الفصل السابع عشر

691 43 7
                                    

#الفصل السابع عشر
#وجوه خادعه
#سلسله للقدر آراء أخرى ج٣
#ناهد خالد
توقفت السياره مصدره صوت عنيف أمام إحدي البنايات، ترجل آدم سريعاً تتبعه بعد فهمت الأمر فهي تعرف هذه البنايه فهي قد أتت  لهنا أمس حينما هاتفها آدم يخبرها بضروره قضاء أمر ما وعليها التواجد معه ، قابله شخص ما الذي هتف آدم سريعاً بمجرد رؤيته :
_في أي يا مصطفي، حصل أي؟
أجاب مصطفي بتوضيح :
_حضرتك انا كنت متابع البيت زي ما طلبت مني سيادتك، وبعدين الحاجه الكبيرة منزلتش النهارده زي عادتها كل يوم الصبح تنزل تجيب فطار وترجع، وبعدين جارتها استغيبتها تقريباً، فخبطت عليها مالك فتح لها وقالها انها نايمه من امبارح، دخلت تصحيها مردتش عليها، فنادت جوزها يجبلها الدكتور وبيقولوا ممكن تكون غيبوبه سكر.
_طب حد طلع ولا الدكتور جه؟
_الدكتور لسه داخل من دقيقتين.
انطلق آدم يدلف للبنايه تتعبه ليل التي تدعو أن تكون المرأة بخير، تقابلا مع الدكتور ومعاه الجار يخرجا من باب الشقه، والوجوم يحتل ملامحهما، توقفا بصمت لا يجرء أحدهما علي السؤال خوفاً من الاجابه، ليسألهما الجار :
_حضرتكم مين؟
نطق آدم بهدوء خائف:
_انا آدم صاحب سيف، كنت جاي اطمن علي الحاجه أم سيف.
في نفس اللحظه خرجت علي حديثهم المرأه تبكي، لتهتف ليل بخفوت :
_هو احنا جينا متأخر؟!
ردت الجاره ببكاء حار :
_اه ياحبيبتي، الغاليه راحت، صاحبتي وعشره عمري خلاص سبقتني، مش هلاقي حد اشكيله همي، ولا يونس قعدتي بعدها، ٢٠ سنه من وقت مانقلت هنا واحنا جيران وصحاب واخوات، وصحيح مخلفتش بس سيف ده ابني انا اللي مربياه معاها، حتي مالك وعمر، دول احفادي زيها بالضبط، ربنا يلحقني بيكِ يا غاليه، أنتم السابقون ونحن اللاحقون يا حبيبتي.
أردف الجار بحزن :
_ربنا يرحمها كانت طيبه، البقاء لله يابني.

وقف يستوعب ما قيل له الآن، يشعر أنه دخل في دوامة تلف به بعنف ومع كل دوره تأخذ معها مصيبه جديده، وكأن كل ما يحدث غير كافِ، ليأتي الموت أيضاً يُحط فوق رأسه ،ويُضاف لمصائبه التي لم يجد لها حل بعد، وربما كان هذا من منطلق أن المصائب لا تأتي فرادا!،  ولم يدري آدم أن الأمر لن ينتهي هنا، بل الباقيه تأتي.
امتلأت عين ليل بالدموع تأثراً بالوضع وتأثراً بحديث السيده، نظرت لآدم لتشعر بضياعه، مدت يدها تمسك كف يده المسدل جواره، تشدد عليه كأنها تنبه، وبالفعل كانت مسكتها له تنبيه وانتشالاً من دوامته، نظر لها بضياع، وكأن نظرته تلك نفذت لقلبها، شعرت بالألم لنظرته هذه فضغطت أكثر علي كف يده تشدد من أزرها له، تنحوا جانباً ليمر الطبيب ومعه الجار الذي خرج لتحضير مراسم الدفن، ودلفت الجارة للداخل ثانيه، نظرت ليل لآدم الذي لم يتحرك كأنه يصارع نفسه للدلوف، كادت تتحدث لتستمع لصوت هذا الذي اندفع من داخل الشقه يهتف بصراخ فرح:
_آاااادم.
التفت آدم ينظر للباب ليجد مالك يندفع منه وهو يفتح ذراعه له، ليبتسم بصعوبه وهي ينحني يفتح ذراعه هو الآخر يستقبله برحابه، ليقفز مالك بأحضانه، ليرفعه آدم عن الأرضية معتدلاً، يحتضنه بشوق والأخير يتعلق برقبته ويدفن رأسه في عنقه، أغمض آدم عيناه بتعب، الآن تضاعفت المسؤليه أضعاف مضعفه، فأصبح هناك طفلان ليس لهما ملجأ سواه، ليفيق علي صوت مالك الذي هتف وهو يبتعد عن معانقته ولكن مازال بأحضانه يردد بحنق طفولي:
_أنا زعلان منك علي فكره.
ابتسم بارهاق وهو يبتلع ريقه مردداً:
_ياخبر! زعلان مني أنا، مين الوحش اللي يقدر يزعلك.
_أنت.
قالها ببرائه وحزن طفولي، ردت ليل التي كانت تتابع ما يحدث وتلاحظ عدم مقدره آدم علي الحديث او تصنع البسمه  فقالت بشهقه مصطنعه ونبره مشاكسه :
_أي ده أنت وحش كده يا آدم عشان تزعل القمر ده.
_لا هو مش وحش، هو عسل وأنا بحبه مش تقولي كده.
قالها مالك بضيق وهو يحتضن آدم ثانية ناظراً إليها، ليبتسم آدم وهو يحيطه بحنان، اكمل مالك متسائلاً :
_آدم، مين دي؟!
ابتسم بهدوء:
_دي ليل، مراتي.
اتسعت عينه بذهول وقال:
_أنت بقيت عريس، ومخدتناش الفرح معاك لي؟!
ملس علي شعره بحنان قائلاً :
_عشان لسه مش عملت فرح، لما هعمله هاخدك.
_وهتجيلي بدله عريس؟
قالها مالك بحماس ليومئ له آدم بهدوء، ومن ثم قال :
_اي رأيك تيجي عندي البيت؟
_موافق طبعاً، بس انا بس ولا ماما وعمر؟!
تنهد آدم بوجع قائلاً :
_لا انت وعمر.
_طب وماما!؟
تسائل مالك باستغراب، ليزفر آدم بضيق هو لم يعد قادر علي الحديث أكثر، الأمر مرهق جداً، اقتربت ليل تمد يدها لمالك هاتفه بطفوله مصطنعه:
_طيب ممكن تيجي ليا شويه، وانا هفهمك كل حاجه، بس انا كمان عاوزه حضن.
اتجه لها يرتمي عليها لتتلقفه بأحضانها تحمله بصعوبه قليلاً، ومن ثم هتفت وهي تري الجار قد عاد ومعه سيدتان من الواضح أنهما المغسلتان، لتقول لآدم سريعاً :
_آدم هات عمر من جوه خليني اخده هو ومالك واستناك في العربيه او اخدهم لأقرب كافيه لحد ما الأمور تخلص.
نظر لها بامتنان ومن ثم اتجه للداخل ومن ثم لغرفه الرضيع كما وجهته الجارة، وجده نائم في مهده ك الملاك، اقترب منه بأعين ترقرق بها الدمع، لا يعلم لما هذا الحظ العاثر مع هاذان الطفلان، الحظ واحد متماثل، كلاً منهما والدته توفت، وليس له أحد غير سيف وجدته ، والآن سيف بمحبسه ومصيره مجهول، وجدتهما توفت، يفكر لو لم يكن هو موجود ماذا سيكون مصير هذان البريئان، من الواضح أن الحياه بدأت لعبتها معهما مبكرا ً، مبكراً جداً، اتجه له يحمله برفق وسار للخارج حتي وصل ل ليل التي تقف منحنيه تتحدث مع مالك الذي يقف بجوارها ينتبه لها ويضحك بطفوله، وصل لها لتستقيم حينما شعرت بوجوده، نظرت لعمر لتهتف بابتسامه:
_بسم الله ما شاء الله، أي القمر ده.
تلقفته من آدم تأخذه بأحضانها تقبل وجنته بحنان، حينما حملته شعرت برجفه غريبه، فهي اول مره تحمل طفل، شعرت بمشاعر جديده، وكأنها وقعت في حب هذا العمر منذ هذه اللحظه، نظرت لآدم لتجده ينظر لهما بحنان، فقالت :
_هاخدهم للعربيه.
أومئ لها بهدوء فانطلقت للخارج تسحب مالك بيد وتحمل عمر علي كتفها تحيطه بيدها الأخرى.
دلف آدم للشقه وطلب من الجارة أن يري والدة سيف أولاً قبل أن يقوموا بالغسل، فدخلت تحضرها ومن ثم أخبرته بالدخول، دلف ببطء مميت، كم يحب هذه المرأه! دوماً كانت تشتاق له، وتسائل سيف عليه، وحينما يأتي تأخذه بأحضانها بحنان بالغ، وتعد له وليمه مصره عليه أن يتناول الطعام معهم، كانت تعامله ك سيف، ودوماً تخبره بأنه ابنها مثله، تأتي في صفه أمام ابنها، يتذكر حينما نجح بالثانوية العامة، أصرت أن يأتي لتناول الطعام معهم وقامت بطبخ كل الأكلات التي يحبها، وحينما جاء إليها الجيران قدمت لهم الشربات وهي تخبرهم بأن ولديها قد نجحا، كثيراً ما كان يحصل منها علي حنان افتقده من والدته لابتعاده عنها، اقترب ببطء من الفراش، يراها نائمه بسكون مقيت، وصل أمامه لينظر لها ثوانِ وتساقطت دموعه دون إرادة منه، يؤلمه أنه لن يراها ثانيه، يؤلمه وفاتها وابنها بعيد، يؤلمه انها لم تري ابنها قبل وفتها، حُرمت من أبسط حقوقها، تذكر حينما أتي لها أمس مع ليل.
هاتف ليل مساءاً يخبرها بأن تأتي معه لأمر هام، حينها جاء معها لهنا، ليخبر والدة سيف بسبب اختفاء ولدها، ولكن خاف أن يزل في كلمه فيظهر انه يداري شئ، أو أن تشك به، فطلب عونها و رغبه منه أن يعرف والدة سيف علي ليل و أمر زواجه، حينها جاءا إليها ورحبت بهما بحراره.
_بصي يا أمي انا كنت جاي أقولك أن سيف في مهمه، عشان كده مقدرش يرجع البيت من امبارح.
_ايوه بس هيقعد قد اي!؟
توتر في جلسته لا يعلم ماذا يقول، لحقت ليل به تهتف:
_شهر.
نظر لها آدم باستغراب، وكادت تتسائل السيده أكثر ليقاطعها بكاء عمر، استأذنت لتأتي به، التف آدم ل ليل يسألها :
_لي شهر!؟
_بعطيلك فرصه علي ما نعرف القضية هتروح لفين، هيبقي طنط حور لها رؤية في القضية وبناء عليه نشوف هنقول لوالدته أي.
اقتنع بحديثها، وجاءت السيده مره أخرى وقضوا وقت معها ومع الطفل، وسأل آدم عن مالك لتخبره بأنه نائم فلم يشاء ازعاجه، يتذكر حينما كاد يغادر أنها مسكت يده تهتف:
_آدم أنت ابني زي سيف بالضبط، ومالك وعمر ولادك، وأنت ملزوم قدامي عن تربيتهم مع الواد سيف، عشان الواد لو هو اللي رباهم هيبوظهم وأنا عارفه..
ابتسم آدم بهدوء يربط علي يدها مردداً:
_ربنا يطول في عمرك يا أمي، متقلقيش مش هسيبه يستفرد بيهم.
نظر لها مقترباً اكثر ودموعه تتساقط قائلاً بصوت أجش من البكاء:
_ازيك يا أمي، لو كنت اعرف ان اخر مره اشوفك فيها كنت اكيد قعدت اكتر ومقولتلكيش همشي عشان بجهز لفرح اخويا،.. مكنتش اعرف انك لما قولتيلي اني ملزوم عن تربيتهم انها وصيه،... ابتلع ريقه بصعوبه مردداً :
_بس حاضر، هساعده في تربيتهم، ولو لاقدر الله اضطريت انا اللي اربيهم، اوعدك اني اطلع احسن ما فيهم، يمكن سيف مش موجود عشان يوصلك لمثواكِ الأخير، بس أنا موجود...،.. مش دايماً.. كنتي تقولي إني... ابنك، أنا هعمل بحقي فيكي النهارده، مع السلامه يا أمي.
انهي كلامه وهو يحاول التحكم في دموعه، مسح وجهه بتعب واتجه للخارج بتعب فاق كل الحدود.
________________________

وجوه خادعة (للقدر آراء أخرى ج٣)Where stories live. Discover now