"الجزء الخامس"

411 15 0
                                    


    يتقدم الرجل الشاب اليهما ، نظراته لم تفارق دانيال في البداية ، ثم نقلها الى امل لتظهر ابتسامة على محياه ، بقيت نظراته معلقة بين نظرات امل ، حتى لم يرَ اي ردة فعل بسبب صدمتها فلوح بيديه امام وجهها لعلها تخرج من شرودها " هييه امل؟ ، هل تسمعينني ؟ .. امااااال ؟ هههههه " ، يتبسم ضاحكاً من ردة فعلها لدى رؤيته .
امل : يوسف ؟ ، اين كنت بحق الله ؟ ، لمَ غبت كل هذه الفترة دون اي خبر ، الم تعلم كم كنت قلقــ... آآممم اقصد كنا قلقين عليك ، هل انت بخير ؟
يوسف : نعم انا بافضل حال ، اعتذر ولكن هناك ظروف اجبرتني على الاختفاء دون اي خبر مسبق ، لذا غادرت بهذه الطريقة .
قاطع دانيال امل عندما كانت تهم بالتحدث : وهل ستعمل هنا الان ؟
انتقلت نظرات يوسف اليه التي تحمل حقداً وكرهاً اكثر من ذي قبل ، رافعاً شفته العليا جانبا مظهراً ابتسامة تحدٍ : نعم ، ساعود الى هنا " والتفت الى امل مبتسماً" واخيراً .
لاحظ دانيال كيف هي النظرات بين امل و يوسف ، نظرات لم يستطع ان يتغاضى عنها ابداً ، كلا النظرتين بينت له ملامح الشوق من خلالهما ، مما جعل ذلك قلبه يتراقص قلقاٌ من فقدانه لامل ، لن يستطيع تحمل ذلك ... ابداً .


"دانيال"

عندما التفت الينا ، والتقت نظراتي بنظراته ، شيء من القلق وجد طريقه ليتسرب الى حجرات قلبي الاربع ، وشهقة امل تلك التي تنم عن مفاجئتها البحتة لم استطع ان اتغاضى عنها ، فتحولت نظراتي القلقة لا ارادياً اليها .
رايته كيف يتقدم ونظراته لي باردة ، بها قسوة لم اعهدها به ابداً ، ولم اكن لاتخيل منه تلك النظرات ، حتى تحولت نظراته وامتلات دفئاً وحنيناً حينما نقلها الى امل .
ما زالت متصنمة ، ربما لم تسطع تصديق ما راته عينيها في بداية الامر ، حتى خرجت من افكارها ومشاعرها التي غزت عقلها ، وربما قلبها كذلك .
لم استطع تحمل تلك الكيمياء التي انبعثت من كليهما ، لذا حاولت ان اقاطعهما قدر ما أُوتيت به من استطاعة .
امل : ستبدا العمل اليوم ؟
يوسف : لا ، اتيت فقط لاجري بعض المعاملات التي تبقت ، واتيت لاراكم ، " اقترب منها اكثر" ، لنلتقي اليوم ، ما رايك ؟
- عندما رايته يقترب منها اشعل ذلك النار في قلبي ، بل بجسدي كله ، ولم استطع ان اوقف جسدي على التحرك ليقف في المنتصف بينهما ، مما جعل يوسف يرفع نظره الي لتظهر تلك الملامح الباردة مرة اخرى ، ومما زاد من فاجعتي امل حيث اجابته متناسية متغاضية عن وجودي بينهم " مممم في الواقع ... ، لا ، لا باس ، ما رايك بعد انهاء مناوبتي "تنظر لساعة يدها" ، تبقت فقط ثلاث ساعات ، لذا هل ستكون متفرغ بعد هذا الوقت ؟"
يوسف : بالطبع ، وان لم اكن ، ساقوم بالتخلص من كل التزاماتي ، اعطني رقم هاتفك لاستطيع التواصل معك بعد انتهاء عملك .

شعرت بان وجودي كالاشباح ، بل كنت شبحاً ، هي الان حتى لا تراني ، ومنذ اول لقاء لهما ، كيف ان التقيا يومياً .
رايتها تعطيه رقم هاتفها وتاخذ الخاص به كذلك ، ليودعها ملوحا بيده ويغادر المشفى ، مما جعل بعض اعصابي تتفلت " لم كل ذلك الاهتمام ، حتى انك اعطيت رقم هاتفك له ؟ ما الذي دهاكِ امل ؟ " تحدثت اليها ونبرتي تعلوها بعض الحدة ، مما جعل تقاسيم وجهها تتقمع بشكل طفولي متحير " وما الخطا في ذلك ، لقد كان زميلاً لي في ذات مرة ، بل ربما اصدقاء ايضا" ، فانتبهت الى الذي تفوهت به " اعتذر لم اقصد ذلك " ، ورحَلَت .

لتجعلني اغوص في دوامة افكاري ومشاعري ، ليته كان لا باس به يا امل ، ليتك تعلمين بالذي اشعر به حالياً ، هنالك نار تاكل بعضها بعضاً في قلبي وتحرقه وانت تقولين لي " وما الخطا في ذلك ؟" ، بل ذلك هو الخطا بعينه ، ان لم يكن خطأً فما هو الخطأ اذاً ، انه خطأ ان تفكري بأحدٍ آخر غيري انا .


________


انتهت نوبة امل الثانية وتوجهت لتسليم نوبتها لطبيب اخر ، كان دانيال كذلك يسلم نوبته ، فنظرت اليه امل مبتسمة بعد انتهائها " اراكَ لاحقاً ، اهتم بنفسك ، وداعاً" ولوحت له بيديها مغادرة باب قسم الطوارئ .
توجهت الى المكان الذي تركن فيه سيارتها وهي تحاول الاتصال بيوسف ، كان دانيال يلحقها دون ان يعلم السبب او ما الذي سيفعله بلحاقه لها ، ولكن كل ما فعله هو اتباع غريزته العاشقة لا اكثر .
صعدت امل الى السيارة وكذلك دانيال ، وتوجه كل منهما الى المكان نفسه ، حتى توقفت سيارتيهما عند احد المقاهي التي تقع على قارعة شارع رئيسي لتحظى بمجالس مفتوحة .
لمحت امل يوسف يجلس على احد الطاولات الخارجية وهي تركن السيارة باعتدال ، فترجلت منها متجهة اليه ، اما دانيال فبقي بالسيارة وركنها بمكان يمكنه من مراقبتهما جيداً.
مضت الساعة ولحقتها نصف اختها ، وكلاهما يتحدثان بانفعال ظاهر .
امل : اوه انا اسفة ، اذا هذا هو الامر الذي جعلك تغادر هكذا اذاً ؟ ، ولكن كان عليك اخباري او ان تحاول ان تبعث لي برسالة الكترونية او نصية او تخبر اي احد ، اختفاؤك فجاة اثار قلق الجميع .
يوسف : اعتذر ، اعتقد بانني كنت مخطئا في تحليل بعض المواقف .
امل : آآه ، لا لا ، لا باس ابداً ، المهم انك بخير الان ، اخبرني كيف هي اوضاعك؟.

بعد مضي الوقت ، ودانيال يراقب ، استقامت امل فعلم انها مغادرة ، وتوجهت الى سيارتها ، اما هو فشغل المحرك منطلقاً بسيارته الى منزله البارد ، ليلقي بثقل مشاعره البائسة على السرير ، يناشد النوم لياتي ويحلق به بعيداً عن واقعه المرير مستدعياً شريط ذكرياته .

بعد مرور بعض الساعات المريرة ، استيقظ دانيال من نومه قلقاً رغم تعبه واهلاكه، احلامه ، بل كوابيسه اوقظته من سبيله الوحيد للراحة ، ولم يستطع العودة الى النوم الا بعد زمن اهلكته فيه افكاره ومشاعره المتخبطة .

مرت عطلة دانيال وكانها لم تمر ، اما بالنسبة الى امل فكانت طبيعية ، بل اكثر من طبيعية في حالتها ، لانها واخيرا علمت اين وكيف هو يوسف ، وهذا ازاح الكثير من افكارها التي تشغل بالها في هذا الموضوع كثيراً ، حيث تفرغت اكثر لدراسة الماجستير الخاص بها .

المشفى تعج بالمرضى كعادتها ، والجميع مشغول في القيام بعمله ، بدات مناوبة دانيال المسائية وكانت امل ما زالت تعمل في مناوبتها الصباحية ، ولكن مع وصول دانيال ،وصلت سيارة الاسعاف بصوتها المدوي حاملة معها ضحية حادث سير ، فجعلوا دانيال يتولى الامر ، الا انه رفض مدعياً ان صداعاً يغزو راسه ، في محاولة منه للتهرب من عمليات حوادث السير ، لينسى امر الحادث الذي قام بفعله لضحية وتوفيت ، الا انه لم يكن في هذه المرة مجالاً للمناقشة ، نقص كبير في الاطباء ، ولم يكن وقتها سوى طبيبن بالاضافة اليه مختصين باجراء عمليات جراحية باطنية ، ولكن كلا الطبيبن مشغولين ، فاضطر وهو يعض على اسنانه على الموافقة ، مما زاد مشاعره سوءً وازداد غضبه .

علمت امل ان دانيال يجهز لخوض العملية ، فذهبت هي الاخرى وتجهزت للدخول معه في العملية لتقديم العون فقط بعد تبديلها مع الطبيب الاخر .
رات كيف دانيال يدخل غرفة العمليات مرهقا ومتعباً ، فتقدمت منه وتوقفت امامه ، مما جعل انتباهه يشد نحوها ، فرآها كيف تبستم ابتسامة طمانينة ، وتحاول ان تبعثها في حجرات قلبه الجافة ، ولكنها لم تر ردة الفعل التي كانت تنتظرها ، وبدون شعور منها تقدمت يدها ولمست ساعده تطبطب عليه بهدوء ، مما جعل نظره يلتفت الى مكان حركة يدها الدافئة ، فانتبهت هي الى حركتها فحاولت استرجاع يدها الا انه امسك بمعصمها بسرعة ، "قليلاً فقط " ناشداً بعض الثواني منها ولكن ما ان مضى القليل من الثواني شعرت هي بيدها تسحب وشعر هو بجسده يدفع للوراء ، وما ان شعرا بالموقف وجدا يوسف يقف حائلا بينهما وهالة من الغضب تحيط بجسده اجمع .


"يوسف"

عندما وصلت الى المشفى ، قمت بالبحث عن امل عند اعلامي بانها  لم تنهي مناوبتها بعد ، ومن ثم سمعت  انها ذهبت لتتحضر لتكون مساعدة في عملية حادث سير ، فقمت انا الاخر بالتبديل مع احد الاطباء المساعدين بعد زمن من المحاولات ، وذهبت لاتحضر للعملية ، وما ان وصلت الى الغرفة لمحت من زجاج الباب دانيال وهو ممسك بيد امل ، لم اتحمل الموقف بتاتاً ، ولم اتحمل فقدان شخص اخر عزيز على قلبي ولصالح نفس الشخص ، فتوجهت اليهما والغضب يعتريني وقمت بسحب معصمها من بين يده وقمت بدفعه الى الوراء واقفاً بالمنتصف حائلاً بينهما ، في ذلك الموقف مشاعري لم تتحمل حتى ان ينظر اليها بتاتاً ، اما هو فلم يبدي اي ردة فعل ،بقي ساكناً في المكان الذي دفعت به اليه ، فاعتلتني بعض الغرابة الا انني تغاضيت عنها وهممت بسحب امل ، حتى شعوري بقوة احالتني عن فعل ذلك ، فالتفت خلفي وكانت امل هي التي تقف تنظر الى دانيال بنظرات تملؤها الشفقة والحزن ، رغم ان معصمها مسجون بين اصابع يدي الا انها ربما لم تنبته الي ابداً ، فقمت بشدها بقوة اكثر حتى افلتت معصمها من يدي عنوة " انتظر قليلا فحسب " ، ورايتها تقترب منه مرة اخرى ، لوحت بيديها امام وجهه لعله ينتبه لها وينتهي من شروده الذي اغاثني في تلك اللحظة .

ما ان مضت بضع ثوان حتى رفعت نظرها اليه " هيا لنبدا بالعملية ، نحن لا نريد ان نضع المريضة في خطر اكبر ، مختصو التخدير قد انتهوا من عملهم منذ برهة " سمعتها تحدثه وابتسامة رقيقة تبعث في رحيقها الطمانية بانت على مرسم شفتيها ، الشيء الذي جعل غضبي يزداد حدة ، فتقدمت الى حيث تقف وحدثتها " انا ساخذ مكانك فاخرجي انت الان " ، ولكنها اجابتني بكل بساطة " لا استطيع ان اترك دانيال وحده لذا لا باس " ، وانهت جملتها بابتسامة حاثة دانيال على التقدم دون ان ينبس هو الاخر ببنت شفة






فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now