"الجزء الثامن"/الاخير

637 29 15
                                    


"يوسف"

شعرت بملل رتيب وانا وحدي بالمنزل ، ما زلت سأبدأ العمل خلال الاسبوع القادم ، افكر ان كان علي ان الغي اجازتي المتبقية ام احاول الاستماع بما تبقى منها .
هاتفت امل عدة مرات لكنها لم تجب على ايِّ منها ، فلابدّ انها مشغولة بالمرضى ، فقسم الطوارئ سيكون في ذروته خلال هذه الاوقات ، هاتفت بعدها المسؤل عن وضع الجداول للمناوبات ، بديل دانيال حالياً ، اريد العمل ، الملل سيقتلني .
بعد جدال قد طال ، اصبحت على المناوبة المسائية لهذا اليوم ، لم يرفض طبعاً  الغاء اجازتي ، بل رحب بذلك بكل رحابة صدر ، بحجة ان العمل متكدس وهناك قلة في الكوادر ، اتمنى بان يكون الكادر كافياً في يوم من الايام .
مع اقتراب ساعة بدء مناوبتي ، بدات اتحضر للذهاب ، وصلتني رسالة من امل تعتذر لي بها وانها لم تنتبه للهاتف بسبب الانشغال بالعمل ، فبادلتها برسالة اخرى احدثها بان لا تقلق وانني كنت اريد الاطمئنان عليها فقط .
اتجهت نحو سيارتي وبدات بالقيادة ، توقفت لاخذ بعض الطعام لامل ودانيال ، ولكن لم يكن هناك مكان جيد لركن السيارة ، فاضطررت لركنها بشكل مزدوج بجانب سيارة اخرى على الشارع و وضعت الاضواء الرباعية لاعلن بها عن وضعي الطارئ .
سمعت اسواق ابواق السيارات تعلو وانا انتظر الطعام ليجهز داخل المطعم ، سيارتي ضيقت الطريق ، ولكن لمَ الجميع متسرع هكذا ، لن يكلفهم الامر ان تأخروا دقيقتين او ثلاث .
اسرعت الى سيارتي بعد اخذ الطعام و أدرت مفتاح المقود فيها ، أدرت عجلة القيادة لاخرج الى منتصف الطريق، ولكن لم أشعر بنفسي الا وانا احلق بالسيارة عالياً في الجو .

"امل"

بدأ العمل يخف تدريجياً مع اقتراب وقت الظهيرة ، ساعات قليلة وانتهي من المناوبة ، فالنعاس اثقل تعبي ، والمرضى كانوا كثيرون اليوم دون الحاجة ، تبادلت مع احد الاطباء لانهاء اخر خطوات عملية يترأسها اخصائي القلب ، كانت عملية سهلة لكن تحتاج الى دقة فأخذت منا بعض الوقت .
عندما كان الطبيب يخيط آخر الشرايين التي قام بفتحها ، وكزتني احدى الممرضات التي اتت من الخارج ، اخبرتني امراً لم افهمه ، او ربما لم استطع استيعابه ، اعتذرت من الطبيب و وجهي علته الصفرة ويديّ تمسكت بهما الرجفة .
- ما الذي حدث ؟ انا لم افهم شيئاً مما كنتِ تقولين . "سالتها بتوتر"
- ان زوجك ، الطبيب يوسف ، قد وصل الان في سيارة اسعاف اثر حادث سيارة ، وحالياً يقوم الممرضون بتجهيزه لدخول العمليات .
- ما ... ماذا ، كيف .. حصل ذلك ؟ ."سالتها ودموعي بدات بالسقوط"

لم اسمع ردّها حيث انني هرولت مسرعة الى حيث يتواجد يوسف ، دخلت غرفة الانعاش التي يتواجد بها  ، وجهه مليئ بالدماء ، بل جسده بأكمله ، وهو غير واعٍ ابداً ، سمعت الطبيب الذي يفحصه يتفوه ببعض الامور ، لم افهمها ، بل لم ارد فهمها ، المصطلحات التي كان يشير اليها جميعها تعني بانه في حالة خطرة .

"دانيال"

سمعت بتواجد يوسف في غرفة الانعاش اثر حادث سيارة مريع اثناء تواجدي لدى قسم الاستقبال ، هرولت مسرعاً الى الغرفة المتواجد بها وقلبي يرجف خوفاً ، وجدت امل تقف متصنمة لا تقوَ على تحريك اعينها حتى ، دموعها تنهمر دون اي تعبير على وجهها ، والفحص الاولي للطبيب ليس مطمئناً بتاتاً .
تم ادخاله الى العمليات فوراً بعد تصويره باشعة الرنين المغناطيسي ، لديه كسر بالجمجمة ونزيف داخلي وخارجي ، هذا ما ظهر بصور الاشعة فقط ، ولكن وضعه ليس مطمئناً ابداً .
دخل يوسف الى العمليات ودخلت انا معه بعد اصرار طويل ، ومُنعت امل من الدخول بالحكم على حالتها النفسية .
اثناء تواجدي بالعملية بدات الاصابات التي لم تظهر في صور الاشعة بالظهور ، تهتك في الاوعية الدموية وتمزق الشرايين مما ادى الى نزف ما تحت الجافية وحدوث كتل دموية ، والعديد من الامور شديدة الخطورة .
صدره احتوى على كسر ثلاثة اضلاع في الجهة اليسرى ، واحدهم قد اصاب بالحجاب الحاجز ليصعب عملية التنفس ، وأثناء انشغالنا بعملية الدماغ تطور ليصح فتقاً حجابي .
توقف قلبه واعلن الجهاز صوت صرير مزعج التف بي وكاد يخنقني ، قلقت كثيراً ، بل فزعت ، اسرعت لعمل انعاش للقلب ، عاد قلبه للنبض مرة اخرى ولكن تبعها بسكتة دماغية ليتوقف القلب مرة اخرى ، جروحه كانت بليغة ونزف الكثير ، ودخوله بصدمات عديدة بالقلب ادّى الى وفاته بعدها .
خرجت من غرفة العمليات مجبراً ، كنت ما زلت مؤمناً بأنه سيستيقظ ، فاستمررت بانعاش القلب ، ربما طال ذلك لربع الساعة او نصفها ، لا اعلم ، كل ما اعلمه بانني كنت خائفاً من خسارته فقط .
خرجتُ منهاراً لاجد امل تنتظر ما يطمئنها ، لم تكن افضل مني حالاً ، توترتْ وجُفّ حلقي ، ما زلت في صدمة ، كيف له ان يموت بين يديّ ، كيف ؟
سقطت امام امل انتحب بصمت ، وانا اسمعها تنكر الامر ، لم استطع ان اواسيها فانا احتاج لمن يواسيني ، فسقطت هي الاخرى على الارض لتنتحب .
اصبح الامر ضبابياً ولم استطع سماع الا صوت امي وهي تناديني .

"امل"

كنت انتظر بفزع خارج غرفة العمليات ، انظر الى الساعة تارة والى الباب تارة ، انقضت سبع ساعات ، وما زال لم يخرج احد ، كنت امشي جيئة وذهاباً امام غرفة العمليات انتظر بأسى اي خبر يطمأنني على يوسف .
خرج دانيال وهو يكاد ينهار ، علمت وقتها بأن يوسف قد وافته المنية ، لم استطع ان اصدق الامر ، ولكنني ما لبثت حتى سقطت ارضاً انتحب بألم على فراق يوسف لي قبل حتى ان نسعد.
استيقظت من نحيبي على وجود الخالة اروى وهي تحاول ان تنتشلني من الارض التي ابت ان تتركني وحيدة ، لتجلسني بعدها على كرسيٍّ يقف بصمتب القرب مني وتحضنني وتحاول ان تهدئ من روعي .
عندما استيقظت وجدت نفسي في المنزل وامي تجلس فوق رأسي ، حينما نظرت اليها رايتها تبكي بصمت ، ظننت ان ما حدث هو مجرد حلم سيء وها انا ذا استيقظت من رعبه ، ولكن الحقيقة صعبة التصديق .
اخذتني امي الى حضنها وربتت على ظهري بخفة ، تذكرت لحظاتي مع يوسف وهو يربت على ظهري في كل مرة اشعر بها بالوحدة ، وها هو ليس بجانبي ليربت عليّ هذه المرة .
مرّت ايام العزاء الثلاث ، وشعرت بها قد اخذت من عمري ثلاثين سنة ، اعادتني امي الى المنزل كي لا ابقى وحيدة رغم اصراري على البقاء في المنزل الذي انجمعت فيه مع يوسف .
كانت ايامي تمر بشكل رتيب كئيب ، عدت الى العمل بعد اسبوعين من وفاة يوسف ، ولم يكن الامر اقل صعوبة ، فذكرياته تملؤ ذلك المكان ايضاً ، وخاصةً الذكرى الاخيرة له في ارض هذه المشفى .
وجود دانيال بجانبي ساعدني بعض الشيء على تخطي الحزن وتقبل الواقع ، اكثر ما يؤلمني برحيله هو انني لم اسعده بالقدر الكافي ، ولم اظهر له حبي كما كان يظهره هو لي ، انني نادمة اشد الندم على كل فرصة سُنحت لي واضعتها .
ذكراه ستبقى خالدة في قلبي مهما مرّ عليه من سنين .


"دانيال"

مرّت ثلاث سنين وأشرفت الرابعة على الانتهاء منذ وفاة يوسف ، وها انا انتظر ما يقارب الثلاث الساعات في المنزل حتى يحين موعد اخذ امل من منزلها ، فاليوم هو حفل زفافنا .
لم اكن لافكر بالزواج من امل بعد ما حصل ليوسف ، ولكن لولا وجود امي لما اقتنعت بالفكرة ، فكيف لي ان اتزوج زوجة اخي حتى وان احببتها ، فامل ايضاً لم تكن افضل حالاً بعد وفاته .
كان حفل زفاف بسيط جداً كما طلبته امل تماماً ، اخبرتني بانها لن تستطيع ان تنسى يوسف او ان تغير من مكانته في قلبها عندما اعلمتني موافقتها للزواج ، واخبرتها انا كذلك بالمثل ، فأنا لن ارضى بأن يُنتسى يوسف ويكأنه لم يكن موجداً ابداً .
كان يوسف حاضراً معي في كل دقيقة اثناء الزفاف ، ولولا انني اشعر بالاسى لحال امل لما فكرت بان اتزوجها ، اصبحت هزيلة ونحيفة و وجهها دائم الصفرة في الشهور الاولى لوفاته ، فحاولت مجتهداً على اسعادها مهما تطلب مني الامر .

عشت انا وامل بسعادة بحضور ذكرى يوسف بيننا ، نزوره بين كل فترة واختها ، مشاعر الاحترام آخذة بالنمو بيني وبين امل بسبب تلك اللحظات التي نتذكر بها يوسف ، والمودة تسري بيننا لتجعل من حيواتينا اقل بؤساً وحزناً .
احببتها ، وما زلت احبها ، وسأحبها لما تبقى من اجل يوسف ! ...


                                                                                      انتهت .


______________________________________


اظن بان الكثير سيعترض على النهاية المفاجئة .
كانت النهاية مفاجأة لي ايضاً ، فيدي اخذت تنقر على مفاتيح الحاسوب دون شعور مني حتى انتبهت الى ما اقترفَته .
اردت من النهاية ان تكون غير متوقعة ولكن بصورة واقعية ربما .
وهذا اكثر شيء واقعي فكرت به ، ففي الحقيقة فانا كنت منحازة لطرف دانيال في اغلب الاحداث ( رغم ان هذا الاثم بعينه بالنظر الى انني الكاتبة ويجب عليّ ان لا انحاز لطرف او شخصية ) 0_0
ارجو منكم ان تخبروني بآرائكم حول الرواية حتى وان لم تعجبكم النهاية ، وارجو ايضاً ان تتفهموا بأن ليس على البطل الرئيسي دوماً بأن يحصل هو دائماً على الصدارة والسعادة الابدية . T_T
تلك هي روايتي الاولى كمبتدئة ، لربما وجِدت الكثير من الاخطاء اللغوية والنحوية والتعبيرية وغيرها ، ولكن حاولت بوسعي ان اوصل مشاعري وافكاري بالتعبير الانسب والافضل .
شكرا لقرائتكم ، وشكر خاص الى كل من دعمني بتعليقاته او تصويتاته حول الرواية .
ساحاول العودة برواية افضل في العام القادم ، بسبب انشغالي هذا العام باكثر السنوات الدراسية صعوبة .
شكرا جزيلا لكم ، ودمتم سالمين اعزائي !

فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now