الجزء الثاني (34) كشف الحقيقة

3.3K 336 300
                                    

بُشرت بحكم البراءة بعدما تم مراجعة ما تقدم به دفاعها، جلستين على الأكثر وقد نالت حريتها، في البداية غمرتها سعادة رهيبة للأفلات من براثن سجن قاسي لا يعرف سجّانوه أو أي من مرتاديه الرحمة، ثم تجددت بداخلها رهبة مقبضة بعد الأحداث الأخيرة بينهما، فبعد أن ارتاحت لقرارها بصدده حتى وإن كانت معذبة جراء ذلك القرار، لكنها كانت راضية عنه كل الرضا وبسبب ما فعله معها مؤخرا باتت لا تحمل أدنى شعور بالذنب ناحيته بل لم يمانعها ضميرها المرهِق المستيقظ دوما للحظة واحدة..
لكن الآن عادت لتخبطها من جديد..

استلمت ملابسها التي دخلت بها ذلك المكان وحين انتهت من ارتدائها ذهبت لاستلام باقي اغراضها، حقيبة يدها والتي بها اوراقها الشخصية وكروت الائتمان ومحفظة نقود أيضا هاتفها النقال لكنه كان مغلقا بالطبع، والحلي التي كانت ترتديها لتجد من بينهم خاتم خطبتها الألماسي، طالعته للحظات في بعض الاسى والحيرة لكن سرعان ما تخطت ذلك الشعور واضعة إياه في حقيبتها دون أن تلتفت إليه..

وحين انتهت من كل شيء ووقّعت على الاستلام، تحركت رفقة أحد العساكر بإتجاه باب الخروج، كانت تسير خلفه بتعجل دون صبر، تريد بأقصى سرعة ان تشتم هواء الشارع في الخارج لتتأكد بالفعل إنها أفلتت من ذلك المصير البائس، سئمت من هذه الرائحة العطنة ومن هذه الوجوه الكالحة، تريد التحرر ولا شيء دونه..
انفتح الباب ببطئ وبدأت تنقشع ظلمة السجن ويظهر من خلفها نور الصباح الباكر، تعلم أن اخيها بانتظارها خلف ذلك الباب ولم ترتاب في ذلك للحظة، فهذا اتفاقه معها في جلسة الحكم بالبراءة حين طمئنها واخبرها بأنها مجرد اجراءات بسيطة وستنال بعدها حريتها كاملة، وستجده بانتظارها..
خرجت وتمشت بضع خطوات تبحث عنه بعينيها لكنها لم تجده مطلقا، بل اصطدم ناظريها بسيارة أخرى فارهة تعلم من صاحبها دون حتى أن تراه، فلا أحد يمتلك مثل هذه السيارة ويأتي إلى هذه المنطقة لاستقبال سجين خارج لتوه من من خلف القضبان إلا هو، وخاصة إن كان ذلك السجين هي حبيبته الذي فعل المستحيل من أجلها.

تشتت بشدة وتضاعف اضطرابها حين وجدت السيارة تسير ببطئ وكأنها تزحف في إتجاهها، وما إن وصل وأصبح على مقربة منها حتى أنزل النافذة وأنزل معها نظارته القاتمة وقبل ان يتفوه بشيء طالعته بغضب ثم سألت باندفاع وعصبية:
- هو فين كمال؟!

فرد ببرود متجاهلا حدتها ونظراتها الغاضبة:
- أصل راحت عليه نومة وكلمني عشان أجي استلمك.. قصدي أوصلك..

حدجته بأعين مشتعلة وملامح عاجزة عن الفهم والاستيعاب.. فبادر قائلا بود وبنبرة حانية: 
-اركبي يا دانيا..

ـ شكرا ليك.. أنا هاخد تاكسي..

لم يرد، فتحركت من أمامه تبحث عن أي وسيلة نقل وهي تعتزم بداخلها بأنها ستركب أي شيء تجده أمامها، لكن وحتى بعد هذا التنازل العظيم في سبيل عدم ركوب سيارته، لم تجد أي سيارة،
بل واتضح ان عليها أن تسير مسافة تزيد عن الخمسمائة مترا حتى تخرج إلى الطريق الرئيسي وتجد أي سيارة..
كانت ستجنّ وهي تتسائل عما منع أخاها عن القدوم من أجلها، فهل قام بإذائه، شيء غير منطقي بالطبع، لكنه هاجس خطر على بالها سرعان ما نفضته، بدأت تسير بكلل حتى تخرج إلى الطريق لكنه استشعرت السيارة من خلفها تتبع خطواتها، استدارت له تنظر في تعب ويأس..

جنّة إبليس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن