"الجزء الثالث"

363 14 5
                                    



"امل"

بعد ان انقضت ايام اجازتي ، توجهت الى المستشفى لابدا مناوبتي الليلية ، لحسن حظي بانها ليلية ، لانها ستكون كثيرة الفوضى والازدحام ، مما سيجعلني افرغ طاقتي السلبية كلها .
بعد ان ارتديت ملابسي بسرعة توجهت الى احدى الغرف التي تعج بالمرضى ، فسمعت احدى الممرضات تنادي علي لاتوجه الى المريض التي تعتني به ، وما ان هممت بان اقترب منه شعرت بيدٍ تسحبني خارج الغرفة ، وعندما رفعت نظري كان دانيال فبدأت ضربات قلبي تضطرب توتراً " لابد انه علم بالامر" هذا ما استنتجته .
توقفنا في احد الاركان الخالية من اي احد ودفعني الى الامام بقوة .
- هل ما سمعته صحيح ؟ بانكِ انتِ ويوسف مخطوبان الان ؟"سالني بنبرة عالية"
مضت عدة ثوانٍ حتى سمعته يصرخ مرة اخرى : ما الذي حدث ؟ اخبريني ، هيا
توترت قبل ان اجيبه ، فصراخه كان مخيفاً بالنسبة لي
- نعم ، تمت خطبتنا قبل عدة ايام .
- وكيف حدث هذا ؟ الم يكن يرعبك ويخيفك بتصرفاته ؟
- كان لديه سببه وقتها ، اما الان قد تغير كل شيء
"بنبرة حادة" : لا تكذبي علي ، لابد ان امراً ما حصل بينكما جعلك تتخذي هذه الخطوة وبسرعة ، لذا ما الذي حدث "اقترب مني ومسك بمعصمي الاثنين بقوة ، واكمل صراخه " اخبريني .
رفعت نظري اليه اراقب غضبه ، غضبه الذي كان يشتعل حينها آلمني ، لا استطيع ان اخبره بالسبب الحقيقي لذلك ، وان علم بالامر امراً سيئاً سيحدث حتماً .
ما زال يصرخ وهو ممسكٌ بي ويهزني من معصمي ، وانا ما زلت على حالة صمتي ، حتى شعرت بنفسي اسحب بعيداً عن وجهه الغاضب وادفع الى الخلف ، فلمحت دانيال يهم بضرب يوسف الذي اتى على حين غرة ، فاقترب منه ومسكه من ياقته وهو يصارخ : ما الذي فعلته لها بحق الله ما الذي هددته بها لتوافق على شخصٍ تافهٍ مثلك انت ؟
- مممم ان علمت بالامر فلن يعجبك صدقني .
وما ان انتهى يوسف من جملته وجهت اليه قبضة كادت ان تخلع فكه السفلي كله وانهال دانيال على يوسف بالضرب وهالة الغضب تلمع كأنها ناراً حوله .
لم استطع ان اوقفه في تلك اللحظة ، وفي الواقع لم احاول ايقافه ، لم اعلم لمَ ، ولكنني شعرت حينها بان على يوسف ان يدفع ولو قليلاً ثمن ما فعله بنا ، ولكن سرعان ما استيقظت من تلك الافكار الحاقدة ودفعت دانيال بعدياً عن يوسف بكل قوتي .
- ارجوكم كفا عن الشجار وضرب بعضكم البعض كلما التقيتما ، الا تستطيعان ان تفهما بعضكما البعض ؟ ما هو الماضي الذي يجمعكما بحق الله ؟ انا حقاً تعبت من كليكما .
- اذاً لمَ تزوجتي هذا التافه ؟ لمَ تجعلينه يفعل اياً كان بكِ ؟
- وما دخلك انت ؟ امل الان اصبحت ملكي لذا لا تقترب منها ، بل ولا تتجرأ على النطر اليها .
هم دانيال بالتحدث الا انني قاطعته قائلة : انا لست بسلعة يقال لها ملكي وملكك ، هذا قراري وهذه حياتي ، لذا لا تدهورانها اكثر من هذا .
- اذاً امل وانا ؟ ما الذي سيحصل لي ؟ ما الذي سيحصل لحياتي الان بعد ان تدمرت ؟
عيوني بدات تمتلئ بالدموع وقتها ، دانيال كان شخصاً عزيزاً على قلبي وما زال كذلك ، لا اكذب بانني اعجبت به لبرهة ، لكن فعلة يوسف دمرت كلا حيواتنا نحن الاثنان ، وربما اشعر بألم دانيال ، ولكن ان لم افعل ذلك فسيتدمر هو .
بعد ان غاب صوتي لعدة ثوان ولاحظ كلاهما دموعي ، اقترب مني دانيال قليلاً وقال : هااا امل ؟ ما الذي سيحصل لي ؟ اخبريني .
- اعتذر لك دانيال ، ولكن لا استطيع ان افعل اكثر من هذا لك ، ارجوك ان تتفهم .
- ومالذي فعلتيه لي ؟ "فكر لبرهة ثم اكمل " اجبرك على فعل ذلك ، اليس كذلك ؟
قاطع حوارنا المأساوي يوسف ، الذي ما لبثت ان اتحدث الا وسحبني خلفه ، فسمحت لذاتي بان تنقاد خلفه وسمحت لدموعي بان تسقط الماً على دانيال .

"دانيال"

بعد ان علمت بامر الخطوبة عشت بظلام حالك والم مأساوي لعدة اسابيع ، ما زلت لم استطع استيعاب بانني فقدت املي الوحيد في هذه الحياة البائسة ، يوسف قد قام بأخذ كل ما املك .
انقضت عدة شهور على خطبتهما ، وانا اسير كالجثة ، جسد بلا روح تماماً ، اصبحت لا اطيق الذهاب الى العمل ولكن ان بقيت لوحدي في المنزل لا اعلم ما الذي ممكن ان افعله ، لذا اقضي معظم وقتي اعمل وغالباً ما اصبحت ابيت في المشفى ، كرهت البقاء وحيداً .
سمعت من احدى الممرضات بان زواج امل قد اقترب ، وزاد الامر معي اختناقا ، كلما اراها مع يوسف اشعر وكأن هناك صخرة صلبة واقفة في حلقي لا تسمح لي بالتنفس ابداً ، انا اتألم . 


    ______________________________________________

بعد ان انتهت مصففة شعر امل من عملها اخرجتها من شرودها لجعلها ترتدي فستانها الابيض، فقامت امل طواعية وارتدت الفستان .
لم يرضَ يوسف بان تذهب امل الى اي صالون تجميلي ، حيث اخبرها بانه سيقوم بجلب كل ما تحتاجه وهي في غرفتها كي لا تشعر باي ضيق او تعب .

بعد ان انتهت من ارتدائها  الفستان دخلت امها غرفتها وبدأت بالبكاء لفرحتها ، كذلك الحال عند اختيها ، مما جعل عينيها تدمع ألماً وقهراً ، هي ارادت ان تحظى بزفافٍ حقيقي ان تزوجت ولكن الامور آلت لهذا الزفاف المحطم والمزيف .

خرجت امل من غرفتها بعد ان وضعت آخر اللمسات وتوجهت الى حيث يوجد قريباتها ، القت عليهن التحية وقمن هن بالقاء المباركات عليها ، ثم قمن بتغطيتها ووجهتها اختها الى السيارة حيث يقف لديها يوسف .

"يوسف"

وانا خارج منزل امل اقف مع والدها وبعض اقاربها انتظر خروجها بشوق ، رأيتها تخرج وهي تسحب فستانها خلفها ، وهي تسحبه بانت احدى اطراف حذائها ، فقلقت ان ترفعه اكثر دون ان تشعر وتبان اقدامها ويراها الرجال الاخرون ، فاقتربت منها وساعدت اختها على ادخالها في السيارة .
في الواقع قمت باختيار سيارة ذات سقف متحرك ، ولم اختر احداً ليساعدني على القيادة ، اردت ان اكون معها وحدي .
واثناء قيادتي بها الى قاعة حفل الزفاف ، استرق بعض النظرات اليها ، رغم انني لا ارى من وجهها اي شيء ، وهي لم تنبس ببنت شفة منذ جلوسها ، لكنني لاحظت عليها كيف تحاول ان تمسك بالغطاء الموجود على رأسها الذي يكاد ان يطير بسبب الهواء ، فقمت بإغلاق السقف .
- هل هكذا افضل ؟ "سالتها"
لم تجبني ولم تقم بفعل اي حركة ، ولكنني لمحت كيف تفرك يديها توتراً وربما خوفاً مني .
قمت بتشغيل الراديو وقلت : ارجوكِ لا تتوتري ، كل شيء سيكون على ما يرام .
اخبرتني بنبرة متوترة : وكيف سيكون كل شيء على ما يرام ، لقد تم الامر وانتهى.
- نعم بالفعل ، لذلك اخبرك الا تبقي على هذه الحالة .

بعد ان وصلنا الى قاعة حفل الزفاف ، استقبلنا اقاربنا وبدأوا بزف كلانا ، يدها بيدي نمشي على البساط المفروش امامنا ، تقبض حينا بيدها على معصمي ثم ترخيها بعد عدة ثوانٍ ربما دون شعور منها ، وما ان اقتربنا الى نقطة محددة بدأت الالعاب النارية تطلق في السماء وفور انطلاقها ، شعرت بفزعتها حيث توقفت عن التقدم وشدت قبضتها اكثر على معصمي ، فسحبت يدي باتجاه قبضتها و ربت عليها وهمست لها بجانب اذنها : لا تخافي ، مجرد العاب نارية . فاومأت لي برأسها ايجاباً وعدنا للتقدم حتى وصلنا الى القاعة .
ادخلونا في البداية الى غرفة التصوير ، كنت في الخارج انتظرها وما ان تم اخباري بانها استعدت دخلت الى الغرفة لنبدأ الجلسة ، وما ان وقع نظري عليها وهي تقف بمحاذاة المرآة تستعد للتصوير  اخرجت شهقة تنم عن تفاجئي وتوقفت عن التنفس ، فنظرت الي بغرابة فخرج من فمي دون وعيٍ مني : انت جميلة بحق !


فوضى الفانيلياWhere stories live. Discover now