر لدى سماعي لجملته الاخيرة ، حتى انني لم استطع بلع ريقي ، فاقترب مني اكثر وقام بحركة خاطفة باصبعه و مسح مرطب الشفاه من على شفتيّ والعقدة بين حاجبيه ازدادت تعقيداً .
- هذا الشيء ليس ضروري بتاتاً .. هكذا افضل .
بعد ان رايت ابتسامته وهو يقول جملته الاخيرة ، استشطت غضباً ، تصرفه اللااخلاقي ذلك لم يكن له سبب يذكر .
- اعتقد انه ليس من حقك ابداً ان تفعل مثل ذلك الشيء .. ثم انني افضل وضعه ، فهو في الاصل لا يُرى .. فلمَ قمت بمسحه ؟
فقمت بوضع يدي في حقيبة يدي وعبثت باغراضها باحثةً عن المرطب وما ان اخرجته حتى اخذه مني عنوة .
- دامَ اننا لسنا لوحدنا في ذلك المكان ، وبه ايضا رجال لا تضعيه .
عادت العقدة الى مكانها الاصلي في وجهه ، فاردت اغضابه اكثر وحاولت اخذه منه الا انني لم افلح .
- انا لا امزح حالياً .
ابعدني عنه وتوجه الى باب المنزل بعد ان زاد غضبه ، فزفرت في الهواء غاضبة ولحقت به .

"يوسف"

استطيع سماع خطواتها الغاضبة وهي تلحقني ، ولكن ما باليد حيلة ، فانا فعلا هذه المرة غاضبٌ واغضبتها معي ، عند رؤيتي لها بتلك الطلّة البهية لم استطع استيعاب فكرة بان في لقائنا رجالٌ آخرون وسيرون ما رايته فيها ، ومرطب الشفاه ذاك ، فعلا ليس له داعٍ فقد شتّت دماغي انا فما الذي سيحدث لمن يراها غيري ؟ .

عندما ركبنا السيارة لم تنبس هي ببنت شفة و إمارات الغضب بادية على محياها ، فقمت بتشغيل الراديو لعلي احسن المزاج قليلا .. ولكن كان كله عبثاً .
ركنت السيارة بعد ان وصلنا للمطعم المطلوب وترجلت هي من السيارة وكادت تسبقني الى نقطة اللقاء الا انني هرولت خلفها مسرعاً وامسكت بمعصمها لجعلها تلتفت لي .
- ماذا .. ما الذي تريده الان ؟ " اجابتني بحدة"
- لندخل معاً .. كيف سينظرون لنا ونحن غاضبين هكذا .. فكري بعقلانية قليلاً .
- عقلانية ؟ اوه لا تضحكني رجاءً .. وهل تركت لي ذرة عقلانية برايك ؟ فقط اتركني ولتختصر المشاكل اكثر ما يمكنك .
- قلت لنذهب معاً " شددت على معصمها اكثر ونظرت لها بحدة " فنحن زوجين الان .. ام نسيتِ هذا ؟
- آآآه

زفرت بقوة وتقدمت بهدوء ، وانا ما زلت ممسكاً بمعصمها وقد اعجبني هذا ، فهذه قد تكون اول مرة لنا نمشي على اكثر قدر من الطبيعية وانا ممسكاً بها وهي بجانبي رغم انها كارهة للامر وغاضبة ، ولكن ما باليد حيلة ابداً معي .

دخلنا الى المطعم وكان شبه فارغ الا من طاولة امتدت طويلاً لتسع اكثر من عشرة اشخاص يتحدثون ويتسامرون ، وما ان تمت رؤيتنا من قبلهم ، استقام الجميع والقوا علينا التحية وعبارات المباركات والتهاني ومثيلاتهنّ من الكلمات .
اجلسونا بمكان نكون به بجانب بعضنا وثم طلبوا الطعام والضجيج والقهقات ما زالت تعلو من الطاولة ، حتى ظننت بان المطعم فارغ بسبب هذا الازعاج .
كنت انظر لامل بين الفينة واختها اتفقد وضعها المزاجي ، الا انها كانت تبتسم وتتحدث وكأن شيئأ لم يكن ، وبهذا تعدّل مزاجي انا الاخر حتى سمعت احد الزملاء يقول : اوه دانيال ، قد وصلت اخيراً .
- انتهيت من عملي الان ، الحمدلله انني استطعت القدوم " سمعته يجيبه وهو يتقدم الينا "
توقف عند المقعد المقابل لنا وسحب كرسيه ثم قال وعلى وجهه نظرات باردة : مبارك لكما . ثم جلس ونظر الى امل التي توقفت عن الحديث هي الاخرى ونظرت له ، فتعكّر مزاجي .

"دانيال"

سمعت ان هنالك اجتماع لبعض الزملاء المتفرغين من العمل بعد المناوبة الليلية في احد المطاعم ليباركوا لامل ويوسف بزواجهم ، فقررت الذهاب بعد مدة من التفكير.
بمجرد وصولي الى المطعم اخترت كرسياً يكون بالقرب منها ، فكان المقابل لها تماماً وبمجرد رؤيتي لها لم استطع ان احرك عينيّ عنها ، كانت تبدو بغاية اللطافة.
- هل نمتِ جيداً بعد مغادرتك العمل ؟ سمعت بانك كنتِ تعانين الماً في المعدة .
- لا لم انم في الحقيقة ولكنني اصبحت افضل بكثير ، لا تقلق .
- بالطبع لن اقلق ، فانا اعلم بانك قوية كفاية لمثل تلك الالام ، ولكنك تبدين متعبة ، لمً لا تنامين كثيراً ام ان هنالك ما يزعجك .
- لم استطع النوم في الحقيــ...
- وما الذي سيزعجها ؟ ما الذي تقصده ؟ "اجابني يوسف مقاطعا اياها"
- انا لا اقصد شيئاً بتاتاً ، الا ان كنت استشعرت من سؤالي هذا شيئاً اخر ، فهذا يعود لك .. اذا امل لنعود لكِ .. متى تنوين ان تعطيني اوراقك بشأن استئنافك لدراستك ؟
- استئناف دراسة ؟ ما الذي تقصده ؟ "قاطعني مرة اخرى"
- اوه .. لم تكن تعلم ؟ .. الم تخبريه امل ؟
- تخبرني بماذا ؟ ما الذي تخفيه عني امل ؟
- لنتحدث عن هذا لاحقاً .. الوقت ليس مناسباً .. ساخبرك بالتفاصيل لاحقاً دانيال ، ما زلت لم ارتب اموري بعد .
- ولكن لم انا لا اعلم شيئاً .. اجيبيني امل .
- ساخبرك لاحقاً ... والان لتغلق الموضوع .

بعد وصول الغداء ، تناوله الجميع واحاديث وضحكات تتناقل بينهم ، اما بالنسبة ليوسف و امل ، فكان هو تارة يتحدث مع من يفاتحه بموضوع وتارة ينظر الى امل التي كانت تتسامر مع زميلاتها وتتحدث معهن عن مختلف المواضيع وكأنها تتناسى وجود يوسف بجانبها ، انا اعلم بان زواجهم ليس صحيحا وبه امراً خاطئاً ، الا ان تصرفات امل اتجاه يوسف وعدم اخبارها يوسف بامر رسالة الدكتوراه خاصتها لهو امرٌ يثير الشكوك اكثر من ذي قبل .

"يوسف"

ما زلت غاضباً بشان عدم اخبارها لي باي امر يخص اسستئنافها لدرساتها ، وازداد غضبي عندما رايتها تتجاهلني وكأنها لا تهتم لوجودي بتاتاً .
بعد ان انتهى الجميع من تناول الغداء واعطونا هدايا المباركات ثم ركبنا السيارة وما زال الصمت يعمُّ بيننا .
- اذاً .. متى كنتِ تنوين اخباري بامر دراستك .
- ولمَ تهتم لهذا الامر ؟ ام صدقت باننا زوجين تماماً بعد بعض التمثيل الذي ترغمني على فعله ؟
اوقفت السيارة بشدة غاضباً ، اكره عندما تعاملني بهذا البرود القاتل ، وهذا ليس من طبيعتها ، فالتفت لها بغية اكمال الحديث .
- الا تستطيع ان توقف السيارة بطبيعية اكثر ؟ كدت ان تتسبب لنا بحادث .
- لان كلامك غير معقول بتاتاً ، انا اكره عندما تعامليني بهذه الطريقة ، اعلم بانني اجبرتك على الزواج ولكن لم يكن هناك اي طريقة اخرى لجعلك لي ، وانتِ في النهاية ارغمتني على ان اقوم بالامر بهذه الطريقة .
- عفواً .. ؟ ارغمتك ؟ انا .. ؟ لم تستطع ان تفهم باني لا اريد منك ان تكون بحياتي ، بعد ان غبت لفترة طويلة وعدت كنت قد تغيرت كثيراً وانا لا اعلم السبب ، رغم اننا كنا اصدقاء جيدين ، الا انك دمرت كل هذا بتصرفاتك معي في تلك الاونة ، وبعدها كيف تريد مني ان اتقبلك وكزوجاً لي ايضاً .. هل هنالك مجنونة في العالم تقبل بزيجة كهذه ؟ اخبرني .
- اعلم بانني جرحت انوثتك ، ولكن فعلت ذلك لانني ارغب بكِ فعلاً ...
- لا تقل مثل هذه الاكاذيب رجاءً ، فانا اعلم بانك فعلت ذلك بشأن ضغينتك اتجاه دانيال رغم انني لا اعلم لماذا تبغضه ومنذ متى ولماذا اخترتني انا لتقوم بتدميره هكذا .. لذا لا تقل مثل هذا الكلام .
- لم اتزوجك بسببه ولكنني ...
- ارجوك فلتقم بقيادة السيارة ولنذهب الى المنزل ، انا متعبة جداً .. " قاطعتني" .

قمت بقيادة السيارة والهدوء اتخذ محلّه بيننا مرة اخرى حتى وصلنا الى المنزل وركنت السيارة ، فتَرَجَلَت من السيارة بسرعة واخذت طريقها الى غرفتها واقفلت الباب بحدة ، ولم اراها حتى اليوم التالي .
خرجت من غرفتها وهي تحمل حقيبة اكبر من حقيبة يدها وكأنها تريد الذهاب لمكانٍ ما .
- الى اين انتِ ذاهبة بهذه الحقيبة ؟
- اخبرتك البارحة بانني ساذهب لمنزل والديّ .
- وهل ستباتين هناك ؟
- نعم ، لعدة ايام .
- لماذا ؟ انا اعتذر لكِ عن البارحة ، ولكن الا تعتقدين بان هذا امر مبالغ به ؟
- واين المبالغة بالامر ، اختي ستسافر بعد ايام قليلة ، لذا اريد ان اجلس معها اكثر وقت ممكن ، فانا ربما لن اراها لوقت طويل .
- اوه .. هكذا الامر اذاً .. لم تخبريني من قبل .. حسناً وسآتي انا قبل ان تسافر لتوديعها ايضاً ولكن اخبريني بالوقت تماماً .
- ان شاء الله ، والان ساذهب .
- انتظري لنذهب معاً الى العمل .
- ولكنني اليوم اجازة ، وغداً ايضاً .
- اوه هكذا اذاً .. ساوصلك لمنزل والديك اذاً .
- آآه لماذا انت مصرٌّ هكذا منذ الصباح ؟ ساحتاج بالتاكيد لسيارتي وانا هناك لذا ساذهب لوحدي .
- اذا ساوصلك بسيارتك واركنها هناك ، وساكمل طريقي الى المشفى بسيارة اجرة ، لنذهب .
- آآه حقاً .. لماذا انت هذا على الاصرار منذ الصباح .

اخذت مفاتيح سيارتها وصعدنا اليها ، اردت الجلوس معها مهما كانت المدة قصيرة ولكنني اشعر بانني لن اراها لفترة طويلة وهذا الامر اضاق بصدري قليلاً بالاضافة الى اننا شبه متخاصمين ، فاردت ان اصالحها قبل ذهابها الى منزل والديها .
- انا اعتذر لكِ عمّا بدر مني البارحة .
- ولمَ تعتذر لي ؟ الامر كله خاطئ .. لذا كفّ رجاءً عن مثل هذه التصرفات ، فهي لا تليق بك .
صفعتني كلماتها في تلك اللحظة ، اردت ان استفسر ما الامر الذي جميعه خاطئ بنظرها ولكنني لزمت الصمت وعمدت الى تغيير الموضوع ، فشغلت الراديو واخبرتها بانني ساشتري لها بعض الحاجيات لتاخذها معها الى منزل والديها بعد اصرار كبير مني ، رغم انني ما زلت مصاباً بالحيرة من كلماتها تلك .

ترجلت من السيارة وهي تلقي علي التحية وتاخذ بحاجياتها من السيارة ، شعرت بغصّة تعلق بمجرى تنفسي ، لا اريدها ان تغادر ، وخصوصاً وهي غاضبة هكذا ، ولكنني لزمت الصمت مرة ثانية .
ناولتها مفتاح السيارة ونظرت لها لثوانِ .
- ماذا ؟ هل تريد شيئاً ما ؟
- لا .. ابداً .. ولكن ...
- لكن ماذا ؟ ستتاخر على مناوبتك ان بقيت هكذا .. هل انت متاكد بانك لا تحتاج السيارة ؟ بامكانك ان تاخذها ثم تعيدها الي عندما تنتهي من العمل .. رغم انني لا اعلم لم اصررت على ايصالي .
- لا باس .. لا تقلقي ، اذا ادخلي الى المنزل وسلمي على عمي وخالتي واخوتك ايضاً .
- حسناً سافعل .. اذاً، ساغادر .. اراك لاحقاً .
- وداعاً .

راقبتها وهي تدخل الى المنزل ، فشعرت بضيق في صدري ، ولكن ما ان دخلت خطرت لي فكرة ستفاجئها . 

________________________________________

اعتذر لكم عن التاخير الشديد .. الا انني لم اتاخر الا بسبب ما المّ بي من امور كثيرة .. ساحاول عدم التاثر بالظروف و الاستمرار بالكتابة كلما سنح لي مزاجي الفرصة لاكتب ..
اتمنى ان ينال هذا الجزء اعجابكم .. رغم انه قد يكون خالي من التشويق بسبب الانقطاع الكبير عن الكتابة !

فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now