الفصل السابع

715 42 7
                                    

  #الفصل السابع
#سلسة للقدر آراء أخرى
#ناهد خالد
#وجوه خادعة

     انقضي النهار وأتي الليل بظلامه، يخيم علي الارض، فيختفي وراءه الكثير من الأشياء التي لا تُفعل إلا في استغلال هذا الظلام، وفوق أسطح أحد المباني الشاهقه، وقفت ليل تستند علي السور وبجاورها عكاظها، تنتظر القادم، دقائق ودلف أحدهم من الباب المؤدي للسطح، ليجدها واقفه هكذا اتجه لها سريعاً، أحست بوجوده فالتفتت له، شهق هو بعنف من مظهرها، فأسرع خطاه يقف أمامها، يتسائل بقلق بالغ :
_حبيبتي اي اللي حصل؟ اي اللي عمل فيكِ كده! أنتِ كويسة؟ حاسه ب..
ابتسمت ترد بهدوء تحاول أن تطمئنه:
_عمار اهدي، انا كويسه يا روحي متقلقش، دي حادثة بسيطه.
هتف بعتاب وضيق:
_عشان كده كنتِ مختفيه الفترة اللي فاتت؟ وضحكتي عليا وقولتي أنك عندك شغل!
زمت شفتيها كالأطفال وقالت:
_حبيبي محبتش اقلقك عليا، سوري.
هدر عمار بغضب :
_تقلقيني  وزفت اي! أنت ِ مجنونة! أنت ِ لي مش مقدرة أني بحبك وإنك أغلي حاجه عندي، يعني أقل حاجه اكون جمبك وقت ما تحتاجيني.
ملست بهدوء علي ذراعه :
_خلاص بقي، أسفه متزعلش وحياتي.
أمسك يدها بحب هاتفاً :
_أنتِ عارفه اني بموت من الرعب عليكِ، وأن مفيش حاجه في حياتي بخاف عليها قدك، ممكن تقدري ده!
ابتسمت بصدق مردده:
_حاضر يا حبيبي.
ابتسم هو الآخر وكأنها عدوي انتقلت إليه وبنظره خاصه بها هي :
_وحشتيني.
رفرفت بأهدابها بتوتر من نظرته:
_وأنت.. كمان.
تسائل مستغرباً :
_أنت ِ لي طلعتي ع السطح؟ ولي أصريتي تيجي هنا أصلاً، أنا كنت عاوزك تيجي البيت عشان في حد عاوز اعرفك عليه.
زمت شفتيها بلامبالاه:
_حسيت أني عاوزه مكان مفتوح، عاوزه يبقي مني للسما، خصوصاً أني أول مره أخرج بعد شهر حبسه في البيت.
_طيب نقعد هنا شويه ونطلع ع البيت عشان لازم اعرفك علي حد مهم.
هزت رأسها بصمت وهي تنظر للأجواء آمامها، كما بدي الوقوف بعيداً عالياً أمر مغري  يستحق النظر!
بعد  ساعه تقريباً أخذها واتجها إلي فيلته، وصلا ليترجل هو أولاً فاتحاً الباب لها تستند عليه للنزول، اتجها للداخل ورغم كونها ليست مرتها الأولى التي تأتي هنا بل معظم مقابلتهما كانت هنا، إلا أن أمر ما يحدث يثير قلقها هذه المره، أمر لا يعلمه أحد غيرها  وشخص  ما آخر، اتجهت معه ببطئ للداخل، جلست بالصالون وجلس هو بجورها بعدما أمر الخادمه بدعوة أحدهم، والاتيان بمشروب ما ل ليل، انتابها فضول حول هوية الشخص، فسألته بخفوت :
_هو مين ده اللي لازم اقابله؟
تحمس كثيراً للحديث عنه فقال بشغف :
_بصي ياستي هو في الأصل ابن عمي، لكن الحقيقة هو أكتر من كدة بكتير، هو أخويا وابني وحاجات كتير اوي.
ارتفع حاجبها بدهشه وهي تتابع حديثه:
_للدرجادي! أول مره أشوفك بتتكلم عن حد بشغف كده، حتي مامتك وأختك لما جيت تحكيلي عنهم مكنش بالحماس ده، ولا بلمعة عنيك دي.
_نفس اللي قولتهوله لما حكالي عنك.
قالها هذا الشخص وهو يأتي من خلفهما، لتتجه أنظار ليل إليه، فوجدت شاب يافع أبيض البشرة بعيون بُنيه وملامح وسيمه وشعر أسود قصير، يرتدي ملابس بيتيه مكونه من بنطال أسود قطني وتيشرت أبيض، وقفت أمامه يقتلها الفضول لمعرفة هويته فهو يشبه عمار قليلاً، مد يده مرحباً ومعرفاً بنفسه :
_أنا تميم، ابن عم عمار.
مدت يدها تصافحه :
_أهلاً بيك، أنا..... ولا بلاش واضح أنك عارفني.
قالت الأخيرة بمرح ليرد عليها بابتسامة :
_طبعاً عارفك، عمار ملوش كلام غير عنك.
رفعت حاجبها بتقرير :
_وياتري وحش ولا حلو!
أت الرد من عمار هذه المرة :
_عيب السؤال ده على فكرة، دي تعتبر إهانة وأنا لا أقبل.
ضحكا الإثنان ومن ثم جلس الجميع يتبادلون الحديث.
___________________
في فيلا رحيم الصياد
كان مروان يتحدث عبر الهاتف، ليستمع لدق الباب، فأذن بالدخول، فُتح الباب فدلف آدم، أنهي مروان مكالمته، ليتجه بانظاره إليه، اقترب آدم منه وجلس علي الكرسي الذي أمامه.
بدأ حديثه متسائلاً :
_اي كنت بتكلم مين!
ابتسم مروان مجيباً :
_واحد زميلي، اتعرفت عليه في الكلية.
أردف آدم بتحذير :
_أهم حاجه يكون كويس، متآمنش لحد بسهولة.
زم شفتيه متحيراً :
_والله، هو لحد الآن شكله كويس يعني، بس أنا برضو محذر منه.
_كويس، ها أخبار الكليه اي؟
زفر مروان بضيق :
_أنت عارف يعني.. الموضوع مش سهل.
فهم آدم حديثه، فتنهد بحزن عليه واقترب منه أكثر يجلس علي الاريكه بجواره، واضعاً يده علي فخذه :
_مروان، مش الكليه هي اللي هتعملك مكانه، مش اسم الكليه ومكانتها هم اللي هيعملوك، أنت اللي بتعمل نفسك ومكانتك، ثم إن أكيد ربنا مش رايد تكون هناك، مكانك هنا، عارف إن الموضوع مش سهل، بس مع الوقت كل حاجه بتهون، بس بلاش تكره نفسك في الكليه، أدي نفسك فرصة تلاقي نفسك فيها وتكتشفها، وأن كان علي شغل الهندسة، خلي حمزة يعلمك واشتغل معاه في الشركه، واصلا كنت هتشتغل فيها برضو بعد ما تخلص الهندسة، ف اهو كده أقرب لك واختصار للهري ودراسة ووجع دماغ.
ابتسم مروان لعلمه ما يفعله ادم من تهوين عليه:
_لا يا عم أنا خلاص كدة قفلت، أنا اشوف أي حوار الحقوق ده وهيوصل معايا لفين.
_إن شاء الله هتبقي مستشار، أنا أجيب المجرمين وانت تحقق معاهم، او وكيل نيابه، وكله هيبقي زيتنا في دقيقنا.
انفلتت ضحكه من مروان، فهذه أول مرة يري آدم يتحدث هكذا بتلك السلاسه والمرح:
_طيب ما انا ممكن اكون الشخص اللي بيدخل ينادي ع الشهود ده، اي رأيك!
قضب حاجبيه بضيق زائف :
_بس ياض، والله اقبض عليك وقتها.
رد مروان بخوف مستعر :
_لالا، علي ايه، خلاص مستشار، مستشار بقي امري لله.
ابتسم آدم له بحنان، هو يعلم أنه ليس قريب منه لدرجه كبيره، ولكن يبقى أخيه الصغير، الذي يعتبره ابنه حقاً، ولكن هذا هو آدم كلما أحب شخص ابتعد عنه وخُلقت بينهما مسافات يضعها هو دون قصد فقط لأنه لا يسمح لأحد بالاقتراب منه.
أردف متسائل بمكر :
_قولي بقي اي أخبار نغم؟
توتر مروان وابتلع ريقه يتسائل بغباء:
_نغم مين؟
انفلتت ضحكه مجللة منه، ثم تماسك نفسه مردفاً بابتسامه ضاحكه:
_أنت غبي يابني، عاوز تبين أنك متعرفش حاجه عنها، وتتلائم عليا، تقوم قايل نغم مين؟ علي أساس أنك متعرفهاش أصلاً.
ابتسم مروان ببلاهه، مردداً بحرج:
_لأ يعني.... مش قصدي أنا بس اتفاجأت أنك بتسألني أنا عليها.
_ده علي أساس أن في حد في العيله ميعرفش اللي بينكوا؟!
رد مروان بحذر :
_لأ، بس أنت بعيد شويه عن العيله ، فتوقعت أنك متعرفش.
تنهد آدم بعمق، فمن الواضح أن بعده عنهم هيأ لهم أنه غير مهتم بتاتاً لأمرهم، هتف بهدوء :
_مش معنى أني بعيد شويه بسبب شغلي، آني معرفش حاجه عنكم، أنا أعرف كل حاجه عن كل واحد فيكم، فهمت.
أومئ مروان برأسه متفهماً حديثه، وشعر بالغبطه لشعور آدم بهم واهتمامه لأمرهم، أكمل آدم حديثه متسائلاً :
_قولي بقي، ناوي امتي تتم الموضوع رسمى!؟
أحمر وجهه مروان خجلاً من التطرأ للحديث في هذا الموضوع، ولاحظ آدم ذلك فابتسم بداخله علي خجل أخيه ولكن لم يبدي رد فعله كي لا يحرجه أكثر، رد مروان بتلجلج:
_يعني... اا.. حالياً مش هينفع، أنت فاهم لسه بدري، هي لسه في تالته ثانوي، و أنا لسه يدوب أولي جامعة، وكمان حمزة لسه هيتجوز، وأنت لسه مش باين ليك رؤية ، وأكيد إني مش هتجوز قبلك.
رفع آدم حاجبيه باستنكار :
_حمزه وهيتجوز خلاص كلها يومين، وأنا ملكش دعوه بيا،متحسسنيش إني معطلك حياتك، لكن هو فعلاً نغم لسه صغيره وأنت كمان، يعني أنا أصلا مش مصدق أن مروان الصغير اللي كان يدوب السنه الي فاتت بس بيرح المدرسة، قاعد معاه دلوقتي وبنتكلم في جوازه، يابني هي تربيتك كملت لسه عشان تتجوز وبعدها تجيب طفل تربيه.
قال الاخيره بمرح، ليرد مروان عليه بمرح مماثل :
_خد بالك أنت كده بتغلط، معناها اني مش متربي، ورحيم باشا وحور هانم، مسؤلين عن تربيتي معني كدة أنهم معرفوش يربوني.
تغاضي آدم عن حديثه متسائلاً بتذكر :
_اه صحيح هي فين حور هانم مش باينه لي! معقول نامت بدري كده الساعه لسه ١١!
_لا ما انت فاهم بقي بكره كتب الكتاب، وماما عامله بقي أم العريس ومشاغل وكده، وخصوصاً أنهم هيعملوه في النادي.
ضرب كف بالآخر متعجباً، وهتف بغيظ:
_أنا نفسي أفهم، لي كتب الكتاب يعملوه في نادي الشرطة، حقيقي مش فاهم، يعني كانوا عملوه في اي فيلا من الفيلل وزينوها وخلاص، وأصلا الفرح تالت يوم يعني ملوش لازمه كل ده.
ابتسم مروان هاتفاً بمرح:
_مانت مش فاهم، حور هانم و ليندا هانم، قرروا إن لازم يفرحوا بكل مناسبة في الجوازه دي، الاتنين شايفين أن أول فرحة ليهم وأول جواز أحفاد عليه الصياد، مينفعش يعدي كده، وكمان النادي حل وسط عشان منعاً لمشاكل هنعمله في اي فيلا.
_ولي نادي الشرطة يعني؟
_لا دي رغبة أسر، عشان هو كان عاوز يعمل الفرح في نادي الشرطة، بس رجل أعمال صاحب بابا عنده قاعه إنما أي خيال، حاجه كده تحفة فنية، وكل عروضها جديده، والراجل ده لما بابا بعت له دعاوي الفرح، صمم يعمل الفرح في القاعة عنده ك هدية، بس ف أسر قال خلاص نعمل كتب الكتاب في النادي، والفرح في القاعة.
قضب حاجبيه بتأثر زائف:
_يااه، دي قصة مأساوية أوي.
ضحك مروان بشدة على تعبيرات وجهه وقال:
_بكره نشوف أنت هتعمل أى في فرحك.
وقف وهو يهتف متغاضياً حديثه:
_يلا هروح أنا انام، تصبح على خير.
قالها واتجه للخارج ليهتف مروان بابتسامه :
_وأنت من أهله.
كم فرح لتلك الدقائق التي تحدثا سوياً فيها، لطالما كان أدم هو ذلك الشخص البعيد الغامض الغير مبالي، ولكن الآن فقط اكتشف... اكتشف آدم.. جديد.
___________________
في سيارة عمار

كانت ليل تجلس بجواره بعدما انتهي اللقاء مع تميم، دق هاتفها فأخرجته ظناً منها أنها حياه او ربما وعد، وكلاهما بالتأكيد سيوبخناها علي تركها لهما في هذا الوقت فلقد اتفقا علي البقاء سوياً هذه الفتره ويفترقا فقط للنوم، ولكن تفاجأت من اسم أدم يزين شاشة الهاتف، ابتلعت ريقها بتوجس، فهي لن تستطيع الرد عليه الآن، و تفاجأت بقول عمار :
_أي مش هتردي؟
توترت أكثر، ولكن ردت بهدوء زائف :
_دي.. شركة.. أنت عارف الشركات اللي بتفضل ترن عشان العروض ولا كده.
قالت ذلك وهي تضع هاتفها علي الوضع الصامت وتضعه في حقيبتها.
ثواني ودق هاتف عمار ليرد فوراً:
_أهلاً بالباشا.
-أهلاً ياعمار، عاوز اقابلك دلوقتي.
_عاوز تقابلني لي؟
تسائل بها عمار باستغراب ل طلب المتحدث
_أنت عارف إن الصفقه بعد كام يوم ، فكنت عاوز أفهم شويه أمور كدة، وكمان عاوز ابلغك حاجه.
_تمام نتقابل بكره؟
_لا بكره مش هينفع أنت عارف بكره في مناسبه في الفرقة ومش هعرف اخلع، فاضي دلوقتي؟
نظر عمار للجالسه بجواره فهو لم يُظهر هوية المتصل  أمام أحد حتي عليّ، فلا أحد يعرف سوا هو وتميم، ولكن زجره قلبه، ألا تثق بمن احتلته! أتحذر منها هي؟ ليرد القلب بالطبع لا، لن يترك للشك مجال بينهما، فهي أخذت أعز ما لديه.. ألا وهو قلبه.... الذي لم يعطيه لأحد قبلها، ولم يكن يظن نفسه فاعلاً، فرد علي المتصل:
_قابلني علي طريق..... أنا ٥ دقايق وهكون هناك.
-تمام.
أغلق الهاتف لتتسائل ليل :
_مين ده يا عمار؟
_مش كنت ِ بتسأليني مين اللي شغال معايا من فرقة الأسود.
ابتلعت ريقها بتوتر، وارتجف قلبها من معرفة الإجابة، ولكن هتفت بلامباله زائفه:
_اه، بس وقتها قولتلي مش مهم.
ابتسم لها بهدوء :
_اهو هتعرفيه دلوقتي.

وجوه خادعة (للقدر آراء أخرى ج٣)Where stories live. Discover now