الفصل الثاني عشر

763 48 17
                                    


#سلسله للقدر آراء أخرى ج٣
#ناهد خالد
#وجوه خادعة
#الفصل الثاني عشر
ابتعد آدم يلتقط أنفاسه بصعوبه وارهاق بسبب ألم كتفه الذي اشتد عليه نتيجة انفعالاته وحركاته العنيفه، ولا حظ أيضاً أن وجه سيف أصبح لايوجد فيه مكان خالِ  من أثر ضرباته، وبدأ ينزف من أماكن كثيرة في وجهه.
اقترب منه يجذبه من ياقة قميصه بعنف وهو يهتف بغضب :
_أنت غبي، غبي، لو كنت قولتلي مكنش كل ده حصل، كنت تعالي احكيلي وأنا أكيد كنت هخاف علي ابنك وعيلتك زي ما أنت خايف عليهم، قالولك محدش يعرف!، مانا لو كنت عرفت مكنتش هخليهم يحسوا أن حد عرف، وأنت عارف أني اقدر اعمل ده، وكنت أقدر أخليك معاهم بس في نفس الوقت معانا احنا، كنا نقدر نلعبها سوا، ومكنش حد هيتأذي، بس أنت أغبي حد شوفته في حياتي، اختارت الأسهل يمكن! ، وصلت نفسك ووصلتنا لحيطه سد، الأكيد أن الأول كنا هنعرف نساعدك ونطلعك من المأزق اللي كنت فيه، لكن دلوقتي محدش هيقدر يعملك حاجة.
قال الأخيرة وهو يدفعه تاركاً ملابسه، ليرتمي الأخير أعلي المقعد بوهن، أخذ آدم يدور حول نفسه وهو يشد شعره بعنف، لا يدري ماذا يفعل! وبالأحري لا يدري أيتعاطف معاه أم يمقته بفعلته تلك، ولكن أي تعاطف!، فما فعله أكثر بكثير من أن يضع له عذر،.
توقف يرمقه بضيق وهتف :
_كنت خايف علي ابنك، طب ماخفتش علي الشباب والأطفال اللي بيدمروا بسبب البلاوي اللي بتدخل البلد وأنت بتساعدهم بيها!، أنت مدرك أنت شاركت في اي!.... صمت قليلاً ثم أكمل.. عيلتك في رعايتي، عالأقل أنا هعمل بالعشرة اللي كانت بينا ومش هبقي زيك.
قالها وكاد يتجه للخارج ليجد سيف يسحبه من يده يلفه إليه، ومن ثم ألقي بنفسه داخل أحضانه وانفجر بالبكاء وهو يشدد احتضانه، بكاء احتاجه منذ زمن، منذ أن وطئت قدماه في تلك الدائرة المقيته، يبكي علي الكثير، يبكي علي خيانته للأصدقائه وأهله ووطنه ومهنته، وعلي ضياع نفسه واستحقاره لها، وعلي حرمانه من أن يعيش حياة مستقرة بين أهله، بل كُتب عليه الهجر والفراق، لن يستطيع رؤية إبنة وهو يكبر أمامه، لن يستطيع مناغشه إبن أخته والاستمتاع بكلماته التي هي اكبر من سنه، لن يستطيع تعويضه عن اليتم، ولن يستطيع أن يكون بجوار والدته يسندها ويكن لها عكاظ كل ما تقدمت بالسن، توقفت حياته هنا.
ظل آدم يحاول الصمود كي لا يبادله العناق، ولكن لم يستطع أكثر من ذلك، فقلبه يتفتت من الألم والحزن عليه، رفع يده يحيطه بها ودموعه تنزل بصمت هو الآخر علي ما وصل إليه رفيقه، فبالطبع عشرة سنوات لن تهون من يوم واحد، هو يعلم ما يدور بخلد سيف جيداً لذا هتف :
_أحنا جمبك، متخفش مش هنسيبك، بس مش عاوزه اشوفك كده سامع.
أخرجه من أحضانه وسيف مازال يبكي بعنف، ليمسك وجهه بين يده يجعله ينظر له، فهو منذ دلف وسيف يتجنب النظر إليه خزياً، هتف بحده:
_قولتلك مش عاوز اشوفك كده، اجمد يالا في اي!، أنت عارف إنك غلط ولازم تتعاقب صح؟
هز رأسه بإمائه، ليكمل آدم بصوت هادئ:
_يبقي لازم تستعد تاخد عقابك، عشان تحس إنك نضفت، ومش هقول لهم أنك موت زي ماقلت، أنا هستني أشوف الحكم أي، وأن شاء الله هيبقي أخف من اللي نتوقعه، يمكن نقدر نثبت حاجه مين عارف، المهم تستغفر ربنا وتدعيه يقف جنبك، ها؟
رد بخفوت :
_حاضر
وضع آدم يده اليمنى علي وجه سيف يلمس أثار ضرباته وهتف بضيق :
_بتوجعك!
ابتسم سيف باتساع يهتف :
_أنت مركب رجلك بدل إيدك؟
زجره آدم بتحذير يهتف:
_وبعدين! تحب اوريك رجلي بتعمل اي عشان تعرف الفرق؟
_لالا والله أبداً، كتفك عامل أي طيب بعد الضرب اللي ضربته ليا! ؟
_مهو أنا وقفت لما تعبني، مش عشان صعبت عليا.
_طيب الحمد لله.
قالها سيف براحه ليبتسم آدم قائلاً :
_هبعتلك حد يشوف وشك والجرح اللي في دراعك.
رد بتوتر :
.تمام .. أنا.. كنت عاوز أطلب منك حاجة.
_أي عاوز عيش وحلاوة! عنيا.
قالها بمرح طفيف، يحاول تهوين الأمر قليلاً، ليبتسم سيف من قلبه، فهو لم يكن يتوقع أبداً أن آدم سيقف بجانبه، ظن أنه لن يطيق حتى النظر بوجهه مهما قال له، رد بمرح مماثل :
_اي البخل ده! حلاوة، خليها جبنه رومي طيب أنت عارف إني بحبها.
ابتسم آدم بهدوء، ليكمل سيف حديثه :
_هو أنت هتجبيلي محامي؟
قطب حاجبيه باستغراب :
_اه اكيد، لي؟
_انا كنت عاوز محامي معين.
_مين!؟
قالها آدم بتساؤل، ليرد سيف بتوتر :
_ماما حور، بس أنا عارف أنها مبقتش تشتغل، بس حاسس أنها أكتر حد هيفدني، أنا عارف أنها بتحبني، وهيبقي همها تخففلي الحكم، وكمان هي فتره شغلها الاخيره كانت أشطر محاميه في مصر.
صمت أدم قليلاً ومن ثم قال :
_ماشي، هقولها وابقي ابلغك بالرد، يلا سلام.
_آدم.
قالها سيف ليلتفت له آدم بضجر هاتفاً :
_وبعدين بقي، هو أنت هتبيتني هنا!
ابتسم قائلاً بامتنان حقيقي:
_أنت أجدع صاحب أنا عرفته في حياتي.
ظهرت ابتسامه علي ثغر أدم وهو يهتف :
_وأنت جدع يا سيف، بس أوقات الدنيا بتقدر تيجي علينا فبتخلينا نبان عكس ده، لكن أنت معدنك كويس أنا واثق من ده.
قالها وفتح الباب وخرج من الغرفه، لينظر سيف لأثره وهو يردد :
_ربنا معاك يا صاحبي.
______________________
وصل مروان بسيارته أمام منزل يوسف، وبقي داخلها ينتظر نزوله، وهو يضرب برأسه بحافة باب السياره من شده الألم، وجد يوسف يخرج من باب العماره واتجه إليه، فتح الباب وجلس بجواره يهتف:
_معلش اتأخرت عليك.
هتف مروان بلهفه :
_اخلص يا يوسف هات الدوا.
أعطاه يوسف قرص الدواء وفتح له زجاجة المياه الموجودة بالسياره قائلاً :
_بالشفا يا صاحبي.
أخذها مروان، وثوانٍ وبدأ في إرجاع رأسه للوراء مستنداً علي المقعد، بعدما بدأ يتسلل خدر لرأسه، لكنه مريح وممتع، هتف بخفوت:
_تعالي سوق أنا مش هقدر.
أبدلا الأماكن، وبعد قليل وصل يوسف به إلي أحد الكافيهات وقف أمامها واستدار لمروان الذي يغمض عينيه وظهرت معالم الراحه علي وجهه، فهتف بهدوء :
_مروان، أنت كويس؟
فتح عينيه ينظر له بهدوء مردداً باتسامه:
_ياااه، مش مصدق أن الوجع راح، ده أنا كنت ولا كأني في دوامه.
_طب كويس.
_يوسف، هو ممكن اكون زي حالة والدك عشان كده الدوا جاب معايا مفعول؟
تسائل مروان بقلق، ليجيب يوسف سريعاً :
_لالا، أنا نفسي كنت باخد من الدوا ده لم بيبقي عندي صداع مزمن، أصله مسكن يعني، بس قوي شويه.
هز مروان رأسه باقتناع وقال:
_ابقى قولي إسمه عشان أجيبه إحتياطي.
_يابني ولا تشغل بالك، أنا هجيبلك شريط من عند بابا.
ابتسم له مروان بامتنان :
_متشكر جداً يايوسف مش عارف اقولك أي.
_بس ياعبيط احنا صحاب مفيش بنا الكلام ده.
ترجلا سوياً ليتجها للكافيه حتي موعد محاضرتهم الأولى.
___________________________
أوصل آدم ليل أمام فيلا زين، ليهتف بعدما أوقف السياره :
_ارتاحي بقي اليوم كان صعب أوي امبارح.
ردت قائله بتنهيده:
_فعلاً، بس أخيراً خلصنا من الزفت عمار، بس أنا عاوزه أفهم تميم ابن عمه ده راح فين؟
زم آدم شفتيه بحيرة :
_يمكن كان جاي يشوفه ومشى، أنتِ قولتي أنك أول مرة تشوفيه، معني كده انه مش موجود دايماً، كمان عمار قالك أنه كان مسافر.
_ايوه بس ده نفس اليوم يا آدم، يعني هو جه ومشى في نفس اليوم؟
_ليل، أنت شوفتيه في نفس اليوم، لكن ممكن يكون كان موجود قبلها، أنت ِ ناسيه أن كان بقالك شهر مشوفتيش عمار بسبب الحادثة.
_يمكن، طيب هنزل أنا بقي.
هتف آدم بضيق واضح:
_طب أي، مش هنخلص من حوار أنك تكونِ هنا ده؟
ابتسمت بهدوء مردده :
_أنت شوفت الفتره اللي فاتت كانت ازاي، مكنتش فاضية لأي حاجة، بس خلاص ربنا يحلها، وكمان أنا بقالي سنين هنا يعني...
قطع حديثها قائلاً :
_حياة هتمشي بكره، والاكيد إنك مش هتكون ِ معاه لوحدكوا، ولا أي؟
-مانا كنت سنين قبل حياة ما ترجع معاه لوحدنا.
_ليل، أنا مش هعيد كلامي كتير، وأفهمي أن الوضع أتغير، تمام؟
قالها بحده وعيونه مثبته عليها، لتتوتر من نبرته ونظرته هذه فقررت إنهاء النقاش:
_حاضر يا آدم، يلا سلام.
ترجلت من السياره ذاهبة لداخل الفيلا، ليتنهد هو بتعب من هذا اليوم المرهق لأقصي حد، ثم ينطلق بالسياره قاصداً بيته عله يرتاح قليلاً.
_____________________
دلفت للفيلا بعد يوم مرهق، طويل، ملئ بالأحداث، أقصي أحلامها الآن أن ترتمي علي فراشها لتدخل في سبات عميق لا تفيق منه إلا بعدما تكتفي تماماً من الراحه، توجهت للدرج الداخلي وكادت تصعد ولكن استمعت لصوت زين من خلفها يهتف بهدوء:
_ليل.
التفت تنظر له باستفهام، ليقول :
_عاوز اتكلم معاكِ، تعالي ورايا علي المكتب.
اتجه للداخل بدون حرف زيادة، قطبت حاجبيها باستغراب من ثم اتجهت خلفه يحركها فضولها لمعرفة ماذا يريد.
اتجهت للداخل وجلست أمام المكتب، وهو يحتل مكانه خلفه باسترخاء أعلي المقعد، هتف بهدوء :
_ها، وصلتي للي عاوزاه؟
_اللي هو؟
قالتها محاولة منها لفهم ما يتحدث عنه.
رد بابتسامة بسيطة :
_ليل، بلاش نلف وندور حوالين بعد، أنتِ عارفه أنا أقصد أي، أي اللي وصلتيله النهاردة بعد ما كل الفترة اللي فاتت دي بتحاربي عشانه.
استرخت في مقعدها هي الأخرى :
_ااه، قصدك شريكك، اه وصلت أخيراً يازين، بعد سنين أخيراً بقي في مكانه الصح، وهرتاح أكتر لما أشوف متعلق ع حبل المشنقة، وأتمنى لو تكون جنبه يازين.
قالتها بدون أن تفكر فيها ولو قليلاً، ربما لو فكرت ثوانِ فقط لم تكن ستنطقها، هي ليست بهذه القسوي ، ليست من يرمي حديثاً ولا يشغل له بالاً، هي تعلم جيداً مدي حب زين لها رغم كل ما حدث، هو أخطأ ويستحق الكثير، لكن للكثير حدود، أغمضت عيناها بضيق حينما رأت تحرك عضلات وجهه وملامحه التي ظهر عليها التألم رغم محاولته في إظهار إبتسامه مصطنعة، ولكن ابتسامته مهتزه لا يستطع حتى إتقان رسمها بعد ما سمعه، حينما استمع لحديثها نزل كالحديد المصهور علي صدره أحرقه حتى وصل إلي قلبه الذي لم يرحم منه أيضاً، شعر برجفه في جسده لمدي صعوبة كلامتها، لم يتوقعها،.. نعم يعلم أنها لم تعد تكن له حب كما سبق، ولكن لم يتوقع أنها باتت تتمنى موته!، كم صعب أن تستمع لهذه الأمنية من أكثر شخص تعشقه في عالمك، حاول رسم ابتسامه علي ثغره احتفاظاً بمظهره  ولكن أحس أن حتي الابتسامه تخونه وترفض الظهور، ابتلع ريقه بألم وقال بخفوت:
_للدرجادي بقيتي تكرهيني!
حقاً رغم كل ما فعله، ولكن تسب نفسها الآن علي ما قالته، حاولت إصلاح الأمر فقالت بتوتر  :
_ز.. زين.. أنا مقصدتش اللي قولته.. أنت عارف أوقات بقول كلام مقصدوش.. أنت ابن عمي وأكيد مش هتمنالك الأذى.
_ابن عمك!
قالها ببمسه ساخره، ثم أكمل بجديه وهو ينظر لها بعدما اقترب بجسده واضعا ًيده أعلي المكتب وبنظرات ثاقبه قال:
_ليل! آخر مره هسألك، أنا لسه ليا فرصه عندك!؟ لسه ليا ولو 1٪ رصيد يديني فرصه ويدي لحياتنا أمل؟
تنهدت بهدوء وهي تردد بخفوت:
_لا يازين و أنت عارف.
زفر ب ألم وقال وهي يعيد ظهره للمقعد:
_جهزي نفسك، هطلقك بكره.
أغمضت عيناها بضيق لما وصلا إليه، ولكن هذا أفضل، وبالنهايه لم تكن هي السبب فيما يحدث الآن، هتفت :
_لي بكرة؟ بكره فرح حياة، خليها يوم تاني.
_لا بكره، وهتعرفي لي وقتها؟
قطبت حاجبيها بعدم فهم ، وقامت من أمامه تتجه للأعلي فيكفي إرهاق اليوم.
أغلق عيناه بألم، لا يعرف كيف سيستطيع فعلها غداً، هرب منها طوال السنوات الماضية متمنياً عدم حدوثها ولكن لا مفر، غداً سيبتعد عنها نهائياً، ولن يستطع أن يصبر قلبه بالنظر إليها، أو الشعور بأنها بجواره، بدأً من غد ستبدأ لعنة حبها بالظهور مصاحبة بلعنة الفراق ، فهل هو مستعد؟
________________________
_أي؟ يعني أي اتقبض عليه؟
هتف بها تميم بغضب عاصف، وهو يجلس بفيلته الخاصه، فهو لم يذهب لفيلا عمار إلا للقاء الفتاه كما طلب منه عمار.
رد الواقف أمامه بتوتر :
_ياباشا.. الي عرفته أن.....
سرد له الحارس ما حدث بدأً من الإمساك بطارق وسيف، الي هجومهم علي المخزن وماحدث هناك، وصولا ً إلي قصة عليّ، وليل التي تسربت إليهم بعدما رأوهما مع آدم داخل المخابرات ومن بعدها توصيل آدم  لها أمام فيلا زين، وخروج عليّ متجهاً لشقته.
انبعثت شرارات الغضب من أعين تميم وهو يهتف من تحت أسنانه :
_بقي هما خدعوه، لعبوا عليه لحد ما وقعوه، عمار الدميري يتعمل في كده من عيال متسواش.
قال الأخيرة بصراخ وهو يزيح كل ما أمامه أعلي مكتبه، وأكمل بعصبيه للذي يرتعش أمامه :
_وأنت يازفت معرفتنيش لي من وقت ما حصل كل ده؟
_مهو.. أصل.. حضرتك ككنت ناايم.
قالها بتوتر جم، لتحتد عين تميم أكثر وهو يقول:
_هيبقي النوم عندي أهم من عمار واللي حصله!
_ممقصدش.. ااانا
لم يكمل حديثه بسبب صرخة تميم وهي ينادي علي كبير الحرس، الذي دلف للداخل بجسده الضخم، فقال له :
_خد الحيوان ده ربوه في المخزن عشان بعد كده يتعلم أي الأولويات، وأي اللي مينفعاش يستني عشان البيه يقوله.
دلف رجلان يأخذونه، وهو يصرخ طالباً السماح ولكن لم يستمع له تميم من الأساس، وهتف بنبرة بشيطانيه:
_عليّ اللي كان مع عمار، والبت الي اسمها إيلين، عارفهم؟
_طبعاً ياباشا عارفهم، حضرتك عارف إني في غيابك بكون كبير الحرس عند عمار بيه.
ابتسم بشر وهو يهتف بأمر:
-يكونوا عندي في ظرف ٤٨ ساعه فاهم؟
_أوامرك ياباشا.
نظر أمامه يهتف بتوعد:
_أيامكوا السودا هتبدأ، ومحدش هينجدكم مني.

وجوه خادعة (للقدر آراء أخرى ج٣)Where stories live. Discover now