جحيم

3.4K 476 124
                                    

"حبيبة"

حينما تريد الصراخ والبكاء، ولكن محاجر عينيك قد جفت، ولسانك قد شل ،حينما تتلعثم في الكلام، ويقف قلبك عن الخفقان، وينشل فكرك لتدرك بأنه قد تغيرت حياتك بأكملها لأسوأ ما يكون. عندما يخنق القدر كل أمل لديك، ويكسر كل مجاديف النجاة لتغرق في بحر من الضياع ، حينما تتراقص الذكريات الجميلة أمامك، ولكن ليس لرجوعها من سبيل.

شعور الضياع والوحدة لا يكفي لوصف ما أشعر به الآن ، أخاف من المجهول الذي ينتظرني وما يخيفني أكثر أنه ليس مجهولاً ، فأنا أعلم جيداً ما ستكون عليه حياتي الجديدة مع ذلك الجاحد المريض .

______________________

-:٢٠٠٣

لم ينتهِ العزاء حتى كان قد تشاجر مع غالبية الحضور بل وطرد بعضهم ، كان في حالة غير طبيعية تماماً ، أما أنا كنت فى المنزل مع النسوة ، أبحث فيهم جميعاً حتى أجد وجه أمي بعدما كنا لا نفترق ابداً ولكني لا أعثر عليه ، جميلة تجلس بجانبي تنتحب وتحتضنني ، ولكني لا أشعر بأي شيء لا يوجد ذرة أمان واحدة بداخلي تستطيع أن تطمئنني.

بعد إنتهاء مراسم العزاء فى المنزل وانصراف النسوة ، قالت جميلة في حنان :

- حبيبتي حضّري حاجتك عشان هنمشي كمان شوية .. ولو فيه حاجات مش هتلحقي تحضريها مفيش مشكلة.. كدا كدا هنيجي البيت تاني في أي وقت .

فنظرت لها فى توسل قائلة :
- أنا مش عايزة امشي من هنا .. مش عايزة أروح في حته .

- يعني هتقعدي هنا لوحدك ؟!
وبعدين يا حبيبتي أنتي قلقانة من إيه ، أنتي هتيجي تعيشي في بيت كبير وحلو أوي وفيه جنينة واسعة جداً.. ومش عايزاكِ تخافي من أي حد ولا من أي حاجة ، إحنا هنقعد طول الوقت مع بعض وهيبقى معانا زين كمان .

ثم أكملت حتي تطمئنني مما أخشاه حقاً :
- وهشام بيروح الشغل الصبح بدرى وبيرجع بالليل خالص .. يعني هنقعد براحتنا طول اليوم.. ها إيه رأيك ؟!

طمأنني حديثها قليلاً ، فأومأت برأسي فى استسلام ، ثم قمت لتحضير حاجياتي ، فجاءت معي للمساعدة و لاختصار الوقت ، وضعتُ بعض ملابسي في حقيبة متوسطة ووضعت معها حقيبة وملابس المدرسة وكذلك بعض أدوات الرسم التي اشترتها لي أمي قبل وعكتها الصحية ، ووضعت أيضا الدمى التي احبها وكانت تصنعها لي أمي دائماً من الأقمشة والقطن ، كنت أعتز بصنيعها في كل شيء وأريد أن يبقى معي كل الأشياء التي تذكرني بها ، جهزنا كل شيء ، وجلسنا ننتظره حتي يأتي ونرحل .

كان قد أقام سرادق العزاء في شارع رئيسي كبير بعيد نسبياً عن البيت ، حيث حضره بعض الشخصيات المهمة اللذين توطدت علاقته بهم بعد أن أصبح محامياً شهيراً ، جاء بوجهٍ عابس ونظرات جامدة خالية من الحياة ، وقال بصوتٍ أجش وكأنه لم يتحدث منذ فترة طويلة :

جنّة إبليس Where stories live. Discover now