الضحية الثالثة " جميلة "

5.6K 362 37
                                    

في حياة أبي كنت أحيا فى يوتوبيا ؛ المدينة الفاضلة ، كل يوم أنظر من نافذة غرفتي أشعر بأن العالم كله على ما يرام ، كل الناس تبدو هادئة مستقرة ويملأ قلوبهم اللطف والحب ، فأنا لا أعلم الكثير عن مصطلحات الكره والغلّ والحقد لم أصادف هؤلاء الأشخاص أبدا ، ولدت ووجدت الجميع يحبونني ويعاملوننى بلطف ،لذا كنت أعتقد أنها طبيعة البشر قلوبهم جميعاً نقية مثلي ، فأبي لم يعرفني على الوجه الحقيقي لهذه الحياة ، وكان يبعدني عن مواجهة أى شر و يركله دائما بعيدا عني دون أن أشعر حتى أو أعلم بوجوده من البداية ، لذا كنت ساذجة ، ساذجة أكثر من الازم .
_____________________

أنا جميلة رفعت الزهار ، عيشت ولم أحمل للحياة هماً ، فكل طلباتى مُجابة ، وكل شئ حولي مثالي ، كان أبي يحبنا كثيرا ويود أن يضع الدنيا تحت أقدامنا ، فهو رجل ناجح في كل شيء بكل ما تحمله الكلمة من معنى ،حيث يستطيع أن يكون رجل القانون والعدالة ويقدسهم ، وفي نفس الوقت كان يقدس بيته وعائلته ، واستطاع أن يبني إمبراطورية ضخمة تسمى الزهار ، و اسمه يلمع يوماً بعد يوم ، وكنت أفتخر به كثيرا وأنا أرى الإعجاب في أعين من يتحدث عنه أو من تأتى سيرته على لسانه .

أحب أمي كثيرا وكانت بالنسبة له المرأة الأولى والأخيرة ، وهي أيضاً كانت تعشقه ، فهم مثال جيد على العلاقة الزوجية السوية والطبيعية التي يغلفها المودة والرحمة وكل المعاني الجميلة ، ومثال أيضاً للرقي والتحضر ، ويتشاركان في كل شيء حتى ولو كان يخص عمله ، حيث كان يأخذ برأيها في أغلب القضايا وخاصة الشائكة ، وينتظر مشورتها، وعلى الرغم من بعد مجال دراستها عن القانون ولكنها كانت تفكر معه وكأنه إذا شاركها في أي شيء ، تنهال على رأسه الحلول والأفكار ، وهى أيضاً كانت مؤمنة به وتشجعه كثيرا وتشدّ من أزره ، ووقفت بجانبه في الوقت الصعب قبل وقت الشهر والراحة والحياة الرغدة .

ولكن لم يدم علينا القدر هذه السعادة والحب كثيراً، فقد توفيت أمي وأنا في الثانية عشر .

قررا الذهاب لحضور حفلا بدار الأوبرا ، حيث كانت مكافأته لها حين يفوز في قضية صعبة ، وعلى الرغم من عدم حبه للفن الموسيقي عموماً ، لكنه كان يذهب له كل مرة من أجلها هي فقط ، فكم كانت تعشق حفلات وعروض الأوبرا ، ولكن في طريقهما انقلبت بهم السيارة عدة مرات ، ونقلوا إلى المشفى في حالة حرجة .

علمت الأمر أنا وأخي أمير من بعض الأقارب الذين جاءوا ليطمأنوا على الأطفال بعد الفاجعة التي حدثت لأبويهما ، أصابنا الرعب والجزع فكنا نرتجف كأوراق الشجر الخريفية كلما تخيلنا انه من الممكن أن يرحلوا ونفقد عائلتنا بلمح البصر ، أخذنا نبكي في إنهيار ، وندعي أن نراهم مرة أخرى و يتخطوا هذه الحادثة ويعودوا كما كانوا ، لتعود حياتنا الهانئة كما كانت ، ولكن أبى القدر أن يستجيب لدعواتنا كاملة ، قد أخذ الموت أمي وترك لأبي فرصة أخرى ليكون فى وسط أولاده يحميهم ويساندهم .

جنّة إبليس Where stories live. Discover now