الفصل السادس

943 52 4
                                    

#الفصل السادس
#وجوه خادعه
#سلسة للقدر آراء أخرى
#ناهد خالد
       خرجت ليل من المستشفي بعدما أزالت جبيره قدمها أخيراً، اتجهت للخارج بقدم متعرجه قليلاً وهي تمسك بيدها عصاه تسند عليها وخلفها حياة تحاول اللحاق بها، هتفت حياه بضيق:
_يابنتي انتِ رايحه فين؟
قالت ليل بلهفة :
_أنا ما صدقت فكيت الجبس، لازم اروح لآدم، كلمي أسر اسأليه لو معاه في الجهاز.
زفرت حياه بسأم وحدثت أسر وأخبرها بوجوده في الجهاز، فطلبت ليل من حياه إيصالها إليه، وبالفعل وصلت ليل للجهاز وكان أسر بانتظارها.
قالت بابتسامه وهي تصافحه :
_ازيك يا أسر؟
صافحها مردداً بابتسامه عابثه:
_ازيك انتِ ياليل؟، قوليلي انتِ واثقه من مجيك هنا؟
زفرت بضيق قائله:
_بقولك اي، خطيبتك اهي حل عني انا بقي وملكش دعوه.
من ثم تركتهم وصعدت لأعلي
وقفت أمام مكتبه وشكرت العسكري الذي كلفه أسر بإيصالها، تقدمت بخطي بطيئه متردده، تبتلع ريقها بخوف وقلق، دقت الباب فأذن بالدخول، ارتجف جسدها لسمع صوته الذي اشتاقت له كثيرا ً، فتحت الباب فوجدته يطالع الأوراق التي أمامه علي المكتب، دلفت بخطي بطيئه وصلت أمام مكتبه فهتفت باضطراب وتوتر :
-آدم.
وصل صوتها إلى أذنيه، فسارت رعشه خفيفه في جسده وأغمض عينيه مستمعاً بصوت حرمه علي نفسه لشهر كامل، تنهد بداخله بعمق استعدادا للمواجهه، ولكي يستعيد توازنه ويدعي الجمود أمامها، فتح عينيه ورفعها ببطئ ينظر لها، وجدها تستند علي عكاظ من الناحيه اليمني لايدري ما أتي به لها، فهو يتذكر جيداً أن الطبيب لم يذكر له كون قدمها أُصيب، أو ربما لم يعطي هو له فرصة، ذرعها مازال في الرباط المعلق برقبتها، أختفي الجرح أسفل عيناها وزالت الرابط حول رأسها، نعم نظراته شملت كل أصابتها وكأنه يطمئن نفسه أنها أصبحت بخير ولو قليلاً، ولكن لم يمنع ذلك من تؤلمه من مظهرها فهو لم يعتادها ضعيفه تتسند لكي تسير، لم يلاحظ اقترابها أكثر وأكثر فقط عيناه تتابعها دون شعور، حتي أنها التفت حول المكتب ووقفت أمامه تماماً، وقف بدروه يقابلها وعيناه الآن فقط التقت بعيناها، رأي بها الحزن والترجي والتوتر أيضاً، ورأت هي وبوضوح رغم محاولاته في الجمود لمحة اشتياق مع الخذلان والعتاب ولكن شجعتها تلك النظره قليلاً لتكمل ما بدأته، قطع هو كل هذا بصوت ظهر به جمود واهي : جيتِ لي؟
_عشانك.
كلمه بسيطه ولكن أثارت مشاعره بشكل ما، حسناً تجيد هي اللعب ب الكلمات، وعليه الصمود أكثر أمامها.
_عاوزه اي يا ليل؟
ردت هي بشجن مسيطر عليها لرؤيته بعد كل هذا الغياب :
_عاوز الرائد ادم الصياد اللي وقع في حب الليل.
زفر بعنف وهو يتحرك من أمامها يتجه للنافذه الموجودة بالغرفه فحصونه تنهار وهو يجاهد للبقاء جامداً متماسكاً أمامها، ولكن إن ظل أمامها أكثر من ذلك لن يؤمن لقلبه الخائن، نعم فقلبه ولأول مرة بحياته يخونه ويتحالف معها، وقف أمام النافذه ينظر للخارج بشرود مردداً بألم :جايه تطالبي بيه دلوقتي، م انتِ اللي نهتيه ، وبسببك كرهت كل يوم جمعني بيكِ، وكرهت قلبي اللي حبك في...
قاطعتها ليل بثقه :
_كداب
اتجهت له بعصبيه وأدارته إليها وهي تهتف بشراسة لم يراها بها من قبل :
_انت مكرهتنيش ولا هيحصل، انت بتحبني، ولو قلت عكس كدة تبقي كداب، ثم اني مش فاهمه اعمل اي اكتر من كده عشان تسامحني، شهر كامل بلف وراك وكل شويه مكالمات ورسايل واكلم أسر وحازم عشان حد يوصلني بيك، وانت بتبعد أكتر، انت لي مش عاوز تفهم اللي قولتهولك، انت لسه شايف بعد اللي قولتهولك في المستشفي اني كان قصدي اخدعك!، لسه شايف اني مذنبه واني كنت قاصده اي حاجه حصلت!
كان يستمع له وعيناه متسعه من شراستها الغريبه عليه، ووجها الذي أحمر من الانفعال، والان بعد ان انتهت تلتقط أنفاسها المهدره بعنف، لم يعي بنفسه وهو يتمتم :
_شرسة
قطبت حاجبيها بتساؤل تحاول فهم ما قاله ولكن لم تستطع فهتفت :
_قولت اي؟
رفرف بأهدابه يستعيد نفسه ومن سيطرتها علي حواسه، أشاح وجهة للجهة الأخرى مرة ثانيه وهو يقول بجمود استعاده:
_مش قادر اسامحك ياليل، ولو أنتِ شايفه أن الي عمليته حاجه هينه او مش مستهله كل اللي بعمله، تبقي كارثة.
أغمضت عيناها تزفر ببطئ وقالت برجاء :
_آدم أنا عارفه ان اللي حصل مش سهل، بس أرجوك دي أول غلطه ليا، هي كبيرة اه، بس والله بدون قصد انا حكيتلك الظروف، فعديها ليا كفايه الشهر اللي فات في بعدك عني، لو بتحبني بجد عديها، أو ع الاقل أدى نفسك فرصة تسامحني.
_مش هقدر.
ارتج جسدها بغضب وغصة مؤلمة اجتاحتها وهي تهتف بصوت غاضب مرتفع نسبياً التف آدم لها علي آثره:
_أنت محبتنيش يا آدم، أنت كداب، من دقايق كنت بقول عكس اللي بقوله دلوقتِ، بس كنت غلطانه، أنت محبتنيش، اللي بيحب حد بيسامحه مهما غلط، اللي بيحب حد بيحاول ع الاقل يبذل كل جهده في المسامحة، دايماً قلبه بيخونه ويغفر، علي قد الحب بيكون السماح، ممكن يكون الشخص التاني غلطان ومش معترف بده او بيبجح وبيعاند، بس برضو تلاقي نفسك مش قادر متسامحوش حتي لو باين عليك العكس، ما بالك بقي بشخص معترف ومقدملك كل مبرراته وبيترجالك تسامحه، وانت معاند ومكمل، يمكن يكون في خلاف بين عقلك وقلبك بس طول ما عقلك منتصر اعرف انك محبتنيش كفايه او محبتنيش أصلاً، لأن في الحب القلب اللي بينتصر، فقولها بدل ما ذللني ليك كده، قولها عشان اعرف اني بعافر في حاجه مش موجوده.
ابتلعت ريقها بألم أثر صوتها المرتفع وغصة البكاء المسيطره عليه، ظل آدم ينظر لها بآلم يفوق آلمها، مظهرها بعث انزارات لقلبه من خسارتها، فهي قد شارفت علي فقد الأمل واتجه تفكيرها لمنحني آخر أن تمكن منها لن تعافر بعد الآن، عيونها الحمراء الممتلئه بالدموع التي تحاول حبسها، وعروق رقبتها النافرة بوضوح لتؤكد علي تحكمها بالبكاء، ناهيك عن وقفتها التي بدا عليها الوهن واضحا ً، وبالفعل صدق في رؤيته فكانت ليل تتماسك بصعوبة، فهي قد أجهدت نفسها وضغطت علي أعصابها بعد فترة مرض مرت بها ومازال جرح رأسها يؤلمها قليلاً، استندت علي العصاة بصعف بدا رغم محاولتها إخفاءه، اقترب منها آدم مردداً برفق مناقض للموقف :
_اقعدي ياليل.
قالها متجها ً للمقعد أمام المكتب كأنه يحاول أن يدعي اللامبالاة، ولكن بالأصل هو خشي عليها حين رأها هكذا، اتجهت ببطئ تجلس أمامه يفصل بينهم مسافه صغيره  فارغة فهى حقآ تحتاج للراحة منعاً للسقوط أمامه الآن، هتفت بإجهاد و نفاذ طاقة :
_آدم، آخر حاجه هقدر اعملها اني اقولك حاول تقول كل اللي بييجي في بالك لما تقعد بينك وبين نفسك، قول كل الأسئلة اللي عقلك بيسألهالك، وانا هجاوبك بأمانه، ولو مقتنعتش....... يبقي مش هقدر اعمل اكتر من كده، واعمل وقتها اللي تشوفه صح.
ها قد حدث ما خشاه من ثواني فقط، هي لن تعافر أكثر، وللحقيقه هو لن يستطيع التخلي، بالأساس هو بالكاد يصمد أمامها حتي لا تنهار حصونه ويشبعها من خوفه عليها واشتياقه إليها، حسناً سيفعل ما قلت علَّ عقله الأحمق يقتنع.
_لي ما قولتليش؟
قررت أن ترد وكأنها متهم وهو يستجوبها فقالت بتقرير:
_عشان حازم طلب مني مقولش بسبب علاقتك بزين، اعتقاد مني ومنه ان علاقتي بيك مش هتعدي الشغل اللي مش هيعدي كام مره  يمكن نتقابل فيهم ويمكن لأ، كنت هتشك فيا، او هترفض التعاون أصلاً، خصوصاً انك مش بطيق سيرته ولا حد تبعه وحازم كان فاهم ده، وبعد كدة كل حاجه جت ورا بعض وأنت كنت مجرد شخص اتعرفت عليه وبينا شغل، أكيد مش هقعد أحكيلك قصة حياتي.
_ولما مشاعرك اتغيرت ناحيتي، وحسيتي بمشاعري أنا كمان!
_كل ده حصل في يوم واحد، يوم الحادثه، انا وأنت مشاعرنا فجأتنا، وبعدها أنت اختفيت تماماً، وبرضو مكنتش لسه قولت حاجه عشان يبقي المفروض عليا أقولك، افرض مكنش في مشاعر جواك ناحيتي! وانا فسرت غلط!
تلجلج آدم قليلاً وهو يري انفلت زمام الأمور من يده، وانحراف الأمر لصالحها هي،خصوصاً مع نظرتها الواثقة وكأنها مستعده لأي شئ، فتسائل بخفوت :
_ولما صارحتك يوم الخطوبه، وأنت ِ اعترفتي بمشاعرك، مقولتيش لي؟
هتفت باستنكار :
_اقولك امتي! يوم خطوبة أختي؟ ده وقته أصلاً؟ ع فكره أنا مكنتش عاوزه اعترفلك وقتها بحاجه بس سكوتي كنت هتفسره غلط، وكان الموضوع هيتعقد، قررت اعترف وتاني يوم أو بعد الخطوبه أطلب أتكلم معاك واحكيلك كل حاجه، ثم إني قولتلك في حاجات كتير متعرفهاش عني بس مش وقته هحكيلك كل حاجه بعدين، حصل!؟
توتر في رده وهتف:
_ايوه، لما قولتي انك شوفتي كتير في حياتك.
ابتسمت بثقة وهي تنظر له منتظره سؤال آخر أو ربما .. قرار.
زفر بضيق وهو يهتف باقتضاب بعدما تحطمت جهته :
_عاوزه أي أنتِ دلوقتِ؟
بنظرة وديعة دعمتها بابتسامة ساحرة وهمس مغري :
_تسامحني.
ابتسم بحب ونطق كالمجذوب لتلك الساحرة التي أمامه :
_سامحتك.
انفتح الباب وطل منه مجذوب آخر ولكن بمعني آخر أيضاً يهتف بمرح :
_سامحتك.. سامحتك.. بقلبي الكبير
ومش غصب عني... ولا ضعف مني... ولكن لأني بحبك كتير كتير.
أشاح أدم رأسه بتأفأف ليقول حازم سريعاً :
_لا وحياة أبوك، ده انا بقالي نص ساعة بره مستني اسمع ضحكه ولا زغروطه عشان ادخل اخد دوري.
تساءلت ليل باستغراب:
_عرفت منين اني هنا؟ ومدخلتش لي؟
_شوفتك وانتي داخله، قولت اسيبك تمتصي غضبه وتصالحيه ويهدي بعد ما يطلع جنانه عليكي وادخل انا.
هتفت بضيق واشمئزاز:
_واطي انت أوي يا مان.
____________________

وجوه خادعة (للقدر آراء أخرى ج٣)Where stories live. Discover now