"الجزء السابع"

341 13 0
                                    


"دانيال"

جلسنا انا وامي وحدنا في غرفة المعيشة بعد خروج يوسف وامل معاً ، لا بدّ انهما يحتاجان بعضاً من الخصوصية ليخرجا وحدهما هكذا ، او ربما سيعترفان لبعضهما ، ففي النهاية كلاهما يحب الاخر .
- أمّي ؟ .
- هم ؟
- انني احب امل ، اتعلمين ؟ . " اخبرتها ودموعي تكاد تسقط"
- ماذا ؟ . " سألتني بانكار"
- نعم ، انني احبها ، اردت ان اخبر احداً بهذا ، لم استطع كتمان الامر بيني وبين قلبي فقط ، احتجت لاعترف بالامر بصوت عالٍ ، وانتِ هي الوحيدة التي استطيع البوح لها . 
- بني ، لا اعلم ما الذي عليّ قوله ، لكن لا بأس ، لا تبكي . "ربتت على على كتفي بسكينة"
- اريد نسيانها ، اريد بالفعل ، لم يكن عليّ ان التقي بها ابداً او اتقرب منها ، كنت اعلم بأن هذا سيحصل في النهاية .
- ولكن كيف حدث كل هذا ؟ هل احبتتها قبل ان تتزوج من يوسف ؟

اخبرتها من البداية ، الذكريات مرّت كشريط مصور ، لم استطع الاحتمال للحظات ، فبدأت بالبكاء ، ايقنت بأنني خسرت شيئاً مهماً في حياتي ، بل انا كنتُ خاسراً منذ البداية ولكنني لم ارد الاعتراف بالامر .
ما ان انهيت نظرتُ الى امي نظرة انسكار اسالها ما الذي عليّ فعله ، فأخذتني الى حضنها تربت بخفة على ظهري ، تخبرني بأن اصبر وبأنني سأجد الطريق الى الهدوء مرة اخرى ، ولكن كل ما عليّ فعله هو الصبر ، وهو ليس بالشيء الهين .
- لماذا لا نعود معاً الى كندا ونستقر هناك ؟ . "سالتني امي"
- لا اريد ، لمّ لا نستقر انا وانتِ معاً هنا ، ولكن في منزلي انا ، لن نبقَ هنا طيلة حياتنا ، اليس كذلك ؟
- ولكن ... سيكون بذلك اصعب على نفسك لنسيان امل .
- اعلم ، ولكنني لا اريد العودة الى ذلك المنزل ، اشعر بالانقباض ، اريد البقاء هنا ، لمَ لا تستقرين معي ؟ ها ؟ .
- سأبقى حيثما تبقى ، لن اتركك وحيداً بعد الان .

ابتسمتْ لي بطمأنينة ، هذا ما كنت بأمسِّ الحاجة لسماعه ، اصبحت خائفاً من البقاء وحدي ، بل التفكير بالامر يرعبني .
تحدثت بعدها امي عن مختلف الامور لتحاول ان تخرجني من شعور الكآبة الذي احاطني منذ عدة ايام ، شعرت بالراحة قليلاً للاستماع الى احاديثها ، صوتها بعث في نفسي السكينة حتى بدأت نبضات قلبي تعود طبيعية .
بعد مرور ما يقارب الثلاث ساعات عاد يوسف وامل الى المنزل ، وانضما الينا في الحديث ، شعرت بامي وهي تراقبني ، ظنت بأنني سأظهر ما يكشف مشاعري امامهما ، ولكنها لم تعلم بأنني اصبحت خبيراً في هذا الامر تحديداً .


"يوسف"

حاولت تهدئة امل بعد بكائها ، ولو كنت اعلم بان ذكريات صديقتها ستؤلمها ، لما كنت سأذكر السؤال ابداً ، عدت بها المنزل بعد ان استنشقت قليلا من هواء الليل العليل على اعلى التلة ، حاولت خلال الطريق ان احدثها بالكثير من الامور لعلها تخرج من مشاعرها ، واستجابت لاحاديثي بشكل جيد ، ولاعتقدت لولا انني رأيتها بانها لم تكن تبكي منذ دقائق مرت .
دخلنا المنزل و كان دانيال وخالتي اروى ما زالا مستيقظين ، انضممنا لهم في غرفة المعيشة وتحدثنا عن مختلف الامور ،شعرت بجو التوتر الذي بين دانيال وامه ، ولكنني لم أشأ بان اتدخل حيث اردت ان اعتبر لهم بعض الخصوصية .
توجهت انا وامل بعدها الى الغرفة لتنال هي قسطاً من الراحة ، فكما اخبرتني بأن لديها مناوبة صباحية .
- لا استطيع النوم ، استيقظت منذ ساعات معدودة فقط ، وليس لدي الرغبة في النوم ، ماذا افعل ؟ ."سالتني بملل"
- لا اعلم ، هل تريدين مني ان افعل لك شيئاً ما ؟
- لا ، انت نم فيبدو عليك التعب ، وانا سأحاول ان الهو قليلا حتى يعتريني النعاس .

اخرجت امل حاسوبها المحمول من الدرج وجلست به على السرير ، فتحت احدى حلقات ذلك المسلسل الذي ازعجني بطله بشدة ، طلبتُ مشاركتها بالمشاهدة حتى يغلبني النعاس انا ايضاً .
- اما زلتِ تظنين بان البطل وسيم ؟ . 
- وهل ستتغير الوسامة في كل حلقة ؟ اوه نعم ستتغير ، انه اوسم هكذا ، قصة الشعر هذه تناسبه جداً .
- لماذا ما زلت تفعلين هذا ؟
- وما الذي افعله ؟ انت هو الذي يغار من مجرد ممثل على الشاشة ، على تفكيرك ان يصبح متفتحاً اكثر ، ليس وكأنني سألتقي به في الواقع في احد الايام .
- وما الذي ستفعلينه ان التقيت به ؟
- يوسف ! كفَّ عن طرح مثل هذه الاسئلة الصبيانية ودعني اشاهد اخر حلقات هذه الدراما بسلام ، ان كنت تريد النوم و انا ازعجك فسأخرج ، لا باس .
- حسناً .. اعتذر ، سأشاهد بصمت حتى يغلبني النعاس .

ربما استمرت امل بالمشاهدة حتى انهت جميع حلقات المسلسل ، ولكنني انا لم اقوَ على اكمال اول حلقة ابتدأت بها ، حيث انني لا اتذكر من احداثها الى القليل القليل .


"امل"

بسبب نومي طيلة النهار لم استطع النوم ابداً في الليل ، واستمررت بمشاهدة الدراما حتى انهيتها بسلام ، كانت النهاية مأساوية بعض الشيء ولكن هذا جعل الاحداث اكثر واقعية .
بزغ الصباح بالفعل وانا اغلق حاسوبي ، فبدأت بالتحضير لمناوبتي الصباحية ، اخذت بعض الامور التي احتاجها ، فربما ازعج هذا يوسف واوقظه .
- كم الساعة الان ؟ اليس مبكراً على العمل ؟ ."سالني وهو يعبث بشعره الاشعث"
- اوقظتك ، اليس كذلك ؟ اعتذر .. ولكنني اردت ان اخرج بعد لملمة اغراضي جميعها حتى لا اعود الى الغرفة ، لاحضر الفطور لكم واذهب الى المشفى بعدها .
- الم تنامي منذ البارحة ؟
- لم استطع النوم .
- ماذا ؟ وكيف ستقومين بعملك الان ؟ كان عليك ان تأخذي مهدئاً للاعصاب او ما شابه ، ستهليكن اليوم من العمل بسبب قلة نومك .
- ليست وكأنها اول مرة ، لا تقلق ، استطيع تدبر اموري .

توجهت الى المطبخ بعد ان انهى يوسف محاضرته لي بذهابه الى الحمام ، وبدات بتحضير الفطوربهدوء تام ، لم أشأ ان اوقظ احداً اخر ، يوسف تاخر على الخروج من الغرفة ، فكتبت له ورقة اخبره بها بانني خرجت الى المشفى .
شعرت برغبة قوية اثناء قيادتي بشرب القهوة ، فتوقفت امام احد المقاهي واشتريت العديد منها وعدت بها الى الطريق نحو لمشفى ، استقبلني الاطباء المناوبين مناوبتين ، ليلة وصباحية ، بأحرّ تحيات الصباح وهم يشكرونني على اكواب القهوة ، وبدات بعدها العمل كما تسري العادة .


"دانيال"

استيقظت متثاقلاً على صوت منبه هاتفي المحمول بعد ان اهلكه الرنين ، كانت الساعة تشير الى السادسة والنصف صباحاً ، فأسرعت بالنهوض وانا اشعر بالغضب اتجاه نفسي ، انني لا احب ان اتاخر عن العمل ابداً .
عندما خرجت من الغرفة لمحت يوسف جالساً امام مائدة الطعام في المطبخ ، فاقتربت منه القي عليه التحية بعجلة .
- الى اين انتَ ذاهب متعجلاً هكذا ؟ 
- عملي يبدأ اليوم ، لدي مناوبة صباحية وسأتاخر ان لم اسرع ، اراك لاحقاً .
- ان امل بالعمل ايضاً ، ستراها هناك .

سمعت جملته الاخيرة وانا مهرولاً نحو الباب ارتدي حذائي ، توقفت للحظة لما اصابني من توتر ، ولكنني اكملت المسير بعدها .
وصلت باب المشفى متاخراً ربع ساعة عن الوقت الروتيني للمناوبة ، فشتمت نفسي بداخلي مرات عدة .
استقبلني احد الاطباء الزملاء المقيمين ، الذي يكبرني بالسن قليلاً .
- كيف لرئيس القسم بأن يتاخر هكذا في اول يومٍ له بعد غياب ؟
- اوه ، لا تذكرني ، اطلت في النوم دون ان اشعر وها هي النتيجة ، يبدو القسم مكتظاً ، ترحيبٌ بي ام ماذا ؟
- لا تسال يا رجل ، ربع الحالات منذ البارحة هنا ، والباقي كما تعلم ، يظنون بانه ليس لدينا عمل لياتوا ، انهم ليسوا بمرضى ، هذا دلال فقط ، ان العالم لم يبق فيه رجال ، من نسمة هواء يمرضون ؟ ."تحدث بتذمر"
- لا تتعب نفسك بالشكوى يا رجل ، ما الذي علينا فعله ؟ العمل هو عمل . لننتهي منه بسرعة .

بدلت ملابسي بسرعة ، واستلمت ثلاثة مرضى دفعة واحدة ، كما قال زميلي بالفعل ، ان امراضهم طفيفة جداً ، لمَ يصبح الجميع قلقين على صحة انفسهم فجأة هكذا ، لدينا بالفعل ما يكفينا من العمل ، ان المشفى ليست فندقاً او متنزهاً للترفيه .
- دانيال ؟ . 
التفت الى الخلف باتجاه الصوت الذي وترني للحظات .
- ما الذي تفعله هنا ؟ هل بدأت اليوم ؟ ."سالتني امل باستغراب"
- اوه نعم ، تعلمين كمدير قسم لا يجب ان اطيل بالاجازة ، فتراكُم العمل عليّ سيزداد .
- لا تقلق ، سأساعدك بالذي اقدر عليه من هذه الناحية ، ولكن العمل مكتظ اليوم ، ها ؟
- كما تسري العادة طبعاً .

ابتسمت لي بودّ وعادت لتكمل عملها ، نفسي بدات تحدثني من جديد مكررة " عليكَ ان تناسها يا دانيال ، عليك ذلك ، انها كأختك بل اختك تماماً " .

فوضى الفانيلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن