الفصل الرابع : لماذا ؟! / " الجزء الاول"

477 14 1
                                    

توقفت جفونه عن الحركة ، غير قادر على اضاعة جزء من الثانية عن ناظريه ، بدا يستوعب الموقف ودموعه تتلالا ، فتحت عيونه مجاريها لتفيض الدموع على مسرى خديه اللذين اعتلتهما حمرة دالة على قوة صدمته ، خر على الارض بجانبها ، ما زالت مستيقطة لم تغب عن الوعي ، تسعل بشدة وهي تضع يديها على جانب خصرها النحيل والدماء تتدفق منه ، بدا الجميع يتجمع ، وانقض احد حراس الامن على الشاب ممسكاً به باحكام ، اما الشاب فكان ويكانه استيقظ من صدمة ستقضي على ما تبقى من شبابه ، لم يقاوم ولم يقم بفعل اي ردة فعل .
اما دانيال فهم بحمل امل بين ساعديه ، خرج من بين الجموع المجتمعة يوسف ، يبعد الجميع عن طريقه ليستعلم عن الامر الذي حصل ، لمح دانيال وهو يهم بحمل امل ودموعه تسقط على خديه وكانهم انهار قد حان وقت فيضانها ، توقف لعدة ثوانٍ يحاول ان يستوعب الموقف ، من ثم انقض على امل التي بين يدي دانيال ويصارخ باسمها ، نظر على دانيال "ما الذي حدث" بنبرة عالية تعلوها الرجفة ، لم يجبه دانيال وهرول الى غرفة العمليات .

لم يسمح مسؤول الجراحين لاي من دانيال ويوسف بدخولهم والمساعدة في اجراء العملية لامل ، بسبب ملاحظته لانفعلاتهما القوية .
مر ما يقارب الاربع ساعات على دخول امل غرفة العمليات ، تجمعت عائلتها يدعون لها بصمت ودموعهم لقت مجراها في وجوههم .
اما بالنسبة لدانيال فهو جالس على احد ادراج الطوارئ ينتحب بصمت ، لم يجرؤ على انتظارها قرب غرفة العمليات ، لاعتقاده بانه هو الذي تسبب لها في هذه الحادثة ، ويلوم نفسه "لو انني استمعت لها لم يكن ليحدث الذي حدث ، لم تكن لتصاب بدلاً مني "
اما يوسف فيجلس على الارض جوار باب غرفة العميات ينتظر بصمت ، ودموعه تتلالا بين جفونه المتصنمة خوفاً من فقدانها .

خرج الجراح الذي اجرى لها العملية مطمئئنا " انها بخير الان ، كانت السكين قد وصلت الى كبدها ، لكن قمنا باخاطته ومنعنا النزيف الداخلي من الحدوث ، ولم تفقد الكثير من الدماء لعدم اضاعة الوقت ، انتظروا حتى تستيقظ من اثر المخدر ، وسنستعلم اكثر عن حالتها " وغادر مبتعداً عنهم .
ترنح يوسف وكاد ان يقع على احد الكراسي الا ان امسك نفسه ،و وجدت بعض الطمانينة طريقها الى قلبه المرتجف .
وصل للجميع خبر نقلها الى غرفة العناية المركزة وتوجهوا الى غرفتها بما فيهم يوسف ، تم السماح فقط لوالدتها و والدها بالدخول للاستعلام عن حالتها ، وكان يوسف مستميتا على رؤية وجهها ليطمئن قلبه .

هاتفه يرتج داخل جيبه معلنا عن صدور مكالمة هاتفية ، سحب هاتفه من جيبه ونظر الى شاشته ، هنالك العديد من المكالمات من زوجة ابيه بالاضافة الى سكرتير والده الخاص وبعض الرسائل ، فتح احداها والتي كانت من زوجة ابيه وقرا " يوسف ان والدك يموت ،اين انت بحق الله ، رجاء تعال " دموعه تتلالا مرة اخرى صدماته تزداد شدة عليه هذا اليوم ، ولم يعد يحتمل ، شد على قدميه وتوجه الى المستشفى التي يرقد فيها والده ، وتوجه الى غرفة العمليات التي فيها والده بعد ان استعلم عنها من قسم الاستقبال ، وجد زوجة ابيه لدى باب الغرفة تنتحب ، تقدم منها وجبينه يتعرق وانفاسه المتقطعة تسبب الهبوط والصعود في صدره ، وضع يده على كتفيها وانفاسه تتقطع " ما الذي حصل ، ما الذي حدث مع ابي " ، رفعت راسها تستنجده بين شهقاتها " يوسف ، ان والد... والدك ... يموت ، افعل شيئاً ، انا .. ار .. جو .. ك " ، هم بالتكلم الا ان باب غرفة العمليات قد فُتح وخرج منه الطبيب ، هرول كل من يوسف واروى باتجاه الطبيب للاستعلام عن حالته " انه بحالة سيئة بالكاد استطعنا ان نفتح شريانه المغلق ، جلطته كانت قوية ، يجب ان تعودوا الى طبيبه الواقع في كندا ، وان تتم له عملية زراعة القلب باسرع وقت ممكن ، والا ستفقدونه ، لم يتبقَ الكثير من الوقت " ، بدات اروى بالانتنحاب لدى سماعها تقرير الطبيب عن زوجها ، اما يوسف فشعر ان المكان يدور حوله ولم يستطع التوازن ، فاتكا على كرسي بجانبه وجلس عليه يحاول ان يمتص الصدمات التي وقعت عليه واحدة تلو الاخرى ، رفع نظره الى سكرتير والده الذي يقف حزينا بعيدا عنهم ، اومأ يوسف براسه حاثاً اياه على التقدم " قم بحجز تذاكر طائرة مغادرة الى اوتاوا باقرب وقت ممكن ، واخبرهم بوجود حالة طبية مستعجلة ، وقم بتدبر جميع امور المسشفى هناك ، واخبر خادمة منزلنا بان تقوم بتحضير بعض الحقائب لنا ، بسرعة ، ارجوك " ، اومأ السكرتير براسه وذهب ليقوم بالمهام التي اوكلت اليه ، اما بالنسبة الى يوسف ، توجه الى الغرفة التي سيتم نقل والده لها وانتظره حتى دخل الممرضون وهم يجرون سرير والده الغائب عن الوعي ، ومن ثم نقلوه الى السرير الاخر وغادروا حاثين يوسف واروى على عدم اصدار اي ضجة لينال والده اكبر قدر من الراحة .

اما بالنسبة لدانيال ، استعلم عن غرفة امل وتوجه لها ، لم يجد احد لدى غرفتها سوى شاب في بداية العشرينيات من عمره ، يجلس على احد الكراسي مرجعاُ راسه الى الوراء مغمضاً عيناه ، تقدم دانيال متغاضيا عن وجوده وفتح الباب على امل ودخل ، ومشى بضع خطوات اخرى ليرى امل ترقد على السرير وجهاز التنفس موضوعا على انفها وفمها ، وصوت جهاز قراءة نبضات القلب يصدر طنيناً معلناً عن وجود حياة في جسد امل ، تقدم منها غير قادر على تمالك نفسه ، فامسك بيدها وضمها الى صدره " لماذا انتِ التي تتاذين دائماً عندما تحاولين انقاذي ، انا اسف " وبدا ينتحب بصمت من جديد ، ندمه كان كبير ليحتمله داخل قلبه فقط ، علم بانه لا يستطيع التخلي عنها ابداً ، لم يشعر منذ زمن بعيد باحد يهتم به ويقلق عليه ، راى الاهتمام في اعينها ، وقلبه قد تعلق بابتسامتها ، فكيف يتخلى عنها .

بعد ساعة من انتحابه الصامت ، مسح دموعه وخرج من غرفتها ، وجد نفس الشاب يقف لدى الباب ، فاستقام من مجلسه " من انت ؟" اجابه دانيال " بل انت من ؟" ، "انا اكون اخوها ، لذا من انت ؟ " ، فتراجع عن موقفه " آآه انا لم اكن اعلم ، انا طبيبها واتيت لاستعلم عن حالتها ، ولكن اليس موعد الزيارات قد انتهى منذ زمن ، لم ما زلت هنا ؟ " ، " ولكن كيف لك ان تدخل عليها في هذا الوقت ؟ المهم كيف هو وضعها الان ؟ " .
طمئن دانيال اخوها ، وغادر حاثاً اياه على المغادرة لنيل قسط من الراحة .

بعد ليلة قد اخذت زمناً لتنقضي ، تجمعت عائلة امل مرة اخرى ، كانت امل قد استيقظت منذ ساعات الفجر الاولى وتم نقلها الى غرفة اخرى ، طمئنت الجميع بانها على خير ما يرام ، واستعلمت عن الشاب الذي قام بطعنها ، " لقد اعترف بانه كان يريد ان يقتل طبيب اسمه دانيال ، ظناً منه انه لم يقم بواجبه على اكمل وجه بجراحة خطيبته المتوفية ، فاراد الانتقام بسبب تخبط مشاعره الناتجة من حبه الكبير لها ، وانتهى بكِ ان تطعنِ انتِ ، ولكن الى الان لم اعرف كيف طعنتِ انتِ بدلاَ منه " اجابها زيد ، فردت امه " لا يهم ما الذي حصل ، الحمدلله انك بخير ، لم اتحمل فكرة فقدانك للمرة الثانية ، ارجوكِ لا تقومي بفعل امور قد تصيبنا بذبحة قلبية من القلق " ، اومات امل براسها وهي تفكر بوضع دانيال الحالي " لا بد انه يعاني "

انتهت موعد الزيارة ، وحثت امل جميع عائلتها على العودة الى المنزل لينالوا قسطا من الراحة ، وبعد مغادرتهم ، ادارت وجهها ناحية النافذة تراقب الوان السماء المتحولة الى الغروب ، وكانت تفكر بيوسف وكيف انها لم تره منذ استيقاظها ، حتى قطع عليها حبل افكارها صوت طرق الباب ، قامت بتعديل شال راسها واذنت بالدخول محولة انظارها الى الباب تراقب الذي سيدخل بصمت ، فقد ظنت انه يوسف ، وما هو الا دانيال قد ظهر لها من خلف الباب لتتفاجئ وملامح لم يستطع قراءتها قد علت ملامح وجهها .



فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now