الفصل السابع : هل بدأنا ؟ / "الجزء الاول"

373 13 1
                                    


"امل"

حاولت تغيير مزاجي في منزل والديّ ، وبمجرد دخولي الى المنزل شعرت بأيام الماضي العفوية تداعب حاضري الرتيب الممل ، كان المنزل يعمّ بالحيوية والضجيج الممزوج بالضحكات والتسامرات النسائية التي لا تخلو من اي مجلس انثوي ، وبدانا باتخاذ اكثر المواقف اضحاكاً التي نتذكرها لكل شخص موجود واسمعناها للحاضرين ، حتى كادت افواهنا ان تشلق وبطوننا ان تنفجر وعيوننا تدمع من شدة الضحك .

قطع حديث اختي صوت جرس المنزل ، ونظرنا لبعضنا البعض متسائلين ، فنحن لا ننتظر زائراً متوقعاً .
حضر زيد الى المجلس الجالسين فيه .
- قمن وارتدن ملابس ، فيوسف هنا .
- يوسف ؟ وكيف اتى .. اقصد لماذا اتى ... ؟ اعني بانه لم يخبرني بالامر ."اجبته متفاجئة".
- واين الامر الغريب ، انه زوجك واراد القدوم ، لا باس بالامر بنيتي ، اهلا وسهلا به .. انه مرحب به باي وقت ."اجابني والدي"

عندما ارتدين اخواتي ملابسهن لم اشاركهن في الفعل ، فقط بقيت في "البيجاما" الصيفية التي كنت ارتديها ، وكرهت امر تغييرها .
دخل زيد وخلفه يوسف وهما مازالا يرحبان ببعضها البعض ، القى يوسف التحية على جميع الحاضرين واستعلم عن احوالهم كما بادروه بالمثل ، وما ان انتهى حتى نظر الي والتقت عيوننا ، فرمقته بنظرة بها شيءٌ من التساؤل فاكتفى هو بالابتسام وهزّ راسه طالباً مني الصبر .
اختار مكاناً بجانبي للجلوس ، وما ان جلس بدأ هو بحركات التمثيل وانا ما زلت على وضعيتي .
- هذه "البيجاما" جميلة لم ارها من قبل ."تحدّث الي بصوت خافت مبتسماً".
- والمعنى المقصود ؟
- لا ابداً .. لا شيء بتاتاً ، كنت فقط اقول .
- آآها.

قاطع حديثنا القصير كاسات العصير التي امتدت امام ناظرينا يقدمها لنا زيد ، فاتخذ كلٌ منّا كأساً واخذ يوسف منها رشفة ثم اعاد تركيزه نحوي .
- تفاجأت .. اليس كذلك ؟
- ولم فعلت كل هذا .. اما زلت تريد اغاظتي ؟ .. الم يكفِكَ البارحة ؟
- ولماذا علي اغاظتك ؟ اردت فقط القدوم لمشاركتكم السهرة .
- اوه نعم صدقتك تماماً .

عادت عائلتي لفتح مواقف الماضي وعادوا للضحك ، كنت اخبرهم بما استطعت تذكره ، اذ ان بعضاً من الذكريات محيت من ذاكرتي فقط .
تأخر الوقت وتعدَ عقرب الساعة منتصف الليل باكثر من ساعتين ، بدأ الجميع يتخذ غرفة له ويتجهز للنوم ، اما يوسف فكان يستعد للمغادرة .
- حسناً .. ساغادر الان .. هل تريدين مني ان احضر لكِ شيئاً معيناً .
- لا, لا باس .
- لا تغادر الان .. الوقت قد تاخر كثيراً .. نم هنا اليوم ثم غادر لعملك بعدها ، الطرقات في حيّنا خطرة ليلاً ."قاطعنا والدي".
- اوه بالتاكيد انت لن تغادر الان .. لن اسمح لك بذلك .. قمت بترتيب غرفة لكما اذهبا اليها ونم هناك اليوم ."اكدّت الوالدة على حديثه"
- لديه عمل في الغد .. لذا من الافضل ان يغادر الان .. ثم انه معتادٌ على الامر ."اجبتهم معترضة"
- اوه نعم عمّي لا باس .. ساغادر الان .

توجهنا انا ويوسف الى الغرفة التي قامت امي بتجهيزها لنا بعد الكثير من الاصرار بحجة القلق والخوف ، فانصعت انا للامر كارهة متوترة ، ستكون هذه اول مرة لنا في نفس الغرفة ، لطالما كان لكل منا غرفته الخاصة في منزلنا .

اخترت سريري بمجرد ان رايته .
- سأنام انا هنا .. وانت نم على السرير الاخر " وقمت بالتاشير عليه بسبابتي"
- حسنا .
- اه فعلا من الجيد ان امي لم تتخلص من السرير .

ناولته ملابس نوم تعود لزيد ، وقام بتبديل ملابسه في الحمام ، وما ان عاد الى الغرفة ورايته مرتدياً تلك الملابس شعرت برغبة قاتلة للضحك ، كان شكله يبدو مضحكاً حيث كان البنطال قصيراً وضيقاً بعض الشيء .
- اتضحكين الان ؟ .. لمَ لا يملك اخوكي ملابساً اكبر قليلاً .
- اوه ساخبره في المرة القادمة بان يقوم بأخذك بعين الاعتبار عندما يشتري ملابسه .
- اكتشفت ان اخيك قصيرٌ بعض الشيء .. ربما هذا في جيناتكم ؟
- ليس ذنبنا بتاتاً باننا على هذا الطول ، ثم انك انت الطويل للغاية .. نحن طبيعيون جداً جداً .
- ههههههه نعم نعم طبيعيون للغاية ، لو تعترفين فقط انكِ قصيرة .
- لست كذلك .. لست كذلك .

اخبرته بجملتي الاخيرة وعلى وجهي ملامح الغيظ ، وما ان ادرت وجهي عنه للجهة الاخرى شعرت به يسحبني اليه ويضعني بجانبه .
- هل ترين امام المرآة بانكِ قصيرة ."قالها مبتسماً"
- اوه بالطبع سابدو قصيرة امام رجل لديه طول عمالقة انقرضوا منذ قرون ، وهو يبدو هكذا وكأنه الوحيد في العالم ، اشكر الله بان لدي طول طبيعي مع اقراني .
- ههههههه حسناً حسناً ، لا تعترفي اذاً ، ولكن اتعلمين ؟ احب طولك هذا .. يعجبني عندما ترفعين رقبتك لتريّ عيوني وانا انظر هكذا اليك منحني الرقبة انظر لعينيك ايضاً ، نحن زوجاً مثالي .
- اوه مثاليٌ جداً ، والان لننم ايها الطويل .

ابتعدت عنه وانا اقول جملتي الاخيرة وتوجهت الى سريري ، سمعت قهقهته خلف ظهري ولكن عمدت الى عدم الاهتمام واخبرته بان يطفئ الانوار لانام .

"يوسف"

يعجبني باننا نصبح اقرب في كل يوم يمر علينا ، واحب اغاظتها لي وخسارتها في كل معركة تبدؤها معي ، حيث انني انتهي دوما باغاظتها .
وجودنا في نفس الغرفة لاول مرة لنا لهو امر غريب ، فشعرت ببعض التوتر حتى انني لم استطع النوم وتقلبت في الفراش كثيرا رغم ارهاقي الكبير .
ظللت اراقبها وهي نائمة براحة وكأنها لا تملك شيئاً لتفكر به قبل نومها ، بل سقطت في النوم فور وضعها لرأسها على الوسادة ، مللت من مراقبة ظهرها من الخلف فاعتدلت من فراشي و وقفت حيث استطيع رؤية وجهها ، ظللت اتأمله لفترة طويلة ، حتى انني جلست على الارض بجانبها وسرحت بوجهها مفكراً بامور عدة ، واهمها دانيال ، فهو ما زال عقبة كبيرة في طريقي وما زال هنالك الكثير من المشاكل والمواقف التي لم تحل بيننا منذ زمنٍ بعيد .
عدت الى فراشي بعد ان شعرت بان النعاس قد احاط بي بعد مدة من انتظاره وغفوت بعد عدة دقائق .

استيقظت على قرقعة صحون واحاديث كانت تعلو بين من استيقظ ، نظرت الى حيث امل ، فوجدتها ما تزال نائمة لا تشعر بأي شيءٍ بتاتاً .
خرجت من الغرفة وبدلت ملابسي وقمت بالاغتسال ثم توجهت الى حيث يقع الضجيج وفتحت باب المطبخ .
- صباح الخير جميعاً .
- اوه يوسف ، صباح الخير .. ازعجناك، السنا كذلك ؟
- لا ابداً ، ماذا تفعلون ؟ لمَ لو توقظنا لنحضر الفطور سويًّا ؟
- ما من داعٍ بني ..نحن دوماً ما نفعل هذا عندما يجتمعون في المنزل .
- اذاً دعاني اساعدكما دامَ انني استيقظت .
- لا بني ، لا باس تماماً ، اذهب ونل قسطاً اطول من الراحة .
- لا ابداً ، لا يجوز ذلك .

ساعدتهما في اعداد الفطور ، وكانت هذه اول مرة لي اشارك فيها المطبخ منذ زمن ، شعرت ببعض التغيير بدأ يُظهر تغيراته في حياتي ، شعرت بكمية الودّ بين افراد عائلة امل ، وهذا اعاد لي بعض الذكريات القديمة جداً.
فُتِحَ الباب وظهرت منه اختا امل ، القتا التحية علينا وبدأتا هما ايضاً باعداد الفطور.
- اذهب لتوقظ امل يوسف ، قد انتهينا من كل شيء تقريباً "اخبرتني سوار"
- اوه نعم هيّا اذهب ، هذه الفتاة ما زالت على عادتها القديمة في نومها الثقيل ."اكدت عليّ والدتها"
- حسناً سأحاول .

ترددت في فتح باب الغرفة في البداية الا انني فتحته بعد اطلاق زفير قوي ، كانت ما تزال نائمة ، رغم نومها الثقيل الا انه يبدو بانها لا تملك عادات نوم عنيفة ، فهي ما تزال تنام بهدوء ، اقتربت منها وبدأت بهزّ كتفيها وانا انادي باسمها علّها تستيقظ.
- امل ..امل هيّا ، والداك حضّرا الفطور .. هيّا انا ارجوكِ .
اكتفت بهزّ راسها وهي مغمضة العينين ، رغم ندائي لها وهزّي لكتفها ، الا انه لم يفلح اي شيء معها ، لا اعلم كيف تستيقظ وحدها في المنزل .
اكتفيت من اياقظها بتلك الطريقة بعد محاولات عدة ، فحاولت التفكير بشيء يوقظها ، فمسكت معصمها وشددتها نحوي ، و وضعت كفي الاخرى حول ظهرها من الخلف ادعم وقفتها النائمة ، جررتها بضع خطوات حتى شعرت بها تستيقظ ، وتهزّ راسها وهي تدفعني بعيداً عنها وتقول " اوه حسناً حسناً ، لقد استيقظت" .
- واخيراً ، بالفعل ان نومك ثقيل للغاية .
فركت عينيها بقوة تحاول التركيز .
- اوه انه انت .
- ومن كنتِ تظنينني ؟
- امّي ، انها دوماً تلجأ لايقاظي بهذه  الطريقة .
- نعم لان نومك ثقيل للغاية ، اذهبي للاغتسال الان .

خرجت من الغرفة وهي تترنح يمنة ويسرة ، كنت ما ازال اعتقد بانها نائمة ، فاردت مساعدتها لاحالتها عن الوقوع باصابات الا انني تراجعت وجعلتها تذهب لوحدها .
دخلت المطبخ وهي تضبط شعرها وتربطه .
- صباح الخير جميعاً " قالتها بحيوية"
- صباح الخير "ردّ الجميع"
- اوه ان مائدة الطعام مليئة جداً اليوم ، قد مضت مدة على هذه المائدة.

بدأ الجميع بتناول الفطور ، كان الوضع حيوي للغاية ، حيث ارغفة الخبز تتناقل فوق الطاولة وكؤوس الشاي بالاضافة الى الاحاديث العائلية الطبيعية .
- لديك مناوبة اليوم ؟ " سالني عمّي"
- نعم انها مسائية ، في الثانية بعد الظهر .
- ليتك اليوم عطلة ، لقمت بتغيير اجواءك عن العمل .
- هنالك نقص اطباء في الوقت الحالي ، لذا من الصعب اخذ اجازة في قسم الطوارئ ما لم تقم بالتبديل مع طبيب اخر .
- بالتوفيق في عملك بنيّ .

جلست معهم سويعات قليلة قبل ان اهمَ بالذهاب للعمل ، ودّعني الجميع واوصلتني امل الى باب المنزل فالتفتّ اليها.
- هل تريدين مني ان احضر لكِ شيئاً ؟
- لا ، شكراً.. اذاً سادخل الان .
مسكت بمعصمها قبل ذهابها ، ونظرت لعينيها لبضع ثوانٍ فلم اقاوم وضممتها بقوة.
- ما الذي تفعله .. ابتعد عني " كانت تقول وهي تدفعني بعيداً عنها"
- شكراً .. كان الجو لطيف بينكم فاستمتعت البارحة .
شعرت بحركتها تهدأ بمجرد سماعها لجملتي الاخير ، فشددت عليها اكثر ، ما زال هنالك يومٌ اخر متبقي لن استطيع رؤيتها فيه ، فحاولت ان استغل هذه اللحظة قدر الامكان كي اقلل اشتياقي لها .
ابتعدت عنها بعد فترة و وضعت كفيّ على كتفيها ونظرت لها وشبه ابتسامة مرسومة على وجهي .
- اعتذر ، ولكنني لم استطع المقاومة .
اشاحت بنظرها عني وابتعدت بعد ان قالت : اعتني بنفسك .. وداعاً .

ما صدر عنها كان خجلاً ، فانا رايت اذنيها التي تكاد تنفجر احمراراً ، وهذا جعل ابتسامتي تشق على وجهي شقاً " علاقتنا تتغير تدريجياً الان".


فوضى الفانيلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن