"الجزء الثاني"

314 12 0
                                    


"امل"


لا ادري لمَ تصرفاته في الاونة الاخيرة تجعلني في هيجان تام وكانني في عالمٍ اخر ، يحاول ان يقترب مني بشتّى الطرق ويفعل تلك الامور الصبيانية معي .
في بعض الاحيان اشعر بان يوسف القديم ما زال يطّل عليّ بشخصيته العفوية وانا بجانبه، في الواقع بدات امور كثيرة تتوضح في عقلي ، فيما يخص يوسف ودانيال ، احاول ان اكتشف تلك العلاقة التي تربط بينهم والماضي الذي جعلهم معادين لبعضهم البعض هكذا .

بعد مغادرة يوسف الى العمل ، قمت انا واخواتي بالخروج والتنزه في عدة اماكن لتغيير اجوائنا الروتينية ، واثناء تجوالنا وردني اتصال من يوسف .
- مرحبا .. يوسف .
- اوه امل ! .. كيف هي احوالك ؟
- وكيف ستكون ، انا بافضل حال .
- اوه .. ولكن هنالك ضجيج من حولك .. اين انتِ ؟
- اتنزه مع اخواتي ونتجول .
- هذا جيدٌ جداً .. سعيدة ، اليس كذلك ؟
- نعم .. تغيير لبعض الروتين .. لكن كيف العمل لديك ؟ يبدو انه جيد نظراً انك تملك وقتاً لتحدثني بارتياح .
- في الواقع لا ، لقد هربت لبعض الوقت .. حيث انني لم اعتد على عدم وجودك معي في العمل وتفكيري مشغول بالذي تفعلينه .. لذا لا استطيع العمل جيداً .
- اااوه .. آآه .. فهمت .
- احم احم .
- حسناً .. اذهب لاكمال العمل الان ، اخواتي ينتظرنني .
- حسنٌ .. ولكن اريد سؤالك ، متى ستعودين للمنزل ؟
- في الغد .
- ممم حسنٌ .. اذهبِ الان .
- الى اللقاء .
- وداعاً .

شعرت بالاحراج للحظة وانا احادثه ، طريقة تحدثه معي في الاونة الاخيرة بدات تتغير للافضل .
عندما عدت الى المنزل اقتحم يوسف عقلي ، وبدات بالتفكير بالذي يفعله في الوقت الحالي ، شعرت قليلا بالبؤس لاجله ، حيث بدا صوته متعب قليلا ، فقررت العودة الى المنزل لعلّي اساعده على تغيير مزاجه ، ففي الواقع لا استطيع التوقف عن التفكير في شخص حزين دون مساعدته .

تركت منزل والديّ مغادرة الى منزلي بعد وعدهم بالعودة مجددا غداً لتوديع سوار .
فور وصولي الى المنزل وجدت سيارته مركونة على جانب الطريق ، فاقتربت من المنزل وفتحت الباب بهدوء ، ولكنني تفاجات بالظلام الذي يحيطه ، وما ان اغلقت الباب سمعت صوت تكسّر اشياء تقع على الارض بقوة ، تفاجأت بقوة وفزعت ، ظننت انه سارق او شيء من هذا القبيل ، هممت بالخروج من المنزل وانا ابحث عن هاتفي راغبة بالاتصال على يوسف ولكن استوقفني عن فعل اي شيء دويّ صراخ علا في المنزل ، ارتعشت في مكاني وجفلت للحظات حتى اتتني الصرخة الثانية ، استطعت تمييزها بعد عدة ثواني بانها صرخة يوسف ، فقلقت ان كان اصابه مكروه سمعته يصرخ مرة اخرى "لماذا .. لماذا فعلتِ ذلك بي ؟ " زادني نحيبه قلقاً فعرهت الى حيث صدر الصوت .
دخلت المطبخ وكان كل شيء مكسر على الارض وكأن زلال قد اصاب المكان ، وكان في احد اركانه يجلس يوسف ينتحب ساجداً يضرب قبضته على الارض التي تحتضنه ، فزعت لمنظره فهرعت اليه احاول رفع راسه لانظر في وجهه ، احتجت الى بعض القوة لرفعه عن الارض وما ان نظرت اليه شهقت بقوة لحالته التي كان عليها .
- ما الذي حدث يوسف ، لماذا انت هكذا ؟ اخبرني ما الذي احصل ؟ اقلقتني .
لم اجد منه رداً غير النحيب في البداية ، الا اننه خضضته عدت مرات مكررة اسالتي نفسها ، حتى التقت اععيننا ببعضها البعض فتوقف الزمن حولي لدقائق وانا انظر لعينيه الدامعتين و وجهه الشاحب ، وما ان هممت بتكرار اسالتي حتى شعرت بنفسي تعتصر بين يديه ، ضمني بقوة وعاد الى النحيب مكررا الجملة ذاتها " لماذا ... لماذا فعلت هذا بي ؟ لماذا ؟" .
تالمت لحاله رغم انني لم اعلم ما الذي اوصله اليها ، الا انه في تلك اللحظات بدا ضعيفاً وكأنه علم بانه لا سبب للعيش بعد الان .
مددت يدي على كتفيه اطبطب عليهما رأفة به واحثه في نفس الوقت على الاطمئنان وعدم القلق والخوف واخبرته بان كل شيء سيكون على ما يرام .
مرّت مدة على وهو على حاله حتى شعرت بانتظام انفاسه تدريجياً وبهدوء نحيبه ، ابتعدت عنه بهدوء بغية رؤية وجهه ، الا انه بقيَ ينظر الى الارض فسالته : ما الذي حدث معك يوسف ، اخبرني .

"يوسف"

بعد انهائي من مكالمة امل ، وصلتني مكالمة من رقم مجهول ، فاجبت الاتصال لاستعلم من المتصل ، فعلمت بانه سكرتير والدي ، اخبرني بانه يريد رؤيتي مع محامي والدي ، اقفلت الاتصال واضطررت لاخذ مغادرة من عملي مبكراً وتوجهت الى منزلي حيث اخبرتهم بان اللقاء سيكون هناك ، فوجدتهم لدى الباب ينتظرانني .
- اوه عم احمد ، لم ارك منذ مدة .
-اعتذر عن تقصيري ولكنك تعلم بانني لا استطيع ترك فرع الشركة في كندا طويلا.
- اذاً ما هو الامر الجليّ الذي جعلك تترك الشركة وتاتي الى هنا ؟
- لندخل اولاً ، نحتاج الى مكانٍ هادئ .

دخلنا الى المنزل و وجهتهم الى غرفة المعيشة واخذنا مقاعدنا لنجلس على الارائك.
- هذا هو محامي والدك الاقرب اليه ، السيد نبيل .
- نعم اعرفه ، فقد التقينا بضعة مرات بالفعل ، كيف احوالك سيد نبيل ؟
- بخير اشكرك ."اجابني"
- اذا اتمنى ان لا نضيع المزيد من الوقت ولندخل في الموضوع فوراً ."تحدث العم احمد "
- اوه بالطبع ، ما هو الامر ؟
- في الواقع ، ان والدك قبل وفاته قد ترك لك وصية كتبها منذ زمنٍ بعيد."اخبرني السيد نبيل"
- وصية ؟ ولماذا ظهرت الان ؟ فوالدي قد توفي منذ اكثر من سنيتن تقريباً.
- اخبرني بان اعطيك اياها بعد وفاته ، واذا تحسنت اوضاع الشركة حتى لا تتشتت.
- لقد اقلقتني بالفعل ، ما هذه الوصية الخطيرة ؟
- تفضل .. انها هذه ، اذاً سنذهب الان .. وان وجدت اي تساؤل بخصوص الوصية اخبرني فقط .
- حسناً ، اتعبتك بايصالها لي الى هنا ، اشكرك .
- لا ابداً ، اذا اللقاء
- رافقتك السلامة.

بعد توديعهم الى الباب ، اتجهت الى الوصية اقراها .
" بني يوسف ، اعلم بان من الممكن ان الكلام الذي ستقراه الان سيحزنك ويغضبك بشدة ، ولكن اعلم باننا جميعاً فعلنا ذلك لاجلك ودانيال ، فارجوك تفهّم نيتنا .
عندما توفي عمك بحادث سيارة ، اراد اهل زوجة عمك اروى بان يعيدوها اليهم حيث انها تزوجت من عمك رغماً عنهم ، ولكن وان حدث واخذوها فهي لن تصبح قادرة على رؤية دانيال بتاتاً ، فحاول اهلها بان يرفعوا قضية عليها تثبت بانها فاقدة الاهلية بشان رعاية دانيال لياخذوه منها وحينها هي تذهب معه ، ولكنهم كانوا يكرهون دانيال حيث انه ابن اخي ، فان اخذوه كان سيلقى اسوا المعاملات ، كانوا قساة فعلا ، فارتعبت اروى وقلقت كثيرا على دانيال .
عندها علمت امك بانها مصابة بمرض لن تسطيع الشفاء منه ، طلبت مني ان اتزوج اروى حيث اصبح ولي امر دانيال ، وبذلك يكون لي الحق بان ادافع عنه سواء اما القضاء او غيرهم ، فتزوجتها مرغماً عني لتحقيق رغبة والدتك ، حيث ظنت انه بامكاني مساعدتها في هذه الطريقة ، فاضطررنا لتعجييل الزواج وتزوجتها ، لكن لم انسَ امك قط فهي الوحيدة في قلبي و زواجي من اروى كان على ورق لا اكثر ، داومت بعدها على زيارتها في المستشفى حتى وفاتها المنية .
انت تتساءل عن سبب عدم اخبارنا لك ولدانيال بالامر ربما ، ولكن ان اخبرناكما وقتها ، لربما قام دانيال بالذهاب الى منزل جده حتى لا يحدث الزواج وكنت لربما حثثته على ذلك انت ايضا ، وبعد زواجنا رغبنا باخباركما الا انه بعد وفاة والدتك قد اصبتُ بانهيار ، وانتً كنت تحطم كل شيء ، وعشنا في حالة فوضى لم نستطع فيها ان نعبر عن مشاعرنا ، وبعدها بمدة سافر دانيال الى الخارج ، وانت كنت تريد فعل ذلك ولكنك اخترت البقاء ولكن بمنزل منفصل عنّا ، وبهذا بردت علاقتنا ولم نعد نتحدث ، و ظننت بانني ان اخبرتك بالامر وقتها لن يحدث ذلك فارقاً فكنت انتظر حتى تبلغ وتنضج ، ودامَ انك تقرا هذه الوصية الان فانا اذا تحت التراب حاليا ولم استطع اخبارك عن الامر حتى قبل وفاتي .
وصيتي لك بني ، رغم انك ستجدها صعبة ولن تشعر برغبة في فعلها ، ولكنني ارجو منك ان تجمع اروى بدانيال ولو لمرة واحدة ، فاروى لم تكن سعيدة يوماً وكانت دوما تفكر بدانيال ، واريد منك بني ايضاً ان تسامحنا جميعاً وان تعيشوا ما تبقى من حياتكم سوياً .
احبك ... واسف على كل ما حدث .
والدك . "

بعد انهائي لقراءة الوصية لم استطع استيعاب الامر ، ظننت بانها كذبة او شيء مثيل لها ، بعد اقتناعي بها بعد محاولات عدة ، وتوضّح كل شي في عقلي ، بدات بالصراخ كالمجنون ، وبدات بتكسير مل ما يقع تحت ناظري ، لم استطع استيعاب بانهم فعلوا كل ذلك ودمرواا حياتي انا ودانيال باعتقاد انه الافضل لنا ، شعرت بالغضب يعتريني حتى بكيت وبدات انتحب في مكان لا اعلم اين اجلس فيه حتى شعرت بيد توضع على كتفي وسمعت وقتها صوت امل ، وبعد محاولاتها من اخراجي من صدمتي ، ضممتها بقوة الى صدري حيث شعرت بانها اخر شخص تبقى لي في هذه الحياة .

فوضى الفانيلياOpowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz